عماد مرمل – «صدى الوطن»
إذا كانت المؤسسات الدستورية في لبنان مصابة بمرض «ترقق العظم» الذي لا يزال يمنعها من استعادة نشاطها في انتظار «الوصفة الطبية» المناسبة، فإن المؤسسات الأمنية تبدو في المقابل في صحة أفضل بكثير، كما تثبت الإنجازات التي تحققها على الأرض.
وبرغم أن الخلل الحاصل في منظومة السلطة السياسية بفعل الشغور الرئاسي والشلل النيابي والتخبط الحكومي، ينطوي على سيئات وسلبيات كثيرة، إلا أن له ربما إيجابية واحدة وهي أنه منح الأجهزة العسكرية والأمنية هامشاً أوسع من المرونة في حركتها وقراراتها، ما سمح لها بتفعيل عملها وترشيقه.
اللواء عباس ابراهيم في مكاتب «صدى الوطن» خلال زيارته الأخيرة لمترو ديترويت.(حسن بزي) |
كما أن الاطراف السياسية اللبنانية المنقسمة حول أمور كثيرة تجمع على أمر واحد، وهو وجوب حماية السلم الأهلي وعدم الانزلاق الى أية فتنة أو تغطية أي نافخ في بوقها، الأمر الذي ساهم في تأمين بيئة ملائمة لنشاط القوى العسكرية والأمنية، ولعل تمكن الجيش من حسم ظاهرتي أحمد الأسير في صيدا والتفلت المسلح في طرابلس يؤكد أن الأمن هو خط أحمر، حتى إشعار آخر.
وليس خافياً كذلك، أن هناك قراراً دولياً بحماية الاستقرار في لبنان بعدما تحول الى ملاذ لأكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري، يخشى الغرب من أن يتسرّب الكثيرون منهم إليه إذا امتدت الفوضى من سوريا الى الداخل اللبناني، وبالتالي فإن مراكز القرار الدولية تبدو حريصة على تأمين أكبر قدر ممكن من الدعم للجيش والاجهزة الامنية، ليس كرمى لعيونها، وإنما لكونها تشكل أحد خطوط الدفاع المتقدمة عن أوروبا والولايات المتحدة في مواجهة مخاطر الإرهاب الداهمة.
وسط هذه المعطيات، يخوض الجيش اللبناني و«الأمن العام» و«أمن الدولة» و«فرع المعلومات» في قوى الأمن الداخلي حرباً وقائية او استباقية ضد المجموعات التكفيرية وخلاياها الكامنة، من الحدود الى العمق اللبناني، سواء النائمة أو المستيقظة منها.
وبهذا المعنى، تمكنت المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية من استعادة زمام المبادرة والاحتفاظ بها في مواجهة الجماعات الإرهابية، وهذا ما يُترجم عبر ضربات نوعية ينفذها الجيش من حين الى آخر ضد مواقع الإرهابيين وتحركاتهم على الحدود الشرقية مع سوريا، من جرود عرسال الى جرود رأس بعلبك، في حين تنفذ الأجهزة الأخرى عمليات موضعية ضد أهداف منتقاة في بلدة عرسال والداخل اللبناني، أفضت الى توقيف عشرات المطلوبين من المتورطين في التعامل مع «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»، ومن بينهم أصحاب أسماء كبيرة، ما قلص قدرة هذين التنظيمين على تحقيق اختراقات واسعة وتنفيذ اعتداءات، من دون أن يعني ذلك أن الخطر زال كلياً، إذ أن إمكانية حصول اختراق هنا أو هناك بين فترة وأخرى تبقى واردة، لكن الأكيد أن الواقع الأمني في لبنان أفضل بكثير منه في دول الجوار الاقليمي وحتى في اوروبا.
وفي هذا السياق، يقول المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لـ«صدى الوطن» إن الوضع الأمني ممسوك الى حد كبير، وإن الأجهزة المختصة يقظة، وتلاحق شبكات الخلايا التكفيرية بغية تفكيكها وتوقيف أعضائها، مستندة الى معطيات وخيوط تملكها، لافتاً الانتباه الى أن انجازات عدة تحققت على هذا الصعيد.
ويوضح ابراهيم أن ملف التعاون في مواجهة الإرهاب كان بنداً أساسياً على طاولة النقاش بينه وبين المسؤولين الأمنيين الأميركيين، خلال زيارته الأخيرة الى الولايات المتحدة، والتي كانت ناجحة بكل المقاييس.
ويشير الى أن البحث تناول الدور الذي يمكن أن تؤديه واشنطن للمساهمة في تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية اللبنانية، ومنها الأمن العام، وصولاً الى تحسين شروط التصدي للجماعات الإرهابية، بحيث نصبح أكثر كفاءة وتكافؤا في المعركة التي نخوضها.
ويكشف عن أنه أبلغ المسؤولين الأميركيين الذين التقاهم بأن لبنان يواجه الإرهاب على الخطوط الأمامية المتقدمة، والمطلوب من المتواجدين في الخطوط الخلفية تقديم الدعم اللازم له في هذه المعركة المشتركة، و«إلا فإن الإرهاب سيصل اليكم، والمواجهة ستنتقل الى ساحتكم».
ويعرب ابراهيم عن سروره بالاستقبال الحار الذي أعدته له الجالية اللبنانية، خصوصاً في منطقة ديترويت، حيث «شعرت بجو عائلي دافىء واحتضان صادق من كل اللبنانيين»، على اختلاف انتماءاتهم السياسية والدينية.
ويضيف: نحن ننتظر ترجمة قريبة لمفاعيل اللقاءات التي عقدتها في واشنطن، معطوفة على نتائج الزيارة السابقة لوزير الداخلية نهاد المشنوق الى الولايات المتحدة.
ورداً على سؤال حول تداعيات حادثة مقتل ابن بلدة عرسال حسين محمد الحجيري على يد معروف حمية، والد العسكري الشهيد محمد حمية، ثأراً لابنه الذي أعدمته «النصرة» بعد اختطافه، يؤكد ابراهيم أن أي ردود فعل محتملة، ستبقى، إذا حصلت في الاطار الفردي الضيق، لأن قوى الجيش والأجهزة الأمنية اتخذت التدابير اللازمة لضبط الموقف ومنع أي انزلاق نحو الفتنة. ويتابع: ليس هناك من مبرر للقلق، والانفلات الأمني ليس مسموحاً، وأنا مطمئن الى أن الأمور لن تتطور نحو الأسوأ، بل ستبقى تحت السيطرة بفضل الجهد الذي تبذله القوى العسكرية والأمنية.
Leave a Reply