اتفاق معراب خارج الخدمة
تستمر أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية في إفراز العوارض الجانبية، من جمود اقتصادي وتجاذبات سياسية، لعل أشدها حدة تلك التي تتحكم بالعلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» بعد تداعي اتفاق معراب وإخراجه من الخدمة، ما أطلق العنان لصقور الطرفين، وسط صراع محموم على الحصص الوزارية وجبنة السلطة التي يتهافت عليها أصحاب الشهية المفتوحة والمعدة المنتفخة.
وحتى تفاهم «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» تحت سقف التسوية الرئاسية الشهيرة بدا في لحظة أنه يهتز على وقع التباين بين الجانبين في مقاربة سبل تشكيل الحكومة، ما دفع رئيس الجمهورية ميشال عون إلى رفع منسوب الضغط على الرئيس المكلف سعد الحريري عبر تلميحه إلى أن ما بعد مطلع أيلول (سبتمبر) لن يكون كما قبله إذا بقيت الولادة متعثرة.
مصادر التيار
تقول مصادر قيادية في «التيار الوطني الحر» إنه لا يجوز أن يستمر الحريري في إضاعة الوقت والتعامل ببرودة مع عملية تشكيل الحكومة، وكأن الوضع الاقتصادي ممتاز وفرص العمل متوافرة والفساد غير موجود والكهرباء منتظمة، معتبرة أن مكامن العرقلة باتت واضحة وتتمثل في المطالب المنتفخة لـ«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» والتي لا تستند إلى معيار واضح ولا تحتكم حصراً إلى نتائج الانتخابات النيابية.
وتشدد المصادر على أنه أصبح من واجب الرئيس المكلف أن يتصدى لأسباب التأخير في تشكيل الحكومة ويعالجها بشجاعة، من دون مواصلة الهروب إلى الامام، إذا كان يملك إرادة التأليف ولا يتاثر بالإشارات الخارجية.
وتشير المصادر إلى أن الحريري مُطالب بأن يحسم أمره، وأن يكسر الدوامة التي يدور فيها منذ تكليفه، مشددة على ضرورة أن يضع معياراً واحداً لتحديد الاحجام الوزارية وان يلتزم به في مفاوضاته مع كل الاطراف، بعيدا عن الاستنسابية والمزاجية، الامر الذي كان يتفاداه حتى الامس القريب، بفعل عوامل محلية واخرى خارجية.
وتشدد المصادر البرتقالية على أن الحريري أهدر ما يكفي من الوقت عبر الإجازات الشخصية التي أمضاها خارج لبنان، على مراحل، مشيرة إلى أن لحظة الحقيقة اقتربت، وآن الأوان كي يبادر الحريري إلى تشكيل الحكومة على أساس مقياس مشترك، بالتنسيق مع عون.
خطيئة جعجع
وترى المصادر أن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ارتكب «خطيئة فادحة» بمحاولته إنكار حق عون في الحصول على حصة وزارية مستقلة لا تُحتسب من ضمن حصة «التيار الوطني الحر»، لافتة إلى أن جعجع يهوى ارتكاب الأخطاء الاستراتيجية، ليس الآن فقط، بل منذ سنوات طويلة، حين تطوع لتأمين التغطية المسيحية لاتفاق الطائف الذي قلص صلاحيات رئيس الجمهورية ودور المسيحيين في السلطة، وصولاً إلى تحسسه الشديد حالياً حيال حق عون في أن تكون له كتلة وزارية، ضارباً بذلك جوهر تفاهم معراب الذي يؤكد ضرورة أن تدعم «القوات اللبنانية» العهد، ويلحظ تخصيص رئيس الجمهورية بكتلة وزارية.
وتعتبر المصادر ذاتها أن المؤسف هو أن موقف جعجع يستند إلى حسابات ضيقة، في حين أن تعزيز موقع رئيس الجمهورية عبر منحه كتلة وزارية وازنة، هو امر حيوي لا يرتبط بهذا العهد حصرا، ولا باسم ميشال عون تحديدا، بل يعني كل المسيحيين ومفاعيله تخدم رئاسة الجمهورية عموما بمعزل عن هوية الرئيس، وبالتالي ليس جائزا أن يقارب جعجع هذه المسألة من زاوية اتفاقه او خلافه مع عون في اللحظة الحالية. وتتساءل المصادر: لو حملت الاقدار السياسية سمير جعجع إلى رئاسة الجمهورية يوما ما، هل يقبل بحرمانه من تسمية وزراء له، يعوضون عن ضعف الصلاحيات ويسمحون له بالتأثير في قرارات مجلس الوزراء، بدل أن يكتفي الرئيس بترؤس جلسات مجلس الوزراء من دون أن يصوّت، كما يلحظ الدستور؟
وتستهجن مصادر «التيار الوطني الحر» كيف أن «القوات» كانت تقبل للرئيس ميشال سليمان بما ترفضه الآن للرئيس ميشال عون، بل هي وافقت على أن تتضمن حصة سليمان آنذاك حقيبتين سياديتين، بينما تحاول الآن أن تسحب من عون الحقيبة السيادية الوحيدة الموجودة تحت مظلته.
رد «القوات»
أما «القوات اللبنانية» فلها مقاربة مغايرة تماماً للعقدة المسيحية التي تعترض ولادة الحكومة. ويقول وزير قواتي لـ«صدى الوطن» أن الوزير جبران باسيل يتلطى خلف رئيس الجمهورية ويستقوي به، سعياً إلى تحسين شروطه التفاوضية وتعزيز الحجم الوزاري لـ«التيار الوطني الحر»، لأنه يعلم أن «القوات» حريصة على علاقتها مع عون وتسعى إلى عدم الاصطدام به وبالتالي فهو يفترض أن تمترسه وراء موقع الرئيس سيحرجها ويقلص هامش تحركها.
ويعتبر الوزير القواتي أن التيار البرتقالي خاض الانتخابات تحت سقف لوائح العهد، وبالتالي لا يمكن عملياً التمييز بين حصة مستقلة له وأخرى منفصلة لرئيس الجمهورية، متسائلاً: كيف يمكن ترسيم حدود بين الحصتين، ما دام أن وزراء عون في الحكومة الحالية كانوا يحضرون اجتماعات تكتل «التغيير والاصلاح» الذي تحول إلى تكتل «لبنان القوي»، برئاسة باسيل؟
ويشير الوزير القواتي إلى أن كلام باسيل حول انتحار سياسي يلجأ إليه جعجع إنما ينطبق على قائله بالدرجة الأولى، كاشفاً عن أنه أبلغ عون خلال لقاء جمعه به بأن ما أدلى به باسيل «كلام مرفوض.. لا يجوز أن يقال بحق جعجع الذي ساهم في وصولك إلى رئاسة الجمهورية».
Leave a Reply