نبيل هيثم – «صدى الوطن»
لم يكن مستغرباً النوم الجماعي لهذا العدد الكبير من الملوك والأمراء والرؤساء العرب في القمة العربية التي استضافتها تونس قبل أيام. المشهد بدا مكرراً حتى الملل، إلا في مواقع التواصل الاجتماعي، التي لم يكن روادها في حاجة إلا إلى مادة جديدة للسخرية، ولتذكيرنا بأن القمة العربية مناسبة جديدة لإحياء ذكرى أمّة تنازع على سرير الموت.
القادة العرب بدورهم لم يخيّبوا ظنون الساخرين، فالبيان الختامي لقمتهم لم يقدّم جديداً، بل كرر مواقف وبيانات دورية، عرّتها انقسامات بشأن سوريا وإيران وحرب اليمن والصراع بين دول الخليج.
احتفى العرب ببيان رفضوا فيه قرار دونالد ترامب حول الجولان، ليوضع مع غيره من البيانات في أدراج الأمانة العامة، لإعادة تدويرها مجدداً في قمم لاحقة.
هلّل العرب كذلك لبيان رفض الاعتراف الأميركي بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ليلقى مكانه فوق بيان الجولان أو تحته، ليستخدم مرة جديدة في ظل ما يحضر للقضية الفلسطينية من مشاريع تصفية، عنوانها العريض «صفقة القرن» التي يجاهر العرب أنفسم بدعمها.
سوريا
الجولان سوري بحسب القادة العرب، لكن سوريا نفسها لم تعد عندهم عربية، فالتوافق العربي على إدراج ملف عودة سوريا إلى الجامعة العربية في القرار الخاص بالأزمة السورية لم يتحقق، وما كان موضع جدل في قمة بيروت الاقتصادية، بات تأجيله موضع إجماع في قمة تونس، طالما أن الأب الأكبر الساكن في علياء البيت الأبيض لم يعط بركته الإلهية بعد.
وحدة الأرض السورية خط أحمر ايضاً بحسب القادة العرب، ولكنها ليست كذلك حين تتعرض سوريا لعدوان جديد من الطيران الإسرائيلي –هذه المرة في حلب– وتحتل القوات الأميركية، وبجانبها القوات التركية، أجزاء من هذه الأرض نفسها شمالاً، فيما يلقى الإرهاب السرطاني دعماً من دول عربية وقّع قادتها بأنفسهم على القرار الخاص بسورية الجولان.
أمة الموت السريري، المنكِرة للحقائق على الأرض، تبدو خارج سياق الزمن حين يتعلق الأمر بسوريا، فالقاصي والداني بات على علم بأن الانتصار بالدم في الميدان السوري سيحسم علاقات الدولة السورية الإقليمية والدولية، والجامعة العربية تبدو اليوم أكثر حاجة إلى عودة سوريا بمئات المرات من حاجة سوريا لاستعادة عضويتها المعلّقة. فسوريا، وبرغم ما حل بها، تكاد تكون اليوم الدولة العربية الوحيدة التي لا يمكن لأحد أن يفرض عليها شروطاً سياسية من أي نوع، مثل تسوية مع الإرهابيين ورعاتهم.
صفقة القرن
ما ينطبق على الجولان ينسحب على القدس، فالبيان حولها لم يكن أكثر من نسخة معدلة التاريخ من نموذج دأب القادة العرب على إصداره منذ تأسيس الجامعة العربية، في حين أن ما يحاك ضد القدس خصوصاً والقضية الفلسطينية عموماً، بات ربما على مسافة أسابيع من تكريسه رسمياً في خطط ستحمل بالتأكيد تواقيع وبصمات عربية.
الصفقة باتت جاهزة، وموعد إعلانها الرسمي ليس بتوقيت العرب وإنما بتوقيت الانتخابات الإسرائيلية، طالما أن ثمة علاقة متبادلة واضحة بين المعركة الانتخابية المرتقبة الأسبوع القادم والخطة الأميركية المطروحة، وطالما أن قادة الأمة العربية النيام لن يعكر صفوهم استفزازٌ من قبيل ما يتردد عن اختيار جاريد كوشنر، صهر ترامب وعراب التسوية الجديد، يوم النكبة للإعلان الرسمي عن صفقة القرن.
وإذا كان الخلاف محتدماً داخل إسرائيل حول «صفقة القرن» بين المرشحين في الانتخابات البرلمانية القادمة، فإن الأمر لا يبدو كذلك عند العرب، بالرغم من أن لا دولة عربية ستسلم من تبعاتها: لا مصر التي ستفقد جزءاً من سيناء في مقابل مليارات الدولارات التي يتلهف اليها اقتصادها المأزوم، ولا الأردن الذي لن تسلم أراضيه من خطة تكريس سيطرة إسرائيل شبه الكاملة على الضفة الغربية، ولا لبنان الذي سيدفع ثمن الصفقة توطيناً للفلسطينيين، ولا حتى الخليجيين الذين سيفتحون خزائنهم بالمجان لتمويل الصفقة وتسويقها!
السعودية-قطر
لهذا لم يكن مستغرباً أن يحضر الملك السعودي سلمان والأمير القطري تميم معاً، الجلسة الافتتاحية لقمة تونس، وهو اللقاء الأول لهما في قاعة واحدة من منذ اندلاع الأزمة الخليجية يوم 5 حزيران عام 2017، حينما أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع علاقاتها مع قطر وفرضت عليها «مقاطعة»، متهمة إياها بدعم الإرهاب والابتعاد عن محيطها العربي نحو إيران.
ولا يعني شيئاً أن يغادر أمير قطر، الجلسة الافتتاحية للقمة العربية خلال كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، التي تلت كلمتي الملك السعودي والرئيس التونسي، والتي تفاوتت الروايات بشأنها بين من يفسرها بالانتقادات التي وجهها أبو الغيط لما وصفه بالتدخلات الإيرانية والتركية في شؤون عدد من الدول العربية، معتبراً أنها فاقمت الأزمات فيها وأبعدتها عن الحل، وبين من تحدث عن أن مغادرة الشيخ تميم جاءت بعد «رسائل غير مباشرة إلى دولة قطر» من قبل الملك سلمان وأبو الغيط، في حين كانت الرواية الأكثر دقة تلك التي نقلتها إذاعة «موزاييك أف أم» التونسية الشهيرة، وذات المصداقية، عن مصادر موثوقة، قالت إن «مغادرة أمير قطر السريعة كانت مبرمجة منذ إعلان مشاركته في القمة وإن الجانب القطري اتفق مع المسؤولين التونسيين على أن يكتفي الأمير تميم بحضور كلمتي رئيس تونس والأمين العام للجامعة».
وأياً تكن الحال، فإنّ مجرّد حضور الجارين اللدودين يؤشر على حلحلة ما في الأزمة الخليجية، ولكنها ليست مجانية بطبيعة الحال، طالما أن كل الخلافات تتلاشى حين يتعلق الأمر بصفقات مصيرية لم يعتد العرب على مناقشتها في مؤتمرات قمة النيام، وانما في الغرف المحاطة بأجهزة التشويش الإلكتروني في دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، والتي سيتوافد إليها بعد أيام رئيس أو ملك أو أمير أو وزير خارجية قبل أن يخرج الدخان الأبيض من غرفة كوشنر.
لم تكن قمة تونس كوميديا بنكهة فيسبوكية، بل كوميديا سوداء تجاوزت رتابة الكلمات الانشائية المعروفة منذ زمن، لتصل إلى ذروتها في ثلاث مشهديات: الخلاف حول مكان انعقاد القمة المقبلة، واقتلاع الأشجار من محيط مقر اجتماع القادة العرب بعيد مغادرتهم… والأهم مما سبق، الإصرار على اعتماد بيان يؤكّد «سيادة دولة الإمارات العربية على الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى التي تحتلها إيران»!
Leave a Reply