يهاجم من قدَّس المسيح وأمه (ع)
يخرج علينا القمّص زكريا بطرس وهو رجل دين مسيحي قبطي في الإذاعة بين الحين والآخر يجرّح بشخصية الرسول الأكرم محمد (ص) والإسلام بطريقة تهريجية سوقية مهينة لم نعهد بمثلها عند المسيحيين الأفاضل، فماذا تقولون؟ وماذا أنتم فاعلون؟
سؤال يطرحه علينا الكثيرون.. ونحن نقول مع القرآن الكريم {اِدْفَع بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّه وَلِيٌّ حَمِيم. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيم}، ولكن فاض الكيل من جناب القمّص وتعدّى المعقول، وإن الرجل يعلم علم اليقين، وهو المتعلِّم، بأنه يقع في خلل في المنهج والفهم والأسلوب وهو يهاجم الإسلام ويصب جام غضبه عليه..
أما المنهج: فإنه يستشهد بأي شيء جاء في كتب المسلمين وكتب الأحاديث والسيرة حول النبي (ص) حتى من الكتب السقيمة ويعرف أن كتب الأحاديث عند المسلمين حتى التي وسمت بالصحاح ليس كل شيء فيها صحيحاً، وإنما هي صحيحة بالنسبة لمؤلفيها وكتّابها، ومختصة بدرجة فهمهم وظروفهم التاريخية، وأن على كل مجتهد حالي يقوم بواجب الفقه والإفتاء أن يجتهد ويدقق بنفسه في كل حديث خاص بموضوع فتواه ورد عن النبي (ص) ومدى صحته، وذلك من خلال علم الحديث وعلم دراسة سند الروايات وسلسلة رواتها ومدى وثاقتهم أو ضعفهم أو مجهوليتهم أو كذبهم أو تلوّنهم السياسي أو تعصبهم، ودراسة مضمون الحديث وظاهره وباطنه وظروف صدوره، ومدى دقة تلك الظروف مع الحديث في الوقائع التاريخية، كل ذلك لاستخراج أحاديث النبي الصحيحة وسيرته الموثقة وتمييزها عن المكذوبة .. وذلك لكثرة الأحاديث الموضوعة والملفّقة التي ظهرت حتى في عصر النبي (ص)، مما دعاه (ص) إلى الدعوة إلى عرض الأحاديث على كتاب الله وأخذ ما يوافق كتاب الله وطرح ما خالفه كميزان لمعرفة الصحيح والمكذوب .. إن جناب القمّص يتجاهل هذا كله ويعرفه ويأخذ بالغث والسقيم وبأي شيء مكتوب في كتب المسلمين ليحبك لغة التجريح والإهانة للإسلام ونبيِّه (ص).
وتسأل: من أين نأخذ إذاً سيرة النبي (ص) الصحيحة إذا لم نأخذها من السيرة التي كتبها ابن إسحق وابن هشام والحلبي وغيرهم؟
والجواب: أن المحققين والعلماء درسوا روايات السيرة والأحاديث ونقّحوها بدقّة من خلال علم دراسة النصوص وقرائن الأحداث، ويمكن الرجوع إلى كتاب «الصحيح من سيرة الرسول الأعظم» للمحقق السيد جعفر مرتضى وهو حوالي 03 مجلداً، وكتاب (السيرة النبوية) لنجاح الطائي، وكتاب (السيرة النبوية بحسب روايات أهل البيت (ع)) وكلها مطبوعة في بيروت فراجع ..
وأما الفهم: فإن جناب القمص يسقط سيكولوجياً- رغبته العدائية ضد الإسلام على النصوص في تفسير أي حديث أو رواية أو حدث تاريخي ويدس في فهمها الخيالات ويضيف إليها البهارات والتهم المعدّة سلفاً ليركِّب صورة كاريكاتورية بحسب ما يشتهي لا بحسب ما يقتضيه النص في حدوده اللغوية الصارمة .. والمفروض أكاديمياً أن التفسير الدقيق لأي نص وفهمه يجب أن لا يزيد على معنى النص الذي تحدّده اللغة، حتى يكون أميناً وموضوعياً ..
وأما الأسلوب: فالاستهزاء والسخرية من رسول الإسلام (ص) ومن القرآن الكريم، وإظهار الأسى والحزن على المسلمين (البائسين هكذا!)، وأن بؤس العالم العربي إنما هو بسبب وجود الإسلام، ولا يتحدث عن عالم وبلاد مسيحية وغير مسيحية هي أيضاً بائسة، بالمعنى الذي يقصده هو، ومن العالم الثالث والدول النامية وغيرها.. علماً بأن بعض الدول الإسلامية تخلّفت حين تخلّت عن تعاليم الإسلام في الحث على العلم والنظافة واستعمال العقل والفكر وتطوير الصناعة وعلوم الطب والحياة، وزادها الاستعمار الذي جاء بسبب غير المسلمين تخلّفاً وبؤساً.
إن طريقة (حضرة القمص) المذكور في نقد الإسلام ودراسته تجافي الطرق العلمية الأكاديمية الحضارية بحيث إنه لا يذكر منقبة للإسلام بطوله وعرضه في كل كلامه، وهذا يؤكد تحيّزه ضد الإسلام وعدائيته المستبطنة سلفاً لكل ما هو إسلامي .. والطرق العلمية تبتعد عن التهريج والاستهزاء، وتتصرف بأدب ولياقة في ذكر الإيجابيات والسلبيات حتى حينما تدرس ديناً تعاديه أو تكرهه أو لا تعتقد به، فكيف إذا كان هو الإسلام في قوة الحجة والمنطق والمنظومة المتراصّة في سبكها وحكمتها العالية، واحترامها للأديان السماوية والانبياء والرسل واعترافها بالتعددية الدينية والتعايش السلمي المشترك بين الأديان؟!
والعجيب أن جناب القمّص يصب جام غضبه على الإسلام مع أن الإسلام قدّس المسيح وأمه عليهما السلام واعتبر من لا يؤمن بقداستهما خارجاً عن الإسلام. وهذا الموقف من الإسلام ينبغي من جناب القمّص أن يقدم الشكر عليه للإسلام ونبيّه (ص)، وأن يردّ التحية والتبجيل بمثله، أو يسكت على الأقل.. أما أن يتنكر للجميل ويواجه الإحسان بالإساءة فذلك ليس من شيم الكرام.
والعجيب من (سيادة القمّص) أنه لا يصب جام غضبه على أولئك اليهود في التاريخ الذين يعتقد هو أنهم قتلوا إلهه وصلبوه وآلموه وسفكوا دمه وأسالوا جراحه ودقوا المسامير في جسده في يديه ورجليه وعلقوه على الصليب يتألم ليل نهار!!! ولم يفعل محمد (ص) ودينه، ذلك بعيسى وأمه عليهما السلام، بل قدّسهما وبجّلهما وطهّرهما من كل دنس وعيب، وأنحى باللائمة على من اتّهمها بالفحشاء والمنكر، واعتبر المسيح رسولاً عظيماً معصوماً من الزلل صنع المعاجز العظيمة بإذن الله، وأن الله اصطفى أمه وطهَّرها واصطفاها على نساء العالمين حيث قال تعالى: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران).
ووصف القرآن عيسى (ع) بأنه روح من الله أي أن الله تعالى خلقه من قدرته الروحانية وجعل روحه روحاً مقدّسة .. قال تعالى: {..إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتِهِ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرَوْحٌ مِنْهُ ..} (النساء).
ومدح القرآن النصارى والقسيسين والرهبان المتوددين المتواضعين المنصفين المتفهمين بقوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الّذينَ قَالُوا إِنّا نَصَارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُم لاَ يَسْتَكْبِرُون. وَإِذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُم تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (المائدة).
فإلى أي تناقض يصل جناب القمّص زكريا بطرس في كلامه وأحاديثه الغريبة؟ ومتى سيحترم عقول الناس ومسيحيته وديانته المنادية بالكلمة الطيبة والمحبة والقول الحسن؟!
Leave a Reply