انتهى عام 2008 على استئناف الحوار في القصر الجمهوري، وهو الثالث، بعد إطلاقه من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان حول الاستراتيجية الدفاعية، والذي تزامن مع حشد دولي لتسليح الجيش اللبناني، حيث جاءت المفاجأة من روسيا، التي أبلغت وزير الدفاع الياس المر أثناء زيارته لها على رأس وفد عسكري، أنها ستقدم هبة عشر طائرات عسكرية من طراز «ميغ-29» وهي طائرة دفاعية متطورة، إضافة الى «دبابات تي- 90»، وصواريخ وقاذفات صاروخية، وقد حرّك العرض الروسي، الحماسة الأميركية، لمعرفة الغاية من هذا التسليح الذي كانت واشنطن تريد حصره فيها، للتحكم به ومنع استخدامه في مواجهة إسرائيل، وتزويد الجيش بسلاح لا يقع في يد المقاومة، وهو شرط أميركي- إسرائيلي وضع في وجه الحكومة اللبنانية، التي سعت الى التحرر منه، وعدم الالتزام به، وقررت تنويع تسليح الجيش، وتعدد مصادره، لكن السؤال الذي طرح: هل الاستعجال في استدراج عروض التسليح، الذي قام به كل من رئيس «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، هو من أجل الرد على مقولة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، أنه في ظل عدم وجود قدرات عسكرية قتالية لدى الجيش، فإن المقاومة تملأ الفراغ، وقد كشفت زيارة الحريري الى روسيا ومطالبته بالسلاح، وكذلك جنبلاط في زيارته الى الولايات المتحدة الأميركية، ودعوته الإدارة فيها الى الإسراع ومد الجيش بالسلاح، وعزم دول خليجية وفي طليعتها السعودية والإمارات العربية المتحدة، دفع ثمن السلاح، أشارات الى أن الهدف من ذلك، هو القول لـ«حزب الله» إن الجيش أصبح مجهزاً ومدرباً ولديه عديد كافٍ، ولم يعد لسلاح المقاومة مبرر لبقائه خارج إطار الدولة، وأن يندمج في الجيش، ويكون من ضمن استراتيجيته، تحت عنوان ان قرار الحرب والسلم هو بيد الدولة فقط، وهو ما يردده فريق «14 آذار»، وطرحه أقطابه على طاولة الحوار، وقدموا الدراسات والأفكار بشأنه، بما يعاكس وجهات نظر رئيس الجمهورية وقيادة الجيش، بأن المقاومة والجيش يتكاملان، ويتناعم معهما الشعب اللبناني، وهو ما ورد في البيان الوزاري للحكومة، وفي خطاب القسم للرئيس سليمان، وفي كلمته بعيد الجيش، وكذلك في عيد الاستقلال، كما في افتتاح جلسات الحوار في القصر الجمهوري.
فالاستراتيجية الدفاعية احتلت الأولوية في عام 2008، لأنها تبحث في سلاح المقاومة، الذي تصر الموالاة على أن يسلم الى الدولة، وألا تعود له وظيفة، حيث التركيز على أنه حوّل «حزب الله» الى «دولة ضمن دولة» ولديه سلاح متطور أكثر من الجيش اللبناني الذي يُسلّح ليتفوق على المقاومة، وليس على مواجهة إسرائيل، كما يؤكد فريق «14 آذار»، الذي التزم أمام الإدارة الأميركية وحلفائها في الدول الأوروبية والعربية بإخراج سلاح المقاومة كلياً من معادلة الصراع مع إسرائيل ومن أضعافه في الداخل، بحيث لا يصبح له أهمية، وهو عمل على تنفيذه مع حكومة السنيورة الأولى، عندما استفرد بالقرار داخل مجلس الوزراء، وتحيّن الفرص للانقضاض على سلاح المقاومة حيث فشل العدوان الإسرائيلي في عام 2006، في تحقيق هدفه بتدمير المقاومة وتعطيل سلاحها، فكان لا بد من أن يدخل هذا الموضوع في صلب قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي، لوقف الحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان، لكن تم التصدي له، وجاء القرار 1701، ليتحدث عن منع وجود مسلحين، وقد تم تطبيقه، لكن المقاومة على لسان قائدها السيد نصرالله، أعلنت أنها أعادت تجهيز نفسها وإعادة تأهيل عناصرها، وقد كشف وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أن المقاومة باتت تمتلك 40 ألف صاروخ، أي ثلاثة أضعاف ما كانت تمتلكه قبل 12 تموز 2006.وظل سلاح المقاومة هدفاً لبنانياً داخلياً عند الفريق المتحالف مع أميركا والسعودية أو ما يسمى «دول الاعتدال العربي»، ونظمت حملة سياسية وإعلامية عليه، كان رأس الحربة فيها وليد جنبلاط يسانده حلفاؤه في «14 آذار»، فهدد بسحب الصواريخ من المقاومة، وحرّض عليها، وأعلن أنه «سيحرق الأخضر واليابس»، بعدما مسّ بقائدها، وكوادرها وجمهورها ولم يتوان عن اتهامها بأعمال «الاغتيال والتفجير» ووجه أصابعه نحو أبرز رموزها ومناضليها وقادتها عماد مغنية، قبل اغتياله بأسبوعين، وقد ترك هذا الاتهام علامة استفهام حول من يقف وراء تفجير سيارة عماد مغنية في دمشق.واستمر وليد جنبلاط في تصعيده ضد المقاومة، في كل الاتجاهات، وأشار في أحد تصريحاته الى امتلاكها شبكة اتصالات هاتفية، وأنها تشتري الأراضي في البقاع الغربي وجزين، كما لم يتوقف عن ادعائه أن السيارات تفخخ في الضاحية الجنوبية وفي المربع الأمني لـ«حزب الله» هذا ما أعلنه بعد اغتيال الرائد وسام عيد مباشرة كما في تصريحات سابقة له، كان يقول إن حلفاء النظام السوري هم وراء الاغتيالات والتفجيرات، وعندما كان يُسأل مع سياسيين من حلفائه عن امتلاكه مستندات ووقائع كان يشير الى أن اتهاماته سياسية، وقد وصل به الأمر الى أن ضغط على مجلس الوزراء، لاتخاذ قرار بإزالة شبكة اتصالات المقاومة، وقد عرض خارطة تبين تمددها في كل لبنان، وربطها أيضاً بسيطرة «حزب الله» على جهاز أمن مطار بيروت وتركيب آلات تصوير على المدارج، لا سيما مدرج الشخصيات لمعرفة تحركاتهم، في تلميح منه، الى أن الحزب يقف وراء الاغتيالات، وطالب بإقالة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير، لأنه يسهل للمعارضة الحصول على معلومات أمنية، تتعلق بقوى «14 آذار»، حيث سبق لجنبلاط أن اتهم أمن المطار بأنه أبلغ عن عودة النائب جبران تويني من الخارج، واغتيل بعد ساعات من عودته.كان قرار الحكومة بفكفكة شبكة اتصالات المقاومة متزامناً مع قرار إقالة العميد شقير، إعلان الحرب على المقاومة وحلفائها من المعارضة، واعتبر السيد نصر الله المس بسلاح الاتصالات خطاً أحمر، لا يمكن السكوت عنه، فقرر التصدي له بالسلاح، بعدما كانت المعارضة تتوسل الطرق السلمية في تحركها منذ اعتصامها في أول كانون الأول2006 ، الذي امتد طيلة العام 2007، الى أن كانت المواجهة في 7 أيار من العام الحالي، عندما ساندت المعارضة تحرك الاتحاد العمالي العام حول الغلاء، فقرر فريق السلطة التصدي للعمال في كورنيش المزرعة، وتحويل المطالب الاجتماعية الى صراع مذهبي، وتحويل شوارع بيروت الى حرب بين السنة والشيعة، فاضطرت المعارضة الى الرد على السلاح الموالي، بالسلاح دفاعاً عن المقاومة، وتمت السيطرة على العاصمة، في أقل من أربع ساعات، وسقطت مكاتب «تيار المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، دون مواجهات وتم تسليمها الى الجيش، وقد حاول جنبلاط نقل المعركة الى الجبل، لتخفيف الضغط عن بيروت، وهو المحاصر فيها، وقد استنجد بالرئيس نبيه بري لعدم التعرض لمنزله في كليمنصو، ومثله فعل سعد الحريري، لكن ما حصل في الجبل تم تطويقه بسرعة، مع سقوط مناطق يسيطر عليها الاشتراكيون والحريريون في عرمون والشويفات وديرقوبل، وأصبحت عاليه بحكم الساقطة عسكرياً، فجرت اتصالات بين جنبلاط والوزير طلال ارسلان تم خلاله تطويق الاشتباكات، ونجح رئيس «تيار التوحيد اللبناني» الوزير وئام وهاب بتحييد الشوف عن المعارك.شكلت انتفاضة 7 أيار من قبل المعارضة ضد السلطة، بداية التحول في المعادلة الداخلية، ورضخت قوى «14 آذار» للشروط التي عرضتها المعارضة، بعدما تحركت قطر واستضافت مؤتمراً للحوار بين أطراف الصراع اللبناني، فكان اتفاق الدوحة الذي أمن انتخاب رئيس للجمهورية، بعد فراغ دام ستة أشهر، مع انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود، فانتخب العماد ميشال سليمان مرشحا توافقيا مدعوما من مصر وفرنسا ومن دون «فيتو» أميركي، بعدما قبلت قوى «14 آذار» به مرشحاً، وسقط خيارها بانتخاب نسيب لحود بالنصف زائداً واحداً.وضع اتفاق الدوحة آلية للحل، يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، وقد حصل في 25 أيار، وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية حددها الاتفاق بـ16 للموالاة، و11 للمعارضة و3 لرئيس الجمهورية، وضمنت فيها المعارضة الثلث الضامن، بعد عام ونصف العام على استقالة وزراء المعارضة من حكومة السنيورة التي استأثرت بالقرار بعد انقلاب الوزراء الذين كانوا محسوبين على الرئيس اميل لحود، وانتقالهم الى موقع «14 آذار»، فأخلوا بالتوازن داخل الحكومة التي حاولت أثناء حرب تموز، أن تفرض على المقاومة تسليم سلاحها، وهذه كانت إشارة الى ضرورة التصدي لهذا الواقع فكانت الاستقالة والاعتصام، الذي رافقه تحرك للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، دام حوالى عام، رافقته اجتماعات لوزراء الخارجية العرب، أكدوا على اعتماد الحل العربي، القائم على مرشح توافقي وحكومة وحدة وطنية وقانون انتخاب يعتمد قانون 1960، في وقت كانت أميركا تضغط لعدم تحقيق المعارضة ومن خلالها «حزب الله» أية مكاسب، ستكون لمصلحة حلفاء سوريا وإيران وعودة نفوذها الى لبنان، وهو ما رفضته السعودية، التي شجعت على تعطيل الاتفاق بافتعال مشاكل من قبل «تيار المستقبل» في سعدنايل وتعلبايا في البقاع ومناطق أخرى، وكذلك بين باب التبانة وجبل محسن في طرابلس، مما فرض ظهور قوى إسلامية أصولية، رأى سعد الحريري أنه مطوق بها، وأن محاولاته إظهارها بمواجهة «حزب الله» ارتدت عليه أوروبياً وأميركياً وعربياً، بعدما بدأت تتسرب معلومات عن دعم سعودي عبر «تيار المستقبل» لقوى سلفية وأصولية وبات محشوراً بها، فجرت اتصالات مصرية بضرورة وقف الاشتباكات في طرابلس، التي ستتحول الى «إمارة إسلامية» لن تكون لمصلحة النظام المصري الذي يشكو من النفوذ الإسلامي القوي، وهكذا توقفت المعارك في إطار مصالحة سنية ـ علوية، سبقها تحذير من الرئيس السوري بشار الأسد من تحويل الشمال الى مركز «للإرهاب» من قبل قوى أصولية، وهو فاتح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالأمر، وكذلك أمير قطر ورئيس وزراء تركيا، وحذر الرئيس اللبناني من مغبة ذلك، وطالبه بتعزيز الجيش في الشمال، فواجهته قوى «14 آذار»، بحملة سياسية وإعلامية عن تدخله في لبنان وانه يحشد قواته على الحدود لعودة الجيش السوري اليه، فرد بأنه لو كان لبنان الجنة فلا عودة اليه، وقطع الطريق على المحرضين على سوريا، التي نجحت في إعادة التنسيق بين البلدين، من خلال القمة التي جمعت الرئيسين الأسد وسليمان، وتبعتها زيارات لكل من وزير الداخلية زياد بارود الى دمشق، التي لم ترق نتائجها لفريق «14 آذار» فهاجمها تحت عنوان عودة النفوذ السوري عبر اللجان المشتركة، وهو ما حصل مع زيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي، الذي رد على المنتقدين، بأن ذهب الى سوريا والتقى رئيسها الأسد، لأن الاوضاع الأمنية المشتركة بين البلدين، تفرض ذلك.وهكذا كان عام 2008، عاماً لبنانياً-سورياً بامتياز، إذ عادت العلاقات الطبيعية والمميزة، وعاد تنشيط المجلس الأعلى اللبناني-السوري، كما تم تبادل السفارات واتفق على ترسيم الحدود، وعلى البحث بموضوع المفقودين.وفيما كانت العلاقات الرسمية تأخذ طريقها، كان العماد ميشال عون ينقلها الى تعزيز الثقة بين البلدين، وهو زار سوريا خصماً شريفاً لها، بعد ان قاتلها في أثناء وجود قواتها في لبنان، وعندما خرجت، تطلع الى علاقات ممتازة معها، وذهب اليها، يصالحها مصالحة الشجعان بعد مصارحة رئيسها الذي كرمه تكريماً يليق بالكبار وبرجال الدولة، مما أغضب خصومه في لبنان الذين لم يتصوروا أن يعود عون من سوريا بطريركاً سياسياً للمسيحيين، بعدما أكد أنهم مشرقيون، وأن مهدهم في سوريا، وانطلاق الموارنة كان من حلب، فربط المسيحيين بمحيطهم القومي الطبيعي، وأن رسالتهم في الشرق يجب أن تبقى كما أوصى السنودس الخاص بلبنان، فزار إيران لتأمين استمرار الوجود المسيحي في هذا الشرق بعدما هدده الاحتلال الأميركي للعراق والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، حيث قامت هجرة مسيحية الى خارج البلدين.فزيارة عون الى سوريا وطهران، كانت مكملة لجولات الرئيس سليمان، ولم تتناقض معه، بعدما عاد لبنان يحتل موقعه على الساحة الدولية، كما قال رئيس الجمهورية الذي بانتخابه عادت المؤسسات لتنتظم، فأقر مجلس النواب قانون الانتخاب، وأمسكت الحكومة الوضع، رغم تعرضها لانتكاسات داخلية، تتعلق بمطالبة نائب رئيس الحكومة عصام ابو جمرا، بصلاحيات يلحظها نظام داخلي لمجلس الوزراء، إضافة الى مطالبة رئيس الجمهورية بإعادة البحث بصلاحياته، حيث شكا من عدم توازنها مع الوزراء كل من الرئيسين الياس الهراوي وإميل لحود، وقد طالب العماد عون بالنظر في هذه المسائل فتم الرد عليه بأنه يريد نسف اتفاق الطائف فيما هو تحدث عن تعديل فيه، وقد حصل ذلك مع قانون الانتخاب وعدد النواب، إضافة الى عدم تطبيقه.فالعام 2008 لبنانياً، كان عام إعادة التوازن السياسي، فنجحت المعارضة في تكريسه، وفي انتخاب مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية، وتأمين الثلث الضامن داخل الحكومة، وإقرار قانون انتخاب، كانت عليه ملاحظات لأنه أعاد لبنان إلى الوراء نصف قرن، كما تم فيه فتح حوار حول الاستراتيجية الدفاعية، التي ستكون المقاومة جزءاً منها.أقفلت سنة 2008 على حوار، وتطل السنة الجديدة على انتخابات البعض يخشى ألا تحصل وان تعطلها المحكمة الدولية التي ينتظر «ثوار الأرز» انعقادها مطلع آذار لأنها ستكون حاسمة في قرار اتهامها كما يقول هؤلاء، وأنها ستغير في الواقع السياسي اللبناني، دون أن يشيروا الى أنها قد تكون مدخلاً الى حرب أهلية اذا ما سُيّست، وهنا مكمن الخطر الذي يقلق اللبنانيين، وان تكون الطريق اليها عمليات اغتيال يجري التحذير من وقوعها.
Leave a Reply