فـي 12 شباط 2008، كان عماد مغنية، قائد العمليات الدولية فـي «حزب الله»، يسير فـي شارع هادئ ليلاً بدمشق بعد تناوله العشاء فـي مطعم مجاور. وعلى مسافة قريبة، كان فريق من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) فـي العاصمة السورية يرصد تحركاته.
وعندما اقترب مغنية من سيارة رباعية الدفع مركونة فـي موقف للسيارات، انفجرت عبوة مزروعة فـي إطار احتياطي فـي مؤخر السيارة، وتطايرت الشظايا ضمن دائرة ضيقة، فلقي مصرعه على الفور. وقد تولّى عملاء من الموساد الإسرائيلي موجودون فـي تل أبيب وعلى تواصل مع العملاء على الأرض فـي دمشق، تشغيل جهاز التفجير عن بعد. يقول مسؤول سابق فـي الاستخبارات الأميركية: «لقد جرى التخطيط للعملية بحيث كان بإمكان الولايات المتحدة أن تعترض وتقوم بإلغائها، لكن لم يكن بإمكانها تدارك ذلك».
أضاف أن الولايات المتحدة ساعدت على صنع القنبلة، واختبرتها مرات عدة فـي منشأة تابعة لوكالة الـ«سي آي أيه» فـي كارولينا الشمالية للتأكد من عدم اتساع رقعة الانفجار ومن عدم وقوع أضرار جانبية، قائلاً: «فجّرنا على الأرجح 25 قنبلة كي نتأكد من حسن سير العملية».
هذا التعاون الوثيق جداً بين الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية شكّل مؤشراً على أهمية الشخص المستهدَف الذي تبيّن ضلوعه على مر السنين فـي بعض أبرز الهجمات التي شنّها «حزب الله»، وعلى رأسها الهجوم عى السفارة الأميركية فـي بيروت والهجوم على السفارة الإسرائيلية فـي الأرجنتين.
لم تعترف الولايات المتحدة قط بالمشاركة فـي قتل مغنية الذي ألقى «حزب الله» تبعته على إسرائيل. حتى الآن، ولم تظهر تفاصيل كثيرة عن العملية المشتركة بين الـ«سي آي أيه» والموساد لقتله، أو كيف جرى التخطيط لتفجير السيارة أو ما هو بالضبط الدور الذي اضطلعت به الولايات المتحدة. فيما عدا مقتل أسامة بن لادن عام 2011، شكّلت هذه المهمة واحدة من أبرز العمليات السرية العالية المخاطر التي نفّذتها الولايات المتحدة فـي الأعوام الأخيرة.
كما أن التدخل الأميركي فـي عملية اغتيال مغنية، والذي أكّده خمسة مسؤولين سابقين فـي الاستخبارات الأميركية، واجه عراقيل قانونية فـي الولايات المتحدة.
فقد روى المسؤول السابق أن إقناع السلطات بقتل مغنية كان عملية «صعبة وطويلة.
كان علينا أن نريهم أنه يشكّل تهديداً مستمراً للأميركيين»، مشيراً إلى أنه لمغنية تاريخ طويل فـي استهداف الأميركيين بدءاً من دوره فـي التخطيط لتفجير السفارة الأميركية فـي بيروت عام 1983.
تابع المسؤول: «صدر القرار بأنه يجب أن يكون لدينا إثبات دامغ بأن العملية هي دفاع عن النفس».
لطالما كانت هناك شكوك حول تورّط الولايات المتحدة فـي مقتل مغنية. فـي كتاب «الجاسوس الطيب» (The Good Spy) عن المسؤول المخضرم فـي الـ«سي آي أيه»، روبرت آيمس، ينقل الكاتب كاي بيرد عن مسؤول استخباري سابق قوله بأن العملية «خضعت فـي شكل أساسي لإشراف السي آي أيه» وبأن «فريقاً من فرق العمليات السرية فـي السي آي أيه هو الذي نفّذ الاغتيال». عملت وكالة الـ«سي آي أيه» وجهاز الموساد معاً لمراقبة مغنية فـي دمشق طيلة أشهر قبل اغتياله، وتحديد المكان الذي يجب أن توضَع فـيع العبوة، بحسب المسؤولين السابقين فـي وكالة الاستخبارات الأميركية.
يقول جيمس برنازاني الذي كان قائد الوحدة المسؤولة عن «حزب الله» فـي مكتب التحقيقات الفـيديرالي (إف بي آي) فـي أواخر التسعينات والذي أصبح لاحقاً نائب المدير لشؤون إنفاذ القوانين فـي مركز مكافحة الإرهاب فـي الـ«سي آي أيه»: «كان مغنية ومجموعته مسؤولين عن مقتل عدد كبير من الأميركيين». أضاف برنازاني الذي تقاعد من الـ«إف بي آي» عام 2008 ويقول «إنه لم يكن على علم بالتخطيط لاغتيال مغنية ولم نشح قط بنظرنا عن حزب الله، لكننا كنا منهمكين جداً بمراقبة القاعدة».
وجاءت عملية استهداف مغنية فـي وقت كانت الـ«سي آي أيه» والموساد يعملان معاً عن كثب لإحباط الطموحات النووية السورية والإيرانية. وكانت الـ«سي آي أيه» قد ساعدت الموساد على التحقق من أن السوريين يعملون على بناء مفاعل نووي، ما دفع بإسرائيل إلى شن غارة جوية على المنشأة عام 2007. كانت إسرائيل والولايات المتحدة تبذلان جهوداً حثيثة فـي ذلك الوقت لتعطيل البرنامج النووي الإيراني.
عن الـ«واشنطن بوست»
Leave a Reply