سباق الكونغرس عن «الدائرة 11» في ميشيغن .. صورة مصغرة عن الصراع داخل الحزب الديمقراطي
حسن عباس – «صدى الوطن»
يكتسب سباق الكونغرس الأميركي عن مقعد «الدائرة 11» في ميشيغن، أهمية مزدوجة في الجولة التمهيدية التي ستقام في 2 آب (أغسطس) المقبل.
فهو من جهة، سيسفر عن إقصاء أحد النائبين الديمقراطيين عن الولاية –آندي لفين وهايلي ستيفنز– اللذين دفعتهما الخرائط الانتخابية الجديدة إلى مواجهة بعضهما البعض في الدائرة نفسها. ومن جهة أخرى، ستمثل هذه المواجهة، صورة مصغرة عن الصراعات القائمة بين الجناحين التقدمي والتقليدي داخل الحزب الديمقراطي، بما في ذلك الموقف من القضية الفلسطينية، الذي دفع اللوبي الإسرائيلي إلى التدخل بقوة دعماً لستيفنز على حساب النائب اليهودي المدافع عن حقوق الفلسطينيين.
ونظراً للميول الديمقراطية لناخبي «الدائرة 11» الواقعة في مقاطعة أوكلاند، فإن الفائز بين ستيفنز ولفين في جولة أغسطس التمهيدية، سيكون قد قطع معظم الطريق للفوز بالجولة النهائية في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) القادم.
وكان النائبان الديمقراطيان، قد انتخبا لعضوية مجلس النواب الأميركي –لأول مرة– في عام 2018، وأُعيد انتخاب كل منهما لولاية ثانية مدتها سنتان في عام 2020.
وتمثّل ستيفنز –حالياً– «الدائرة 11»، بحسب الخرائط القديمة، والتي تضم مدن: أوبرن هيلز، تروي، ليفونيا، كانتون، بلومفيلد هيلز، وست بلومفيلد، نوفاي، روتشستر هيلز، برمنغهام، ونورثفيل.
أما لفين (62 عاماً)، فيمثّل «الدائرة 9» التي تضم عدداً من المدن في مقاطعتي أوكلاند وماكومب، من بينها: بلومفيلد، فيرنديل، هايزل بارك، رويال أوك، سانت كلير شورز، وورن، وستيرلنغ هايتس.
وأسفر الإحصاء السكاني لعام 2020 عن تقليص حصة ميشيغن في مجلس النواب الأميركي من 14 إلى 13 مقعداً، ما أدى إلى اختلال وتعارض الحسابات الانتخابية للعديد من المرشحين الذين سعوا إلى تغيير مكان إقامتهم لزيادة حظوظهم الانتخابية في السباقات التي يخوضونها وفق الخرائط الجديدة التي اعتمدتها «اللجنة المستقلة لإعادة ترسيم الدوائر الانتخابية بميشيغن» نهاية العام الماضي، والتي ستقام الانتخابات على أساسها طيلة العقد القادم.
وكانت ستيفنز (39 عاماً) قد نقلت –مؤخراً– مقر إقامتها من روتشستر إلى ووترفورد لضمان ترشحها في «الدائرة 11» الجديدة، التي تقع بكاملها ضمن مقاطعة أوكلاند، وتضم مدن وبلدات: بلومفيلد، فارمنغتون، ووترفورد، تروي، أوبرن هيلز، رويال أوك، برمنغهام، فيرنديل، أوك بارك، بيركلي، هانتينغتون وودز، بلزنت ريدج، ماديسون هايتس، هايزل بارك، بونتياك، كوميرس، ويكسوم، وايت ليك، وأورتشارد ليك وغيرها من القرى المجاورة.
ويشكل الناخبون البيض، الأغلبية الساحقة من ناخبي الدائرة التي تضم أيضاً كثافة وازنة لليهود والعرب والأفارقة الأميركيين.
اللوبي الإسرائيلي
بين لفين، الذي يواصل مسيرة والده النائب السابق ساندر لفين، وبين ستيفنز التي دخلت الكونغرس الأميركي بدعم من المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون، قررت «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية» (آيباك)، وضع ثقلها خلف الأخيرة، مقدمة لها تبرعات فاقت 300 ألف دولار، وهو أكبر مبلغ تقدمه المنظمة المؤيدة لإسرائيل –حتى الآن– لأي من المرشحين في الانتخابات النصفية لعام 2022.
وفي مناظرة انتخابية عُقدت في مدينة بونتياك، خلال نيسان (أبريل) الماضي، شكك لفين بسياسة «آيباك» المعلنة في دعم المرشحين، والتي تقوم على معيار وحيد، ألا وهو دعم إسرائيل، لافتاً إلى أن المنظمة النافذة لم تتوان عن دعم المرشحين المؤيدين لمزاعم الرئيس السابق دونالد ترامب بتزوير الانتخابات الرئاسية في عام 2020.
وكانت «آيباك» قد أعرضت عن دعم لفين –الذي يتحدر من عائلة سياسية يهودية مؤثِّرة– في انتخابات العام 2022، حيث وصفه الرئيس السابق للمنظمة، ديفيد فيكتور بـ«عضو الكونغرس الذي يتسبب بتدهور العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة»، علماً بأن لفين يدعم تمويل الولايات المتحدة للجيش الإسرائيلي بشرط تقييد الإنفاق على المسائل الدفاعية، وعدم استثمار المساعدات في عمليات احتلال مناطق في الضفة الغربية أو السيطرة عليها.
وكان لفين قد أعرب عن تخوفه من استمرار مشاريع الاستيطان الإسرائيلية تفادياً للإضرار بعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط. ومع أنه من مؤيدي حل الدولتين، ومن منتقدي الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم، إلا أنه يتحاشى توصيف السياسات الإسرائيلية بـ«الآبارتيد» (الفصل العنصري).
في المقابل، تتمتع ستيفنز بتاريخ جيد مع اللوبيات المؤيدة لإسرائيل، وفي طليعتها «آيباك» التي نظمّت لها رحلة إلى الأراضي المحتلة في عام 2019، وقد وصفت النائبة الديمقراطية تجربتها تلك بـ«الغنية»، لافتة إلى أنها ذكّرتها بـ«المخيمات الصيفية».
وتضرب تصريحات ستيفنز بعرض الحائط، توصيف الأمم المتحدة للأوضاع الإنسانية في عموم فلسطين، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، حيث يؤكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن «إسرائيل تفرض حصاراً اقتصادياً وعسكرياً خانقاً»، مضيفاً أنه «إذا كان هنالك جحيم على الأرض، فهي تلك الحياة التي يعيشها الأطفال في قطاع غزة».
وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى ارتفاع مستوى البطالة في غزة لأكثر من 50 بالمئة في عام 2021، ناهيك عن الفقر المدفع، وتهالك البنية التحتية التي دمرتها الاعتداءات الإسرائيلية المتتالية على القطاع، الذي يوصف بأنه «أكبر سجن مفتوح في العالم».
انتقاد «آيباك»
بحسب لفين، فإن دعم «آيباك» يضع الديمقراطيين في وضع غير مريح بالنظر إلى موقف الحزب القاطع من مزاعم تزوير الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لاسيما وأن المنظمة المؤيدة لإسرائيل قد أيدت عشرات الجمهوريين الذين وصفوا انتخابات 2020 بأنها «مزورة»، وبعضهم قد صوّتوا ضد التصديق على النتائج.
بل تشي قائمة المرشحين المدعومين من «آيباك» أن القائمة تضع ضمن أولوياتها دعم المرشحين المؤيدين لترامب، حيث أعرضت المنظمة عن دعم النائبة ليز تشيني (جمهورية–وايومنغ) التي صوتت لصالح عزل الرئيس السابق، مع أنها من أشد المؤيدين لإسرائيل.
وعلى ضوء السياسات المؤيدة للأفكار اليمينية المتطرفة، أعرب لفين عن اعتقاده بأنه بات من الصعب معرفة «ما هي مهمة آيباك بعد الآن»، على حد تعبيره، منوهاً بأن إعراضهم عن دعم تشيني يكشف عن التناقض في السياسات المعلنة لـ«آيباك».
وفي حديث مع «صدى الوطن»، قال لفين: «إنهم يزعمون بأنهم يركزون –بشكل فردي– على المرشحين المؤيدين لإسرائيل، لكنهم تخلوا عن تأييد ليز تشيني المؤيدة لإسرائيل، لأنها لا تدعم كذبة ترامب الكبرى»، في إشارة إلى مزاعم تزوير انتخابات 2020.
وأشار لفين إلى أن «آيباك» قامت بتأييد وتحويل الأموال إلى 37 مرشحاً جمهورياً يدعمون «كذبة ترامب الكبرى»، وقال: «أنا هنا أتحدث عن أشخاص من أمثال سكوت بيري، وروني جاكسون، وجيم جوردان، الذين شاركوا بفعالية –حتى الآن– في محاولة تقويض الانتقال السلمي للسلطة، وتقويض شرعية انتخابات 2020».
واعتبر لفين تأييد «آيباك» لمنافسته ستيفنز محاولة «لإسكات صوت كل من يطالب بالحقوق الإنسانية والسياسية الكاملة للفلسطينيين والإسرائيليين»، على حد تعبيره.
وعلى ضوء نيل حملة ستيفنز لأكبر دعم نقدي من «آيباك»، طالب لفين منافسته بالإفصاح عن أسباب دعم اللوبي الإسرائيلي لها، إلا أن ستيفنز أجابت من خلال بيان معد سلفاً بأن المنظمة المؤيدة لإسرائيل «دعمت أيضاً 20 عضواً من الكتلة التقدمية في مجلس النواب الأميركي». وقالت ستيفنز: «هذا التأييد يتعلق –فقط– بأعضاء الكونغرس الذين يدعمون إسرائيل، وأنا فخورة بدعم الدولة اليهودية بشكل لا لبس فيه».
حملة تقدمية
يتمايز لفين عن ستيفنز بدعم القضايا التقدمية مثل البيئة والتعليم، وقال لفين في مناظرة بونتياك إن 27 نائباً وسناتوراً أيدوا مشاريع القوانين العشرة لمكافحة التغير المناخي، المعروفة باسم «غرين نيو ديل»،
وأضاف «أنا واحد منهم، بينما لم تدعم منافستي أياً من تلك المشاريع».
ورغم تفوق النائبة ستيفنز بجمع التبرعات الانتخابية، يفضل لفين نيل تأييد المجموعات الديمقراطية التقدمية، إلى جانب الشخصيات والمنظمات اليهودية، عدا عن كونه يتمتع بعلاقات وطيدة مع المجتمعات العربية الأميركية في منطقة ديترويت، ومع المنظمات العربية الأميركية السياسية، وفي طليعتها «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك).
وقد أظهرت الاستطلاعات المبكرة تقدم لفين في أوساط الناخبين الملونين وفي الأوساط النسائية والنقابية، بينما حصلت ستيفنز على أكبر قدر من الدعم في أوساط الناخبين البيض وفي أوساط الناخبين الذكور، مع أنها تتخذ مواقف تتراوح بين المعتدلة والمتحفظة فيما يخص الحد الأدنى للأجور وتكاليف الأدوية الموصوفة، وهي عناوين أثارها لفين خلال المناظرة آنفة الذكر، متحدياً ستيفنز بمناقشتها أمام العموم.
وتضم «الدائرة 11» بحسب الخرائط الجديدة عدداً كبيراً من السكان اليهود، ولكن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الناخبين الأميركيين اليهود لايركزون –بأي حال– على القضايا الإسرائيلية–الفلسطينية، وإنما تتمحور اهتماماتهم الأساسية حول قضايا تغير المناخ وحقوق التصويت والاقتصاد.
وأظهر استطلاع أجراه «معهد الانتخابات اليهودي» في عام 2021 بأن 4 بالمئة فقط من اليهود الأميركيين يشيرون إلى أن إسرائيل يجب أن تكون بين أهم قضيتين يجب على الرئيس جو بايدن والكونغرس التركيز عليهما، لكن 62 بالمئة قالوا إنهم مرتبطون عاطفياً بإسرائيل.
وأوضح ثلاثة من كل خمسة ناخبين يهود بأنهم يؤيدون يهودية الدولة الإسرائيلية، إلى جانب إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وقال لفين إن الناخبين العرب واليهود الأميركيين، ومعظم الناخبين الآخرين، مهتمون بقضايا تغير المناخ وحقوق العمال والتعليم، وسوف استمر في القتال من أجل تحالف متعدد الأعراق من جميع الناس العاملين للنضال من أجل حقوق الجميع».
تجدر الإشارة إلى أن «صدى الوطن» حاولت التواصل مع ستيفنز للاطلاع على عناوين حملتها الانتخابية، والأسباب التي دفعت «آيباك» لتأييدها على هذا النحو غير المسبوق، لكن ستيفنز تجاهلت رسائل الصحيفة ولم تبدِ أي اهتمام بالرد على التساؤلات المطروحة.
Leave a Reply