«لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
وقد صار قلبي قابلا كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنـّى توجهت ركائبه فالحب ديني و إيماني»
محي الدين بن عربي
نعيش في بلد يفتخر بأنّه قدْرٌ يصهر الجميع في ثناياه، يذيب الرواسب التي يحملها معه المهاجر الى هذه البلاد.
نعيش في دولةٍ قارّة يفصلنا محيط عن الشّرق وآخر عن الغرب.
نعيش في بلد بخمسين ولاية مستقلة، بلد فيه ما يزيد عن ألف وسبعماية مدينة مستقلة وما يفوق تسعة عشر ألف مدينة بحجم ديربورن أو أكبر.
نعيش في بلدٍ يحتوي على مئة وخمسين إثنية (جماعة من البشر ينتمون الى أصلٍ واحد ولهم لغة واحدة وثقافة واحدة) وعشرة أعراق مختلفة على الأقل.
نعيش في بلدٍ أباح حرية المعتقد وفصل الدّين عن الدّولة على مبدأ «كل واحد على دينه الله يعينه».
نعيش في بلدٍ يتعايش فيه ما يزيد عن ثلاثين مذهباً وطائفة وديانة.
نعيش في بلدٍ تتجاور كنائسه ومساجده ومعابده. نعيش في بلدٍ يجلس فيه المسلمون والمسيحيون واليهود وغيرهم من معتنقي الديانات جنباً الى جنب في مكاتب العمل ومقاعد الدّراسة في الجامعات والمدارس والمعاهد.
نعيش في بلدٍ أُزيلت منه الحواجز ومُحيت فيه الحدود لا أحد يسأل عن هوية آخر ومذهبه وطائفته وتوجهه السّياسي.
نعيش في دولةٍ استطاع أبناؤها خلال 250 عاماً من عمرها أن يرتقوا لقيادة العالم بينما اضمحلّت دول لها آلاف السنين من عمر الحضارة.
لقد جاء صانعو أميركا الى هذه البلاد شرذمة ومضطهدو أوروبا وشذاذ آفاقها وهنا صُنعت أعظم دولة في العصر الحديث، دولة يطمح جل البشر للعيش فيها وينظرون اليها كمثال يُحتَذى.
وجئنا كعربٍ ومسلمين الى هنا ونحن نحمل بين حنايانا أعظم حضارة ودين وشرعة، كما نزعم وندّعي.
هربنا من شرق سرق أحلامنا وحدّ من طموحنا بحواجزه وحدوده وعوائقه المصطنعة، غير أن البعض يأبى الّا أن يحمل تلك الحدود والحواجز والأسلاك الشائكة معه ليتمترس خلفها هنا في مكان ما أحوجنا فيه الى التكاتف.
حتى المرض الأخطر، وباء الطائفية والعصبية البغيضة ها هو يعشش بيننا، يفرخ في جاليتنا العربية ويظهر له رأس وأنياب. فإذا باللبناني يتعصّب للُبنانيته واليمني ليمنيَتِه والعراقي لعراقيتِه والسوري ينقسم في عصبيته قاسماً الجمع معه. وكذلك حال باقي الجاليات العربية.
لكن الفتنة الأكبر تعشش في التعصّب السّني-الشّيعي وبتنا نرى لها مخاطر عميقة وكارثية على الجميع. لكن المخاطر هذه لا تسببها حالات فردية هنا وهناك أو مجرد انعكاسات لأجواء الفتنة التي تُبثٌ إلينا ٢٤ ساعة يومياً عبر وسائل الإعلام والتكنولوجيا المختلفة، بل الخطر الحقيقي في أن يكون هناك البعض بيننا، من أصحاب النّفوس الضعيفة، ينفخون في أبواق الفتنة هنا لمصلحة جهة ما.
s-alameen@hotmail.com
Leave a Reply