حدث غريب حصل في الصين قرأت عنه في الانترنت، أحببت أن أشارك القراء قراءته في هذه الأيام التي لاتحمل أخبارا سارة.
أقدم لص على سرقة حقيبة سيدة تعمل في مجال التعليم. من خلال هاتفها المحمول الذي أصبح بحوزة السارق، راحت تبعث له رسائل مختصرة ومعبرة. مثلا: “اسمي بان بينغ”. “أنا معلمة في مدرسة ثانوية. ربما، أنت، تمر بظروف مالية صعبة وأنا لا ألومك”!!
لم تيأس “بان” حيث لم تتلق ردا على مخابراتها، وبالأسلوب الإيجابي وبالصبر المأثور عن الإنسان الصيني، تابعت “بان” رسائلها القصيرة الى اللص الذي سرق حقيبتها وخطفها منها. “احتفظ بالنقود، إن كنت بحاجة إليها، لكن أرجوك أن تعيد لي أشيائي الأخرى”. وأيضا “معظم البشر يخطئون لكن المهم هو تصحيح الخطأ”.
وفي صباح أحد الأيام، وبينما كانت “بان” خارجة من منزلها وجدت لفافة فيها حقيبتها وقد أعادها السارق، وفيها حاجياتها كاملة، مع رسالة يقول فيها “عزيزتي بان.. سامحيني. أنت إنسانة طيبة ورائعة للغاية. أنا أخطأت عندما سرقتك، لكن أعدك بأني سأصلح نفسي وأصبح شخصاً مستقيماً وجديراً بثقتك”.
هذه الحادثة ذكرتني بمقال قرأته للأديبة الرائعة إميلي نصرالله تتحدث فيه عن حادث مماثل حصل معها في أواخر السبعينات من القرن الماضي أيام الحرب والهذيان الأمني في بيروت. كانت نصرالله عائدة الى بيتها برفقة صديقة لها أبت إلا أن توصلها بسيارتها الفخمة. كان الناس يومئذ يخبئون مثل تلك السيارة في الأماكن الخفية والمظلمة حتى لا يسرقها أحد، أو يفقدوا بسببها حياتهم على أيدي الخاطفين.
وفيما كانت تترجل الأديبة من السيارة عند مدخل بيتها، فوجئت بمجموعة من المسلحين. تقدم اثنان منهم وصوبا السلاح نحوها، وطلبا منها تذكرة الهوية. في ذلك الوقت من المساء، كان الشارع خاليا وأنباء حوادث مماثلة من سرقة وخطف السيارات، كانت تنشرها يوميا الصحف كخبر عادي.
في ذلك الجو المليء بالفلتان والفوضى، قدرت الأديبة نصر الله بأن المسلحين يتذرعون بطلب الهوية لكي يخطفوا السيارة. وكان عليها أن تواجه الوضع بحكمة وشجاعة. وبأسلوب بسيط وساذج، قالت لهم: هذا بيتي وأنتم على الباب. تفضلوا لنشرب سويا فنجانا من القهوة. تلك المواجهة الهادئة أربكت المسلحين وسببت لهم صدمة. كانوا يتوقعون الخضوع الفوري خوفاً. لكنهم وجدوا امرأة تواجههم ببساطة وتدعوهم الى شرب فنجان قهوة في دارها.
كان لتلك العبارة البسيطة مفعول السحر، اذ راح المسلحون يتراجعون ركضاً باتجاه الشارع الرئيسي الواسع حتى تواروا عن النظر نهائيا. تابعت صديقتها قيادة سيارتها بسلام الى بيتها سالكة طريقا آخر.
ينطبق على هذه الحادثة المثل اللبناني الذي يقول: “كلمة بتحنن وكلمة بتجنن” كون الكلمة الطيبة، رغم بساطتها، تستنفر طاقة الخير الكامنة في نفوس البشر، كما يقول علماء النفس، وتعتبر أفضل وسيلة لبلوغ أفضل وأعمق ما في كيان الإنسان: العقل والقلب.
لقد أعطى الله سبحانه وتعالى الإنسان نعمة الكلمة وحرمها على بقية المخلوقات. وللأسف في كثير من الأحوال، كما ألاحظ هنا في الجالية، في السوق وفي الطريق وفي الحدائق العامة وغيرها، تتحول الكلمة الى رصاصة، يتم شحنها بالعنف والكراهية والتعصب والسلبية، تماما متل تصريحات “الزعما بلبنان” التي يوجهونها كالرصاص الى بعضهم البعض.
فماذا الذي تأملونه بعد ذلك؟
Leave a Reply