تمر القضية الفلسطينية بمرحلة موات سياسي لن تخرج منها حتى الربيع القادم، وذلك مرده إلى عوامل محلية وإقليمية ودولية تصل فيها درجة التشابك والتعقيد إلى حد غير مسبوق، نظراً لنتائج الانتخابات الأميركية التي أفضت إلى وصول باراك أوباما إلى قمة السلطة في الولايات المتحدة الأميركية، ونظراً إلى فشل وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني بتشكيل حكومة بقيادة حزب كاديما، والتوجه نحو انتخابات يمكن أن توصل بنيامين نتنياهو المتشدد إلى رأس الهرم في حكومة إسرائيل، ناهيك عن انقسام في الصف الفلسطيني عجزت مصر حتى اللحظة عن جمع الفرقاء المتخاصمين على طاولة واحدة تمهيداً لإقامة وحدة وطنية يكون لها كلمة واحدة ورأياً موحداً تواجه فيه استحقاقات قادمة.
يأتي ذلك في خضم أزمة مالية تمر بها الولايات المتحدة والعالم، وهذه لن تتيح للرئيس الأميركي الجديد الكثير من الوقت والجهد يبذله لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، عكس ما يتوقعه كثيرون من أن حلم الدولة الفلسطينية سيولد على يدي رئيس كهذا أسود وأبوه مسلم ويعرف أكثر من سابقيه بجوانب القضية الفلسطينية ودهاليزها.
وأما المجتمع الإسرائيلي فيبدو أنه غير مؤهل بعد لعقد صفقة سلام عادلة مع الفلسطينيين يلبي طموحاتهم بإقامة دولة عاصمتها القدس وحل مشرف لقضية اللاجئين، والسبب في ذلك استمرار اختلال توازن القوى على الأرض، فما الذي يدفع «صقراً» صهيونياً مثل نتنياهو إن وصل للسلطة أن يوقع وثيقة بتسليم القدس وهي المدينة التي لم تسلم يوماً مفاتيحها إلا تحت صليل السيوف أو هدير المدافع وأزيز الطائرات، ليرجع الحالمون إلى التاريخ ويروا كيف سقطت مملكة اليهود الأولى فيها على يد نبوخذنصر، ثم الرومان والصليبيين وكيف فتحها عمر بن الخطاب وحررها صلاح الدين، بل كيف سقطت بيد الجيش الإسرائيلي في زمن الحكم الأردني.
لماذا نطلب الآن من أوباما أن يحررها ويعطيها لنا على طبق من فضة، فيما الفلسطينيون منقسمون ويحاربون بعضهم بعضاً، والعرب لاهون في انشقاقاتهم وأموالهم وبترولهم الذي ضربته عاصفة الكساد فتهاوت أسعاره.
القضية الفلسطينية نوع من القضايا العصية على الحل، جل ما يبغيه القائمون عليها إدارة الأزمات الناشئة عنها والمتفرعة منها، فالأميركيون والأوروبيون يهمهم تقليص الفوضى في هذا الجزء المتفجر من العالم كجزء من محاربة الإرهاب، والأمم المتحدة تقوم بدورها الإنساني على مدى ستين عاماً، توزع على اللاجئين الطحين وعلب السردين، وهي ليست مخولة بلعب دور سياسي يلبي للفلسطينيين طوحاتهم ويعيد لهم حقوقهم، والأنظمة العربية همها الوحيد في معادلة الصراع الاحتفاظ بعروشها، حتى الفلسطينيون أصبح لهم عروش، ليس سهلاً عليهم النزول عنها، وإلا كيف تفسر هذا الانشقاق بين رام الله وغزة، أليس مرده رغبة طرفي الصراع في الاحتفاظ بمناصبهم ونفوذهم حتى لو كان ذلك على حساب دماء الفلسطينيين ولقمة عيشهم وأحلامهم المهدورة فهل هي إذن مرحلة موات سياسي تمر بها القضية الفلسطينية أم أنه الموت الأبدي؟!..
Leave a Reply