طارق عبدالواحد، حسن خليفة – «صدى الوطن»
منذ قرابة الشهرين، انتقلت قنصلية لبنان العامة في ديترويت، إلى مقرها الجديد في مدينة ساوثفيلد على العنوان 1000 تاون سنتر، في إطار جهودها لتلبية متطلبات الجالية اللبنانية المتنامية في 14 ولاية من ولايات الغرب الأوسط الأميركي، أبرزها ميشيغن التي تحتضن حوالي 100 ألف شخص يحمل الجنسية اللبنانية بحسب الإحصاءات الرسمية.
وقد كانت هذه الكثافة الاغترابية في ولاية ميشيغن عاملاً أساسياً في نقل قنصلية الغرب الأوسط من مدينة شيكاغو إلى مدينة ديترويت في العام 1964، تزامناً مع إلغاء قنصلية فخرية كان مقرها في مدينة غروست بوينت.
للتعرف على موقع القنصلية الجديد، والأسباب التي استدعت الانتقال إليه، قامت «صدى الوطن» بزيارة مقر القنصلية الجديد في مدينة ساوثفيلد، وكان لها هذا اللقاء مع قنصل لبنان العام بديترويت بلال قبلان.
■ ما هي أسباب نقل قنصلية لبنان العامة إلى موقعها الجديد في مدينة ساوثفيلد؟
– قنصلية لبنان العامة في ديترويت موجودة في ولاية ميشيغن منذ 1964 ومنذ ذلك الحين تبدل موقعها عدة مرات ضمن حدود مدينة ديترويت، قبل انتقالها مؤخراً إلى مدينة ساوثفيلد في سياق زيادة متطلبات الجالية اللبنانية وتغير أولوياتها التي استدعت أدوات إضافية لخدمتها، والتي كان من بينها المبنى اللائق بمكانة الجالية اللبنانية والوطن الأم –لبنان–، إضافة إلى المكاتب الواسعة الضرورية لعقد الاجتماعات والإيفاء بحاجات المراجعين واستيعاب الموظفين الذين ازداد عددهم بنسبة 40 بالمئة، منذ تعينني قنصلاً عاماً في ديترويت، قبل أكثر من خمس سنوات.
■ ما هي أبرز الاعتبارت التي استدعت الانتقال إلى الموقع الجديد؟
– لقد نمت الجالية اللبنانية سكانياً وجغرافياً على مدى العقود الأخيرة، وبالتالي باتت الحاجة ملحة لكي تكون القنصلية في موقع يتوسط هذا الانتشار، لعدة اعتبارات منها سهولة الوصول إليها من المدن والمناطق المختلفة، وتوفير الوقت والجهد على المراجعين، إضافة لتوفير بعض الخدمات مثل مواقف السيارات المجانية، وذلك كي نتفادى زيادة الأعباء المالية على المغتربين اللبنانيين.
من ناحية أخرى، أخذنا بعين الاعتبار أن يكون المكان الجديد لائقاً بمكانة الجالية اللبنانية وبمكانة لبنان، وقبل اختيارنا للموقع الجديد قمنا بدراسة عدة مواقع كان بينها موقع في غرب ديربورن، وكان الهدف من ذلك هو المساهمة في تنمية وإفادة المجتمع اللبناني في المدينة، ولكننا واجهنا مشكلة عدم توافر مواقف السيارات وعدم وجود مكاتب بالمواصفات التي يطمح إليها اللبنانيون المغتربون.
كذلك، كان العامل المادي من ضمن الاعتبارات، فقيمة الإيجار الشهري الذي يتوجب علينا دفعه لعب دوراً في انتقاء الموقع الجديد، مع الإشارة إلى أن الجالية اللبنانية كانت قد قامت في السابق بعدة محاولات لشراء مبنى للقنصلية، ولكن تلك المحاولات لم تتكلل بالنجاح.
كما فضلنا أن يكون الموقع قريباً من مدينة ديترويت، ففي المبدأ العام تقوم قنصليتنا بخدمة اللبنانيين المتواجدين في 14 ولاية أميركية، وكان من الممكن –بحسب القانون– أن تكون القنصلية في أية ولاية من تلك الولايات الـ14، ولكننا فضلنا البقاء في ولاية ميشيغن بسبب الكثافة الوازنة للاغتراب اللبناني في هذه الولاية تحديداً، وفضلنا البقاء قريباً من مدينة ديترويت.
■ لماذا ميشيغن؟
– قبل 1964 كانت الجالية اللبنانية متركزة في مدينة شيكاغو، وحينها كان يوجد قنصل فخري في ضاحية غروست بوينت )شرق ديترويت)، ولكن مع بدء الحرب الأهلية وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982 الذي كان سبباً مباشراً في تهجير أعداد كبيرة من أبناء الجنوب اللبناني، تضخمت الجالية اللبنانية بشكل ملحوظ وكبير، لاسيما في مدينة ديربورن بعد أن كانت تتركز في منطقة ديكس، هذه الأسباب دفعت الحكومة اللبنانية إلى نقل القنصلية إلى ميشيغن. إضافة إلى ذلك، كانت هناك اعتبارات سياسية وراء انتقال القنصلية إلى ديترويت، إذ كان القنصل الفخري في مدينة غروس بوينت على خلاف مع سياسيين لبنانيين أرادوا نقل القنصلية إلى ميشيغن لإلغاء القنصلية الفخرية، كما توضح المراسلات التي نملك نسخاً عنها. ولاحقا تغيرت طبيعة مكونات الجالية وصارت تشكل قاعدة انتخابية هامة لبعض التوجهات السياسية في لبنان، وأصبحَ فيها نشاط سياسي ملحوظ لمختلف الأحزاب اللبنانية.
■ ما هي الولايات التي تغطيها القنصلية؟
– تخدم القنصلية 254 ألف من حملة الجنسية اللبنانية في 14 ولاية أميركية، بحسب الإحصائيات الرسمية، وهي –بحسب الكثافة– ميشيغن وأوهايو وألينوي وكنتاكي وإنديانا ومينيسوتا ونبراسكا وآيوا ونورث داكوتا وويسكونسن وميزوري ووست فيرجينيا وكانساس وساوث داكوتا.
■ يتحضر لبنان في هذه الفترة من أجل الانتخابات النيابية، هل ستتفتح القنصلية أقلاماً انتخابية تمكن المغتربين من التصويت في الانتخابات القادمة، وتوفر عليهم كلفة ومشقة السفر إلى وطنهم الأم من أجل الإدلاء بأصواتهم؟
– لقد نصت بعض المواد القانونية الصادرة مؤخراً على أنه من الممكن إجراء الانتخابات النيابية في الخارج، حيث من الممكن للبنانيين الذين تتوافر فيهم شروط التصويت تسجيل أسمائهم لدى السفارات والقنصليات اللبنانية لدى مختلف دول العالم.
وكنا في «قنصلية لبنان العامة بديترويت» قد أعلنا عبر مراحل عديدة، من خلال وسائل الإعلام التي كانت «صدى الوطن» من بينها، أن الباب مفتوح أمام المواطنين للتسجيل ضمن مهلة محددة انتهت مع نهاية السنة الفائتة. وكان علينا لزاماً أن نقوم بإرسال معلومات حول أعداد المسجلين إلى وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية التي تنشر «لوائح الشطب» على موقعها الإلكتروني. وبإمكان أي شخص زيارة الموقع لكي يتأكد من وجود اسمه ضمن القلم الانتخابي التابع له، ولدينا في القنصلية قوائم لوائح الشطب ويمكن لأي شخص مراجعتنا في هذا المجال.
قوائم المسجلين في الخارج يتم إرسالها إلى بيروت لكي يتم شطبها من قوائم وزارة الداخلية لتفادي ازدواجية التصويت. وبحسب القانون، لكي نتمكن من افتتاح قلم لدائرة انتخابية ما في القنصلية، يتوجب أن يكون هناك ما لا يقل عن 200 مغترب من نفس الدائرة مسجلين للتصويت.
■ وهل تحقق هذا الشرط في قنصلية لبنان العامة في ديترويت؟
– لم يتحقق هذا الشرط. في الانتخابات البلدية الأخيرة بلغت أعداد المسجلين 486 صوتاً من عدة بلدات ولم توجد أية بلدة جمعت 200 صوت. وفي هذه المرة تم التسجيل بالعشرات فقط، وبالتالي لن تفتتح القنصلية أي قلم انتخابي في الدورة الانتخابية المقبلة.
■ بالنسبة لموضوع استحصال المتحدرين من أصول لبنانية على الجنسية، هل تتعلق هذه المسألة بالقضايا الانتخابية في لبنان أم أنها تأتي في سياق خطة وطنية تتجاوز الانتخابات والتجاذبات السياسية؟
– في الحقيقة هي تأتي في سياق خطة وطنية أبعد وأعمق من المسائل الانتخابية والتجاذبات السياسية، مع أن بعض السياسيين اللبنانيين قد تكون لديهم هذه التمنيات والحسابات. الفكرة قديمة. وقد تم العمل عليها من قبل جميع الأطراف، وخاصة من قبل معالي وزير الخارجية والمغتربين اللبنانيين جبران باسيل الذي يبذل جهوداً لافتة لإنجازها كجزء من خطته على الانفتاح الاغترابي.
ولهذا الموضوع تحديداً آثار معنوية بالغة، ففي حال حصول المتحدرين من أصول لبنانية على جنسية وطنهم الأم فهذا سيرسخ حضور لبنان في الخارج، وسيمنحهم القدرة في الحفاظ على هويتهم وتراثهم وانتمائهم لوطنهم الأصلي، ونحن كدولة لبنانية تعتبر الاغتراب هو سندنا الأول.. أي أنه يشكل مصلحة وطنية لنا، وبامتياز، فالاغتراب ينمي اقتصادنا ويثري ثقافتنا ويساعدنا في الدفاع عن حقوقنا وقضايانا حول العالم.
■ ماذا حققت القنصلية في هذا المضمار، هل هنالك إقبال من قبل المغتربين للحصول على الجنسية اللبنانية؟
– منذ بدأت خطة استعادة الجنسية.. يقدر عدد الطلبات التي تلقيناها بـ50 طلباً تقدمت بها عائلات وليس أفراداً. وإننا في هذه المناسبة نحث المواطنين ذوي الأصول اللبنانية على التقدم بطلباتهم بعد التعرف على الشروط المطلوبة المتوافرة على موقع القنصلية على الشبكة الإلكترونية lebanonconsulategdetroit.org
■ ما هي أبرز تلك الشروط؟
– أبرز الشروط هو امتلاك وثيقة تبثت أن المتقدم ينحدر من أب أو جد لبناني، مثل أوراق المعمودية، أو سندات امتلاك أراض في لبنان، أو وثائق وصول المهاجرين الأوائل إلى إيليس آيلاند ودخولهم إلى أميركا تفيد بأنهم لبنانيون. هذا مع الإشارة إلى بعض العائلات قد تغيرت أسماؤها ولكن لدينا حلول إن لكي نثبت أن هذه العائلة الجديدة أو تلك هي ذات أصول لبنانية.
ونحن في هذا السياق، نؤكد أن هذا الموضوع لا يتعلق بمصالح انتخابية وإنما المراد منه هو إثبات حضورنا في الخارج وربط الاغتراب والهجرة اللبنانية بالوطن الأم، لبنان.
■ تتردد معلومات عن مغادرتك منصب القنصل العام في ديترويت.. متى سيتم ذلك، وهل بإمكانك اطلاعنا على اسم القنصل العام الجديد؟
– الدبلوماسيون اللبنانيون يعملون وفقاً لنظم معينة، ومن ضمنهم القناصل العامون الذين تتحدد فترات عملهم في البلدان المضيفة بين 2 إلى 5 سنوات، كما أنهم يقومون بجولات خارج لبنان تمتد بحسب رتبهم إلى (7–10 سنوات)، بعدها يعودون إلى لبنان لمدة سنتين يتم فيهما إعادة تأهليهم للأوضاع المستجدة في بلدهم.
وفي هذا الإطار.. جئت إلى ديترويت في 2012 وكان من المفروض أن أخدم في قنصلية ديترويت لمدة عامين ولكن بسبب الفراغ الرئاسي طالت مدة إقامتي حتى زادت عن خمس سنوات. وبعد انتخاب فخامة الرئيس ميشال عون الذي سيقوم بطبيعة الحال بإعادة التعيينات الدبلوماسية، والتي يعمل عليها حالياَ معالي الوزير باسيل، وبالتالي سوف أنقل إلى مكان آخر، وسوف يتم تعيين أحد زملائي مكاني.
والزميل الجديد ليس معروفا من سيكون بعد، فالقرار يعود إلى المرسوم الذي سوف يتم توقيعه من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الخارجية.
■ ماذا ستكون توصياتك لخلفك القادم؟
– أوصيه بأن يبادل هذه الجالية الكريمة المحبة بمزيد من المحبة والكرم والانفتاح والتواضع. إن تجربتي مع هذه الجالية خلال السنوات الخمس الماضية أثبتت لي أن العمل الإداري والمكتبي ليس هو الأساس، فنحن نرى أن إصدار المعاملات والوثائق هي أدنى أدوار القنصلية التي من واجبها القيام بها، وفي المقام الأول يأتي التواصل مع المغتربين اللبنانيين بتفهم واحترام، فأبناء الجالية بحاجة لمن يستمع لهم، لا من يملي عليهم، وهذه الجالية متشوقة لمن يخدمها، وسوف تبادل الحب بالحب، والتعاون بالتعاون، والانفتاح بالانفتاح، وهذا هو الدور الأساسي للقنصليات كما نفهمه، وليس مجرد إنجاز العمليات البيروقراطية والوظيفية.
Leave a Reply