ثمة طرائف أحدثتها أزمة المال العالمية من بينها انهيار بورصات وأسواق مالية في العالم، وفي الدول الخليجية تحديداً ومنها السعودية والكويت والإمارات، وهي دول كانت متهمة حتى الأمس القريب باستحواذها على أموال الدنيا، نتيجة الارتفاع المذهل في أسعار النفط، وبإنها سبب في الأزمة المالية والكساد الذي ضرب أميركا وأوروبا وبقية أرجاء المعمورة، وها هي تقع نفسها فريسة لهذا الأخطبوط، فتُمنى أسواقها بالتراجع وبورصاتها بالانكسار ونفطها بتدهور أسعاره وبنوكها بتسجيل خسائر فادحة، ورجال أعمالها بالفزع.الكويت على سبيل المثال، هذه الإمارة الصغيرة والتي لا يتعدى عدد سكانها من «الكويتيين» مليون نسمة، ويقوم على تطويرها وتحديثها والعمالة الوافدة إليها مليوناً آخر من العرب والهنود والآسيويين والغربيين، وهي تطفو على بحر من «الذهب الأسود» يقدر إنتاجها من النفط يومياً بمليوني برميل، دخل إلى خزائنها في بضع سنوات العز النفطية الماضية مئات المليارات من الدولارات. ولمن لا يعلم قيمة هذه المبالغ فليقارنها بما تم به التبرع للفلسطينيين في مؤتمر أنابوليس من عشرات الدول الغنية وكان الرقم سبعة مليارات دولار على مدى خمس سنين، رغم أن عدد الفلسطينيين في الأرض المحتلة أربعة ملايين، وشهدت بلادهم على مدى أعوام طويلة حصاراً وقتالاً وتدميراً واحتلالاً، فكانت تلك المليارات السبعة سبباً في دعم صمودهم وإعالة المحتاجين منهم وتوظيف الآلاف وإعادة تشييد البنية التحتية، فما بالك إن كانت دولة كالكويت تجني سبعة مليارات دولار كل شهر، وبرغم ذلك يصيبها ما أصابها حين ضرب الكساد الولايات المتحدة، لقد انهارت بورصتها الأسبوع الماضي وكاد ثاني أكبر بنك فيها وهو بنك الخليج أن يعلن إفلاسه، لكثرة الخسائر التي تكبدها وخشي المودعون على أموالهم، وعمت الفوضى والارتباك أسواقها وأصيب تجارها بالهلع، ما استدعى مجلس الأمة الكويتي إلى عقد اجتماع طارئ والمطالبة باستجواب رئيس الوزراء في جلسة علنية في المجلس لمحاسبته على تقصيره في التصدي للأزمات الاقتصادية إلى درجة إصداره مرسوماً بمنع الفرق الرياضية الكويتية من المشاركة في المباريات الدولية خاصة فرق كرة القدم بسبب الأزمة الاقتصادية، ما أدى إلى مظاهرات شعبية أمام البرلمان، كون الكويتيين تاريخياً معروفون بحبهم وعشقهم لهذه اللعبة، وبراعة لاعبيهم فيها.أصبحت الكويت تواجه ثالوثاً من الأزمات: مالية ورياضية وسياسية، فلربما هي المرة الأولى التي تتم فيها المطالبة باستجواب رئيس حكومة كويتي، عادة ما يكون من أسرة ال صباح الحاكمة، فذلك قد يدفع أمير البلاد إلى اتخاذ قرار بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، كل ذلك بسبب أزمة مالية كان يفترض أن لا تؤثر بدولة كالكويت حتى لو دامت مئة عام. فأين هي تلك الأموال التي جمعتها الكويت من نفطها؟ فهي لم يعرف عنها إقامة مشاريع استثمارية اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية في العالم العربي، وهي لم تسجل تقدماً ملحوظاً في بنيتها الصناعية أو التجارية أو الحضارية، وهي لم تنفق أموالاً طائلة في دعم مشاريع خيرية أو تبرعات للمحتاجين في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان، وهي لم تبنٍ جيشاً يقوى على حمايتها ولا أقامت منشأة نووية، فأين يا ترى تسربت أموالها كما يتسرب الماء من الغربال؟الحقيقة أن أموال الكويت ودول الثراء النفطية ذهبت جلّها في المقامرة، وهي على كل حال ليست على مائدة تقليدية للقمار كتلك التي نسمع عنها في كازينوهات لاس فيغاس، وإنما مقامرة في البورصات العالمية، فانهيار سوق العقارات الأميركي وحده أودى بمئات المليارات العربية، فما بالك حين تترافق أزمة المال مع تدهور أسعار النفط، حينها نقول على المال العربي السلام، فأصحابه أضحوا مقامرين وجيوبهم فارغة وهذا ما أثار عندهم اللوعة والأسى.
Leave a Reply