عماد مرمل – «صدى الوطن»
حرّك حجر اللقاء بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية فـي باريس المياه الرئاسية الراكدة فـي لبنان، بعد أشهر طويلة من المراوحة، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن ولادة رئيس الجمهورية أصبحت قريبة.
سليمان فرنجية |
ولعل اللافت للانتباه فـي هذا اللقاء هو أن طرفـيه حاولا إحاطته بالسرية والكتمان، قبل ان يتسرب الى الوسطين السياسي والاعلامي، محدثاً نوعاً من البلبلة لدى حلفاء الحريري وفرنجية على حد سواء، علماً أن الرجلين لا يزالان، حتى بعد انتشار خبر لقائهما، يتجنبان الإقرار العلني بحصوله، الأمر الذي أبقاه مادة للتأويل والاجتهاد.
ويعتبر أحد السياسيين المتحمسين لانتخاب فرنجية أن تسريب خبر الاجتماع كان يهدف الى التشويش على أي فرصة لوصول رئيس «تيار المردة» الى رئاسة الجمهورية، مؤكداً انه من السابق للأوان، فـي كل الحالات، الافتراض أن الطريق بين بنشعي (مقر فرنجية فـي شمال لبنان) وبعبدا حيث القصر الجمهوري، أصبحت سالكة وآمنة.
ويؤكد هذا السياسي المقرّب من فرنجية ان لقاء باريس ربما يساهم فـي تحضير الارضية اللبنانية أمام ملاقاة التسوية الخارجية المنتظرة، ولكنه غير قادر على الدفع نحو حسم وجهة الاستحقاق الرئاسي بـ«قدرات ذاتية» حصراً، مشيراً الى أن انتخاب فرنجية لا يمكن أن يتم من دون تقاطع سعودي-إيراني، ينهي أو يخفف من وطأة القطيعة القائمة بين الرياض وطهران والتي يدفع لبنان ثمنها.
ويلفت الانتباه الى أن ملفات المنطقة مترابطة ومتصلة، وبالتالي لا يمكن حسم مصير الاستحقاق الرئاسي اللبناني بمعزل عن المسار الذي ستسلكه القضايا الإقليمية الأخرى، حلحلة أو تصعيداً.
وتشدد هذه الشخصية المؤيدة لزعيم «المردة» على أن فرنجية واقعي، ولا يمكن أن ينزلق على قشرة موز أو أن تدغدغه أوهام، وهو يعرف أن انتخابه يحتاج الى مجموعة عوامل محلية وخارجية، تبدأ داخلياً من تنازل العماد ميشال عون عن ترشيحه وتنتهي خلف الحدود بتفاهم إقليمي يفتح أبواب قصر بعبدا.
وتشير الشخصية ذاتها الى أن فرنجية حريص على وضع حلفائه فـي أجواء المشاورات التي يجريها، وهو لا يمكن ان ينفرد بأي خيار، من دون التوافق مع شركائه فـي الخط السياسي الاستراتيجي، خصوصاً «حزب الله» والرئيس نبيه بري وصولا الى العماد عون، الذي وبرغم التباينات التكتيكية التي تحصل بينه وبين فرنجية أحيانا، يبقى حليفا مركزيا ولا يمكن لفرنجية أن يتجاوزه فـي السباق الرئاسي، ما لم يقرر الجنرال شخصيا ان يسحب ترشيحه، وهو موقف يتشارك فـيه فرنجية مع «حزب الله» الذي سبق لأمينه العام أن أكد أن الرابية هي ممر إلزامي لرئاسة الجمهورية، على قاعدة إما أن يكون عون رئيساً وإما أن يُسمي هو الرئيس.
ويجزم المصدر المقرّب من زعيم «المردة» بأن فرنجية ليس بصدد الخروج من تحت سقف تحالفاته وخياراته، وهو بالتأكيد ليس بوارد أن يفتح على حسابه، لأنه يعرف جيداً قواعد اللعبة ويتقن أصول التعاطي معها.
ويعتبر المصدر أن أهم ما تعكسه مرونة الحريري حيال فرضية انتخاب فرنجية هو أن فريق «14 آذار» بات على قناعة بانه لا مفر من ان تؤول رئاسة الجمهورية الى شخصية من فريق «8 آذار»، وأن مقولة الرئيس الوسطي لم تعد قابلة للصرف.
وإذا كانت قوى «8 آذار» تحاول جاهدة احتواء «العوارض الجانبية» للتنافس الضمني بين عون وفرنجية على الرئاسة، إلا ان انعكاسات لقاء باريس بين الحريري وفرنجية على جسم «14 آذار» تبدو أشد وطأة، لا سيما أن جسم هذا الفريق يعاني أصلاً من نقاط ضعف عدة، أتى اللقاء ليحركها ويضيء عليها، ولعل ابرزها ما يتعلق بعلاقة الحريري مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والتي تعاني من تراكمات مراحل سابقة.
وهناك من يشير فـي هذا السياق الى أن جعجع يشعر بأن الحريري يدير له ظهره عند المنعطفات، ويبادر الى اتخاذ قرارات من طرف واحد، من دون التنسيق المسبق الذي يفترض أن يكون قائماً بين الحلفاء، فكيف إذا كان الامر يتعلق باجتماع مع فرنجية، يتصل بملف رئاسة الجمهورية.
هذا فـي الشكل، أما فـي المضمون فإن انفتاح رئيس «تيار المستقبل» على رئيس «تيار المردة» يشكل ضربة لجعجع الذي تسود بينه وبين فرنجية خصومة تاريخية، يختلط فـيها الدم بالسياسة، والشخصي بالعام. ولئن كان التوتر فـي العلاقة بين الرجلين قد تراجع مؤخراً، فـي إطار السعي الى تخفـيف الاحتقان فـي الشارع المسيحي، إلا ان رواسب مجرزة إهدن التي قتل فـيها والدا فرنجية وأخته خلال الحرب الأهلية تبقى كامنة تحت الرماد، إضافة الى خلافات عميقة مستمرة حول الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بالعلاقة مع سوريا والنظرة الى المقاومة.
كما ان النواب المسيحيين المستقلين فـي «14 آذار»، خصوصاً أولئك الذين ينتمون الى منطقة الشمال، يُصنفون فـي خانة المتضررين من انفتاح الحريري على الزعيم الماروني الشمالي، ومنهم على سبييل المثال لا الحصر الوزير بطرس حرب.
وامام هذا الواقع، هناك من يتوقع ان يقود المخاض الحالي الى اصطفاف سياسي جديد، قد يؤدي الى خلط الاوراق فـي داخل معسكري «8» و«14 آذار» عموماً، وفـي الساحة المسيحية خصوصاً، حيث أن المصلحة المشتركة ربما تطور إعلان النيات بين عون وجعجع الى تقارب أكبر، وهذه المرة فـي مواجهة الحلفاء المفترضين قبل الخصوم المعروفـين.
Leave a Reply