لعل دائرة بعلبك–الهرمل في البقاع اللبناني ستكون الأكثر «تسييساً» في الانتخابات النيابية المقبلة، كون المنافسة فيها ترتكز على فرز واضح بين اتجاهين متعارضين تمثلهما بشكل أساسي لائحة «الأمل والوفاء» التي تضم «حزب الله» و«حركة أمل» وشخصيات حليفة، ولائحة «الكرامة والإنماء» التي تجمع «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» إلى جانب شخصيات شيعية معارضة للحزب والحركة، بينما تتخذ التحالفات والخصومات الانتخابية في الكثير من الدوائر الأخرى طابعاً مصلحياً وانتهازياً على حساب المعايير أو المبادئ السياسية.
ويهتم «حزب الله» من جهته بالحؤول دون اختراق أي من مقاعد مرشحيه الشيعة في البقاع الشمالي، لمعرفته بأنها تحمل في هذا التوقيت تحديداً معنىً سياسياً استثنائياً، في مواجهة خصومه المحليين والخارجيين، من دون أن يعني ذلك أنه سيتهاون في حماية مقاعد حلفائه على اللائحة، بل هو سيبذل أقصى جهده للمحافظة عليها، انما مع معرفته في الوقت ذاته بأن القانون الانتخابي الجديد قد يمنح الطرف الآخر فرصة لانتزاع مقعد سني أو مسيحي، تماماً كما يعطي الحزب وحلفاءه فرصة لكسب مقاعد إضافية في مناطق كانت مغلقة عليهم، بموجب القانون الأكثري السابق.
وما يعكس الحرارة المرتفعة للمنافسة الانتخابية في بعلبك– الهرمل هو تأكيد الامين العام لتيار المستقبل احمد الحريري أن خرق المقعد الشيعي الذي ترشح اليه اللواء جميل السيد على لائحة حزب الله–أمل يعادل بالنسبة إلى «المستقبل» المقاعد الـ127 الأخرى، ما دفع أحد الظرفاء إلى القول بأن على اللواء السيد أن يشكر معراب وبيت الوسط لأنهما ينوبان عنه في خوض حملته الانتخابية ويوفران عليه عناء الكثير من متاعبها، باعتبار أن التصويب المباشر عليه، أفضى عملياً إلى مزيد من التعاطف الشعبي معه في بعلبك–الهرمل.
ويقول اللواء السيد لـ«صدى الوطن» إن معركة بعلبك–الهرمل اكتسبت اهميتها الاستثنائية من كونها تحمل رمزية سياسية كبرى، باعتبارها تشكل نقطة ارتكاز مركزية لـ«حزب الله» الذي يتمثل في لائحة «الأمل والوفاء» بخمسة مرشحين شيعة من أصل ستة، معتبراً أن خصوم الحزب في الداخل والخارج يفترضون أن نجاحهم في تحقيق اختراق في هذه الدائرة، خصوصاً على مستوى المقعد الشيعي، سيكون بمثابة انتصار لهم على الحزب، وهذا ما يفسر تحالف «القوات اللبنانية» و«تيار المستقبل» في بعلبك–الهرمل، برعاية إقليمية، سعياً إلى اقتناص مقعد شيعي بالدرجة الأولى، علماً أن طبيعة القانون الانتخابي المعتمد قد يسمح لهما بالحصول على مقعد مسيحي وآخر سني أو أحدهما.
تعويض الهزيمة
ويشير السيد إلى أن حماسة «القوات» و«المستقبل» لخوض معركة بعلبك–الهرمل تندرج أيضاً في سياق الرد السياسي على الهزيمة العسكرية التي تلقتها المجموعات الإرهابية في جرود البقاع، لافتا الانتباه إلى أن هذا الفريق اللبناني كان يؤيد بشكل أو بآخر تلك المجموعات ويراهن عليها لاستنزاف المقاومة وسوريا وهذا ما دفعه إلى تقييد الجيش اللبناني فترة طويلة من أجل تأخير الحسم قدر الإمكان، وبالتالي فهو شعر بالخسارة بعد دحر الإرهابيين من الاراضي اللبنانية وسقوط رهاناته.
ويلفت السيد الانتباه إلى أن قرب بعلبك–الهرمل من الجوار السوري يمنح المنافسة الانتخابية في تلك المنطقة بُعداً سياسياً إضافياً، لاسيما وأنه كان من أهداف وجود القوى التكفيرية على الحدود، بغطاء محلي واقليمي، هو تحويل البقاع إلى منصة انطلاق تساهم في اسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، تماماً كما حاولوا أن يفعلوا في الشمال أيضاً، ويبدو أن أصحاب هذا المشروع يحاولون التعويض عن إخفاقهم عبر الضغط على «حزب الله» في الانتخابات النيابية.
ويرى السيد أن شراسة تحالف «القوات» و«المستقبل» في خوض انتخابات بعلبك–الهرمل تنطوي على رسالة إلى الخارج مفادها أن هناك فريقاً داخلياً يواجه «حزب الله» في عقر داره، ما يستوجب مساندته بإمدادات مادية ومعنوية، مشيراً إلى أن هناك من يعتقد أن اللحظة مؤاتية لملاقاة اندفاعة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو مزيد من التشدد.
ويوضح السيد أن «القوات اللبنانية» تؤدي دور رأس الحربة في المعركة الانتخابية في البقاع الشمالي، كونها الأقدر على تمويل متطلباتها، لأن استمرار الدعم الخليجي لها خلال السنوات الماضية سمح لها بتكوين بنية صلبة، كاشفاً عن أن «القوات» تتلقى مساعدات مالية شهرية من عدد من الدول الخليجية.
ويكشف اللواء السيد عن رصد إشارات تفيد بأن لائحة «القوات» و«المستقبل» تسعى إلى إقناع بعض الناخبين في عدد من بلدات البقاع الشمالي بعدم الاقتراع في مقابل مبلغ مالي، وذلك بهدف تخفيض سقف الحاصل الانتخابي المطلوب للفوز بمقعد، وصولاً إلى رفع حظوظ إحداث خرق في صفوفنا.
يخشون مني
ويعتبر السيد أن تركيز «القوات اللبنانية» و«تيار المستقبل» حملتهما السياسية عليه إنما يستند إلى خشية حقيقية لديهم من فوزه، «لأنني أمثل رمزية معينة ولانهم يعلمون بأن وصولي إلى المجلس النيابي سيمنحني الحصانة التي يخافون من أن استخدمها لفتح ملفات تدينهم»، لافتاً الانتباه إلى أن الحملات الموجهة ضده تشكل أفضل خدمة له «لأنها أدت إلى زيادة الاحتضان الشعبي لي ويمكن القول إنني قطعت بفضل تلك الحملات نصف المسافة إلى المجلس، ما يستدعي مني أن أشكر منظميها».
Leave a Reply