ديترويت – في غضون سنتين من تشريع ألعاب القمار والمراهنات الرياضية عبر الإنترنت في ميشيغن، بدأت الولاية تشهد ارتفاعاً كبيراً في نسبة الأشخاص الذين يعانون من الإدمان على ألعاب الميسر، ويتجلى ذلك بشكل واضح من خلال الارتفاع الصاروخي في أعداد الأفراد الذين يطلبون المساعدة للتغلب على إدمانهم، وفقاً للبيانات الرسمية.
فبحسب وزارة الصحة والخدمات الاجتماعية في ميشيغن، تلقت الخطوط الهاتفية المخصصة لمساعدة المدمنين على القمار، 4,306 مكالمات خلال العام 2022، بزيادة 18 بالمئة عن العام 2021، وزيادة بمقدار 171 بالمئة عن عام 2020، عندما لم تكن المراهنات الإلكترونية خياراً متاحاً، كما هو الحال اليوم، حيث يستطيع الناس أن يضعوا رهانتهم بضغطة زر عبر الحاسوب أو الهاتف النقال.
كذلك، شهد العام الماضي إحالة أكثر من 500 شخص للعلاج من مشاكل تتعلق بالإدمان على القمار، بالمقارنة مع 398 شخصاً في عام 2021، و294 في عام 2020.
وفي مؤشر آخر على اتساع آفة القمار في ولاية البحيرات العظمى، ارتفع إجمالي الرهانات في ميشيغن من 3.7 مليار دولار عام 2021 إلى 4.6 مليار دولار في عام 2022، ومن ضمنها 1.98 مليار من المراهنات الرياضية وألعاب القمار الإلكترونية التي توفرها الكازينوهات التجارية والقبلية في الولاية عبر تطبيقات إلكترونية خاصة. وقد ارتفع حجم هذا النوع من الرهانات بمقدار 41 بالمئة عن عام 2021.
وكانت ميشيغن قد شرعت قبل عامين بترخيص ألعاب الميسر عبر الإنترنت في عشرة كازينوهات، وهي كازينوهات ديترويت الثلاثة، «أم جي أم»، «موتور سيتي» و«غريكتاون»، إضافة إلى سبعة كازينوهات مملوكة لقبائل السكان الأصليين.
وكانت مباراة السوبر بول عام 2021 أول حدث رياضي يُفتح للمراهنات في ميشيغن، ومنذ ذلك الحين ارتفع عددد الولايات التي تسمح بالمراهنات الرياضية في أميركا من 15 إلى 36 ولاية.
جذب المقامرين
تعيد الإعلانات ودعايات القمار المغرية ذكريات المشاهد والصور والأصوات في الكازينوهات لتحفيز أدمغة المقامرين على إفراز هرمون الدوبامين المسؤول عن إدمان الميسر، وهو ما حصل مع أحد المقامرين العرب الأميركيين الذي وجد نفسه قاب قوسين أو أدنى من الانزلاق مجدداً إلى «عالم القمار المظلم والقاسي».
وكان حسين أحمد (44 عاماً)، الذي يصف نفسه بأنه من «قدامى المقامرين»، قد وجد نفسه وهو ينزلق مرة أخرى نحو عالم القمار بسبب الإعلانات المنتشرة في كل مكان، والتي تعد الزبائن الجدد بعروض مغرية، من قبيل الحصول على نقود إلكترونية مجاناً أو المراهنة من دون مخاطر للمبتدئين أو مضاعفة الرهانات التي يودِعها المسجَّلون الجدد على المنصات الإلكترونية والتطبيقات الهاتفية.
حسين أحمد (وهو اسم مستعار) كان يملك ورشة لإصلاح السيارات في منطقة ديترويت، عندما دأب في عام 2013 على الذهاب مع أصدقائه لتزجية الوقت في كازينو «أم جي أم» في عطلات نهاية الأسبوع، ومع أن ألعاب الورق وماكينات الحظ لم تستهوه في البداية، إلا أن الأمر لم يستغرق سوى بضعة زيارات حتى «وقع في الفخ» الذي لم يخرج منه إلا بعد عدة سنوات، حسبما أفاد لـ«صدى الوطن».
وقال أحمد: «لقد استنزفتني تلك السنين بشكل كامل.. لقد خسرت كل شيء».
وأوضح بأن الإعلانات –التي تملأ جوانب الحافلات ومواقع التواصل الاجتماعي– ذكّرته بـ«الأيام الخوالي» فعاد ليجرب حظه مرة أخرى. وقال: «لقد شكلت تلك الإعلانات حافزاً كبيراً بالنسبة لي»، مضيفاً: «بوجود الهواتف الذكية، يمكنك بنقرة واحدة تنزيل أحد التطبيقات والبدء بالرهان.. لقد جعلوا الأمر سهلاً وسلساً للغاية، إنهم يريدون جذبنا».
وأردف: «عالم القمار يبدو بهياً وساحراً للوهلة الأولى، لكن المرء يحتاج إلى بعض الوقت ليدرك بأنه ليس أكثر من عالم مظلم مليء بالشرور».
ويستعيد أحمد مع «صدى الوطن» تجربته «المريرة» خلال رحلة القمار «المدمرة» التي استمرت لنحو ثلاثة أعوام، لافتاً إلى أنه لم يكن يتصور بأنه سيقع ضحية ألعاب الميسر في يوم من الأيام، وقال: «لقد ذهبت عدة مرات مع أصدقائي للسهر في الكازينو، ولكنني لم أشعر في البداية بأية رغبة في المقامرة، ولو بقرش واحد، كنت أكتفي بالسهر والسمر مع أصحابي».
وأضاف: «كنت أرى المقامرة سلوكاً غبياً، فضلاً عن كونها محرمة من الناحية الشرعية، ومبتذلة على المستوى الاجتماعي في مجتمعاتنا الشرقية».
ولفت أحمد إلى أنه بدأ بالمقامرة بمبالغ صغيرة من أجل «التسلية»، أو الابتعاد قليلاً عن أصدقائه في الحالات التي تسوء فيها أمزجتهم بسبب الخسارات المتتالية. وقال: «بدأت بمبالغ صغيرة، لكي أعطي أصدقائي فسحة من الوقت، ولم أكن أعلم أنني انزلق إلى ذلك العالم المظلم والقاسي».
وتابع قائلاً: «إنه عالم شرير، تصور إنهم يضعون ماكينات يمكنك اللعب فيها بسنت واحد.. إنهم يستنزفونك حتى آخر قرش».
كان أحمد سعيداً بالأرباح الأولى، وفي إحدى الليالي جنى أكثر من ثلاثة آلاف دولار خلال أقل من ساعة، وهو مبلغ كان عليه أن يبذل الكثير من الجهد لكي يحصله في ورشة إصلاح السيارات التي كانت تضم نحو خمسة عمال.
استسهال الربح، ودوامة تعويض الخسائر، قادا أحمد في المراحل التالية إلى المراهنة بمبالغ أكبر على طاولات الـ«بلاك جاك» و«الروليت» و«البوكر»… و«سواء ربحت أم خسرت، فإن كل ما تشعر به، هو الرغبة في مواصلة اللعب، وهكذا بتّ أمضي الوقت في الكازينو طوال الليل وحتى ظهيرة اليوم التالي» يقول أحمد.
بدأ الرجل الثلاثيني حينها يهمل عمله أكثر فأكثر، ويستهين في تأمين المستلزمات والبضائع الأساسية لمواصلة عمل الورشة، وكان في كل ليلة يحمل ما يجنيه من المبالغ النقدية ليصرفها في الكازينو، في محاولة بائسة لاسترداد خسائره التي كانت تتراكم يوماً بعد يوم.
عدد المقامرين الذين طلبوا المساعدة للتخلص من الإدمان تضاعف في غضون عامين
ولم يطل الأمر كثيراً، حتى بدأ يماطل في دفع رواتب العاملين لديه، وفي الوفاء بوعوده لزبائن ورشته.. التي اضطر في نهاية المطاف إلى إغلاقها بعد تعثر مستمر ومضنٍ.
لم ينته الأمر عند ذلك، فبعد «نفاد الكاش»، عمد أحمد إلى استعمال بطاقات الائتمان مجازفاً بدفع فوائد كبيرة لتحصيل بعض المبالغ النقدية التي كان يخسرها تباعاً، حتى أصبح «على الحديدة»، كما يقول المثل الشعبي، ما اضطره إلى اللجوء إلى الأصدقاء والأقارب لتأمين أموال متفرقة ذهبت بدورها أدراج الرياح.
رغم ذلك لم يكن أحمد مستعداً للاعتراف بأنه مدمن على القمار، وعندما علم بوجود برامج مخصصة لمساعدة المقامرين على الإقلاع عن الميسر، بدا له الأمر مجرد «نكتة سمجة».
وقال أحمد: «كنت أغرق، ولم أكن أجرؤ على الاعتراف بخطئي، كنت في أسوأ حال، عندما قررت أخيراً الاتصال بالخط الساخن لمساعدة المقامرين.. كان ذلك بصيص الأمل الأخير في حياتي».
في النهاية، خضع أحمد لبرنامج كثيف لمعالجة اضطرابات الإدمان على القمار، ونجح خلال شهور قليلة بـ«العودة إلى الحياة» حسب قوله لـ«صدى الوطن».
لكن مع رتابة الحياة خلال فترة الإغلاق العام بسبب وباء كورونا، اجتذبته الإعلانات المغرية للعودة إلى المراهنة الإلكترونية على إحدى التطبيقات الهاتفية، وخلال أقل من شهر خسر أكثر من ألفي دولار، ما جعله يشعر بالخطر الداهم، ويقرر التوقف نهائياً عن ألعاب المراهنة دون التفكير بتعويض خسائره.
وقال: «لو أقنعت نفسي بأن ألعب لكي أستعيد خسائري، لكنت اليوم مازلت عالقاً في هذه الآفة الرهيبة»، معرباً عن امتنانه لخط مساعدة المقامرين في ميشيغن، وكذلك لمستشاره ولبرنامج التعافي الذي أنقذ حياته.
وحثّ أحمد العرب الأميركيين «الذين يتواجدون بكثرة في كازيوهات ديترويت»، على عدم التردد في طلب المساعدة إذا كانوا من رواد الكازينوهات. وقال: «إن كازينوهات ديترويت قريبة جداً من المجتمع العربي والشرق أوسطي في منطقة ديربورن، وكثير من الشباب يرتادونها من أجل السهر، أو لتجريب حظهم، دون أن يعرفوا بأنهم يحفرون قبورهم بأيديهم». وأضاف: «يحتاج مجتمعنا إلى نشر التوعية في هذا المجال، لأن الكثير من المدمنين على القمار يخافون من وصمة العار الاجتماعية»، مؤكداً بأن برامج التعافي من إدمان القمار «مفيدة للغاية»، وأنها كانت السبب في جعل حياته «أفضل بكثير».
سرعة الإدمان
أوضح رئيس «جمعية ميشيغن لمشكلات المقامرين»، مايكل بيرك، بأن عدد المكالمات التي تطلب المساعدة في تزايد مستمر في الولاية بسبب ارتفاع أعداد المدمنين على ألعاب الميسر، وقال: «في السابق، كان الأمر يستغرق سنتين أو أربع أو ست سنوات لكي يصبح الشخص مدمناً على ألعاب القمار، وكان ذلك متعلقاً بمدى قربه من الكازينو، وأما مع وجود الألعاب الجديدة والمراهنات على الإنترنت، فإن الإدمان يحدث في غضون أشهر».
وحذر بيرك، من اتساع هذه الآفة في ميشيغن، وقال: «في السنوات الخمس المقبلة ستكون هناك فوضى تفوق أي شيء رأيناه سابقاً مع المقامرة»، لافتاً إلى أن نسبة وازنة من المقامرين يلجأون إلى أعمال إجرامية لتأمين المال، مثل السرقة أو الاختلاس أو الاحتيال على الآخرين.
وأكد بيرك بأن الإعلانات هي من بين الأشياء التي يجب العمل على تحسينها وإعادة تنظيمها، سواء من قبل المسؤولين في صناعة القمار، أو الهيئات التشريعية في الولاية، وقال: «في الوقت الحالي، هؤلاء لا يفعلون ما يكفي»، مضيفاً: «هذه الإعلانات التي تتحدث عن رهانات خالية من المخاطر والتي تقول إنهم يعطون أموالاً مجانية..هي أكثر ما يزعجني اليوم».
ولفت بيرك إلى وجود عشرات من وكالات الاستشارة التي تقدم فرصاً للعلاج في ولاية ميشيغن، بما في ذلك ثلاثة مرافق في منطقة ديترويت لتقديم العلاج الداخلي للمرضى الداخليين كجزء من برنامج تجريبي بدأ عام 2021، حيث يتم تدريب موظفي خط المساعدة على تقييم مستويات الرعاية المطلوبة وإجراء الإحالات المناسبة للعلاج.
يمكن طلب المساعدة للعلاج من إدمان القمار، عبر الاتصال على الرقم : 1.800.2707117
Leave a Reply