د. عبد الإله الصائغ
الحديث عن هذا العنوان مكتظ بالمنزلقات مفتقر إلى المرتكزات ومسوغ العنوان هو تيسير اللغة في المهجر والنأي عن التشدد اللغوي على طريقة (قل ولا تقل)!
نحن نتكلم عن واقع اللغة من باب الحب للمهاجر واللغة معاً، نحن أيها القارئ الكريم قبالة ثلاث لغات عربية ولكل منها من يستعملها.
فالأولى، اللغة العربية الفصحى القريشية (وللعرب أزيد من عشر لغات اقتسمتها لغات عدنان وحِمْيَر، قال أبو عمرو بن العلاء ت 154 هـ: ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا) والفصحى تشقّ أحياناً على المختصين بها فهي كثيرة المحظورات والحدود وهذه مزية لها ولكن المهجر لا يحتمل استعمالها إلا بحدود الممكن. واللغة الثانية، تسمى الشعبية أو المحلية أو اللهجة، فللعراقيين لغة محلية وللمصريين كذلك وللمغاربة لغات محلية. أما اللغة الأخيرة فهي الميسَّرة التي يتكلم بها المثقفون في حياتهم اليومية دون الوقوع في فخاخ اللغتين ويكثر فيها (الثالثة) التسكين والنأي عن التنوين والترنم ونحن نتمنى على الاعلاميين أو الخطباء الذين لا يجيدون الأولى أن يحتموا بالثالثة. والصحف الورقية المهجرية العربية تستعمل الفصحى وبعضها يكلف خبيراً لغوياً ينأى بها عن الشطط اللغوي وهذا حسن.
ولكن الشاعر والقاص والروائي والمفكر والخطيب والإذاعي وصانع الإعلان ومقدم البرامج في الفضائية ممن يستعملون الفصحى لا بد لكل اولئك من إلمام بالفصحى ولو بالحدود الضرورية الميسَّرة، فالقليل منهم من يستعين بخبير لغوي ذي جدارة.
تسمع في المهجر مثلاً إعلانات الفصحى: «لدينا خبرة أكثر من خمس وعشرون عاماً»… وتصغي إلى خطيب غير مجبر على استعمال الفصحى فيرفع المفعول ويكسر الفاعل وينصب اسم كان، وقائمة لحن القول طويلة وثقيلة. ولو تكلم غير المقتدر في وسائل الإعلام أو المجالس في المناسبات الدينية أو القومية باللغة الثالثة لتجنب المزالق والعوالق وقد يبلغ الجهل ببعض المتفاصحين مبلغاً كبيراً ناهيك عن الإملاء في الكتابة. فلا فرق بين الضاد والظاء والهمزة على السطر أو على الكرسي وكتابة تاء الفعل الماضي مربوطة، مثل كتبة (كتبت) رسالة، والبحيراة (البحيرات)، وما ضر الجاهل بالفصحى حين يكتب أو يخطب أو يذيع لو استشار ذا خبرة فجنب كتابته وخطبته وبرنامجه والقارىء معاً مغبة خطأ يمكن تجاوزه؟ أرجو أن لا يفهم من قولي أنني أدعو إلى الإرهاب اللغوي، فنحن وحتى في تدريسنا الجامعي أو نشاطنا الاعلامي في بلداننا كنا غير ميالين للتفاصح والتنطع والتشادق، ومنذ صفي الدين الحلي (ت 752 هـ – 1339 م) كان الداعون إلى تيسير العربية الفصحى والمتذمرون من تعقيدها يكررون
إنّما الحَيزَبونُ والدّردَبيسُ
والطَّخَا والنُّقاخُ والعَطلَبيسُ
لغة ٌ تنفرُ المسامعُ منها
حينَ تُروى وتَشمَئزّ النّفوسُ
المهجر صحافةً ورقيةً وإذاعةً وتلفازاً ومنابر وخطابات… إلخ غير مطالب بالأسلوب اللغوي الفصيح المتشدد المدجج بالنحو والصرف ولكنه مطالب باحترام اللغة التي ينشر فيها أو يبث بها أو يتكلمها وليتخيل المتصدي أنه لو كتب أو بث بالإنكليزية فهل يعقل ان يتقبل منه المتلقون جهله بأبسط اشتراطات الإنكليزية؟ وأتمنى على الذوات الاعلاميين والخطباء الكف عن التفاصح في لغة يجهلون ابسط مبادئها وأن يستعينوا بالميسّر والممكن، فلا مندوحة من اللغة الثالثة التي تقول إذا جهلت فسكِّن! اللغة التي تيسر لك القول ولا تعسِّره وأدري أن زمان التواصل الاجتماعي العظيم فتح الباب على مصراعيه ليلج منه العارف والهارف، وليلج منه البعض ممن لم يكن يحلم في أن يكتب على صفيحة معدنية فصار يصدر صحيفة إلكترونية!
المشكلة التي نكابدها في المهجر اليوم حاضرة أيضاً في البلاد العربية وما فتىءَ الغيارى هناك يكتبون ويجتهدون مبتعدين عن الوعظ والتعالي واستفزاز الناس لأن الغاية تعميم الفائدة.
Leave a Reply