شهدت مكة المكرمة بين الرابع والسادس من حزيران (يونيو) الجاري إنعقاد المؤتمر الاسلامي العالمي للحوار، وكان برعاية ومشاركة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ودعت رابطة العالم الأسلامي ممثلة بإمينها العام الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية لأكثر من ستمئة مشارك يمثلون معظم دول العالم من كل التوجهات الإسلامية من قارات العالم، وقدمت الدعوة لعدد من المرجعيات والشخصيات الشيعية كالسيد السيستاني والسيد الخامنئي، والسيد فضل الله، وسماحة السيد حسن نصر الله الأمين العامل لحزب الله، والرئيس الإيراني السابق السيد محمد خاتمي، حسبما ورد في قائمة أسماء المشاركين. وأفتتح الملك عبد الله بن عبد العزيز المؤتمر بكلمته التي طالب فيها المشاركين في هذا المؤتمر بتحديد معالم الحوار بين المسلمين أولاً، ومع غير المسلمين ثانياً. وذكّر بالدعوة التي أطلقها قبل أشهر والتي لقيت صدى واسعاً بين المهتمين بشؤون الأديان، وكذلك الشعوب التي تتوق الى اليوم الذي يتقارب فيه أصحاب المذاهب الاسلامية وتتسالم مع أصحاب الأديان، بعد معاناة من التطرف الديني والتشدد المذهبي والتعصب الفكري دفعت بعض المنتمين الى الإسلام لإشعال نار طال أوارها وأحرقت الأخضر واليابس، وقطيعة بين الشعوب المسلمة وغيرهم من أصجاب الإديان المسالمة، حتى أثر في نفوس وعقول المفكرين والمصلحين. وكبار السياسيين من رؤساء الدول ووزراء خارجيتهم، وركبوا موجة التعبئة والتعبئة المضادة، فبدل أن يوقفوا التيار الجارف من التطرف أنجرفوا معه، وسخروا ما لم يتوفر للمتطرفين من مال ودعم معنوي بتصريحاتهم التي شكلت غطاءً جرأ بعض أدعياء الدين أن يرفعوا عقيرتهم في إصدار بيانات التفريق والتمييز والتمزيق، من علماء مؤثرين لهم قاعدتهم العريضة ومكانتهم العلمية والإجتماعية.
وهنا يطرح المواطن المتضرر سؤالاً، وهو الذي يعتبر وقوداً لنار التناقضات، والفوضى العارمة، بين من بيده القرار، ويملك إرادة التشريع، وفرض القانون، ويريد للأمة خيراً، ويدفع الأموال الطائلة في إقامة المؤتمرات والندوات، ويؤسس المشاريع التي تقرب المتباعد وتجمع المتفرق كما هو حال مركز خادم الحرمين الشريفين للحوار الوطني، ومركز الملك عبد الله للتواصل الحضاري.
السؤال الكبير والعريض الذي يتردد على لسان المخلصين لأوطانهم والحريصين على أمنه والمتيقظين للفتن التي تحاك هنا وهناك وتغذيها جهات تجهل مصالح أوطانها ومواطنيها، عن حجم التناقض بين إرادة الإصلاح والتغيير، وبين السكوت والتغاضي عن من يجاهر بإعلان الحرب وإستخدام معاول الهدم وتحطيم هذه القيم وإنجازات الإصلاح،
ويتكرر السؤال عن سر هذا الغموض الذي لا يجد السائل له تفسيرا بين تبني قيادة الأمة وحماية مقدساتها والسهر على الدفاع عن قضاياها والعمل على إصلاح ذات البين بين مكوّناتها؟، وبين حماية واحتضان الفكر والمنهج الإقصائي الذي لا يهنأ ولا يهدأ له بال ولا تستقر له نفس لإجتماع المسلمين على تنوع مشاربهم، فضلاً عن إجتماع غير المسلمين مع المسلمين على كلمة سواء، وسوف يبقى السؤال حائراً دون إجابة إذا لم تنتصر إرادة الحاكم في الفصل بين المتناقضين، بين منهج الإصلاح ومنهج التخريب، وبين صدق الدعوة الى التقريب والحوار ولمّ الشمل وجمع المختلف، وبين زيف الدفاع عن الإسلام بتمزيق أوصال الأمة إلى جماعات ومذاهب.
إن تعبير المجتمعين في المؤتمر ورؤيتهم المشتركة في الرغبة للحوار مع غيرهم لا تكفي ما دامت المقدمة غير منجزة لتحقيق الحلم المنشود وعمره أكثر من أربعة عشر قرناً، وما دامت القناعات تراوح محلها، كل حزب بما لديهم فرحون، فإذا صدقت النيات وتحركت الإرادات، وصيغت التشريعات التي تنسجم وتتطابق مع مفهوم الدين للنظر إلى المخالف حسب تصنيف دائرته إذا كان من المسلمين أو من خارج الدائرة الإسلامية على أساس العدل والإنصاف والمساواة، لأن العلاقة بين بعضنا وبين غيرنا تتعدى الحاجة الى تزكية السلوك المذهبي أو الديني إلى الحاجة لدراء المخاطر التي تحيط بالجميع مثل خطر التطرف الذي فتك بكل القيم، وخطر الإصطفاف إلى جانب الإنتماء الديني والمذهبي والقومي والقبلي مهما كان ظالماً وجائراً، والشواهد كثيرة لما حدث في أفغانستان، والعراق، ولبنان.
إن الإقرار والاعتراف من قبل المشاركين في المؤتمر، بأهمية ووجوب الحوار مع أصحاب الأفكار والفلسفات والأديان الوضعية الذين يتعاملون مع المسلمين ويتّصلون بهم، ويشتركون معهم في قضايا إنسانية، يستوجب ألإعتراف بهم، ولن يتحقق ذلك إلا بالإعتراف علناً بعمق التأزم والنزاع بين جماعات ومذاهب الدين الواحد، وكيف يصدق الآخر بحسن نوايا المؤتمرين، وهو يشهد حالات الفشل في أبسط أمور بناء بيتنا الداخلي، وندعي أن لدينا قوانين تنظم العلاقة بين بعضنا وبين الآخر من غير ديننا ، فهم تعانوا على البر بينهم وأتحدوا، ونحن إنطبقت علينا آية الفشل والنزاع في قوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.
لقد تجاوز المشاركون في المؤتمر عقدة الأحداث التي مر بها العالم في السنوات الأخيرة كاحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أثارت شقاً واسعاً بين المسلمين وغيرهم، وتجاوزوا كذلك تحديات ما يسمى بالغزو الفكري ودعوات التنصير والتبشير، ولكن قيدتهم عقد الأحداث التي تحصل في العراق ولبنان والتي لا تقل كارثياً عن أحداث سبتمبر، وجاء بيان 22 عالماً يصك مسامع المؤتمرين، أن لا فائدة من إجتماعكم فالأمور بيدنا لا بيدكم وصدقوا حيث لم يتجرأ أحد على محاسبتهم أو الرد عليهم.
Leave a Reply