في البدءِ يجبَ الإعتِرافُ بأنّ جهودَ المتحفِ العربيِّ الأميركيِّ مُعْتِمَةً أمامَ الجاليةِ العربيّةِ المُقيمةِ في ميشيغن مركزِ انوِجادِهِ، ربَّما لافتِقارِ هذا المتحف إلى تقصّي الوسائل الإعلاميّةِ الكافيةِ والكفيلةِ بإيصالِ مُحَصِّلَةِ إنجازاتِهِ إلى أبناءِ الجاليةِ العربيّةِ الكِرام، ومِنْ خلالِها إلى المجتمعِ الأميركيّ.
ولِكَيْ تكتملَ الصورةُ فإنَّ على إدارةِ المتحفِ أْنْ تُعَرِّفَ الجاليةَ بتلكَ المُنجَزاتِ عبرَ الوسائلِ الإعلاميّةِ المتاحةِ المتيسِّرة، لاسيَّما وإنَّ أبوابَهُ تتَمَدَّدُ بالمُنْغَلقات، الأمرُ الذي يستدعي تلكَ الإدارة أنْ تتلافاه. وإنَّ عليها أنْ تُعْلِنَ برامِجَها الحيّوِيَّةَ على الملَأ لكي تتواصلَ معهم بحميميّةِ وتتابُعِ مُنجَزاتِ رموزِها اللامعة. في شرقِنا العربيِّ وعلى سبيلِ المثال هناك مركزٌ شهيرٌ في عمّان بإسمِ «دارةِ الفنون» مفتوح الأبوابِ على الدوام للزائرين متعدِّد القاعاتِ يُتيحُ لهم فرصةَ الحوارِ على الهواءِ الطلقِ في همومِ الثقافةِ والتعرُّف على آخرِ منجزاتِ المبدِعين في العالم. مثلما هوَ -المركز- يشكِّلُ تجمُّعاً ومنتدىً للمثقّفين يُخّفِّفُ عنم عناءَ الإستغراقِ في مهمّةِ الدراسةِ والعملِ وشتّى ضروبِ الإنشغالاتِ الحياتيّة. أليسّ المتحفُ موضوع بحثِنا جديراً باقتِفاءِ ذلك الأثرِ الكريم؟ أمْ أنّهُ بنايةٌ قائمةٌ على العنوانِ فحسب؟ خاليةٌ من الروح.
ولكي نُبَدِّدَ هذه الغيوم وتيسير الإجابة على تلك التساؤلات إلتقَيْنا الدكتورة عنان العامري مديرة المتحف، فأوضحتْ مشكورةً بأنَ المتحفَ مؤسّسة ثقافيّة غير ربحيّة لهُ نشاطات ثقافيّة عديدة وإسهامات متنوِّعة في إظهار تلك النشاطات التي تصبُّ في خدمةِ أبناءِ الجالية العربيّة، ومنها إقامة هذا المؤتمر الذي كان يُعقَد كلَّ عامِ، وبسبب ضعف الإمكانات المادّيّة المتاحة أصبحَ يُعقَدُ مرّة واحدة كلَّ عاميْن.
وتتمُّ خلاله دعوة المشاركين فيه من المثقّفين وبمختلف حقولهم الثقافية وكذلك المبدعين من العرب الأميركيّين المقيمين في الولايات المتحدة لاسيّما في حقولِ الشعر والقصة والرواية وقصص الأطفال. إنها فرصة متاحة لتجمُّعِهم ولقاءاتهم للتعرُّفِ على بعضهم وتبادل وجهات النظر حول هموم الثقافة العربية، وطرحِها أمامَ أبناء المجتمعِ الأميركيّ.
د. العامري |
وحسب العامري، فإنّ دعوةَ المشاركين تتمُّ عبر لجنة مختصّة مشكَّلَة من إدارة المتحف، حيث يتمّ الإعلان في مختلف وسائلِ الإعلام عن الترشيح للمشاركة في فعّاليّات المؤتمر، وبعد ورود الوثائق والمؤهّلات الخاصّة بهم تعلن اللجنةُ أسماءَ المرشَّحين للمشاركة بعد دراسة وبحث منجز كلٍّ منهم وفق المحدَّدات العلمية والإشتراطات الأدبيّة المُؤّهِّلة لمساهمة المشاركين في إحياءِ فعّاليّات المؤتمر.
وكانت لـ«مدارات ثقافية» في صحيفة «صدى الوطن» جولة في أروقة وعالَم المؤتمر في اليوم الرابع والأخير لانعقادِهِ، حيثُ أوضحت مديرة المتحف بأنّ اليوميْن الأوّلَيْن استغرقّتا مهمة التحضير لانعقاده، فيما قدّمنا اعتذارَنا عن عدم حضورِنا في يومه الثالث بسبب تواجدنا خارج مدينة ديترويت.
وكان التنسيق في ترتيب إظهار وإبراز فعّاليّات المؤتمر في منتهى الدقّة والبراعة والجماليّة لاسيّما وسط حضورٍ واسعٍ ولافت من أبناء الجاليات العربيّة والأميركيّين المختصّين في حقولِ الثقافةِ، بالإضافةِ إلى حشدِ الهواة والمهتمّين بشؤونها من مختلفِ الإنتماءات. حقّاً كان المؤتمرُ مهرجاناً يبعث على الإنشراح والتفاؤل بتفعيل النشاطات الثقافيّة منظوراً إليها من منظارِ المستقبل.
شاهدنا واستمتعنا بعرضٍ موسيقيٍّ راقِصٍ قُدِّمَ على خشبةِ مسرحِ المتحف، أدّاهُ كلٌّ من عازف الكمان المتألِّق الموهوب مايك خوري، والفنّانة المبهِرة لِيا منى الطويل. لقد شكّلت توليفةُ الفنّانَيْن في أدائهما المتميِّز والإستثنائيّ لوحةَ تشكيليّةً غاية في التعبيرِ الوجدانيّ المؤثِّر، فقد تداخلَ الإنسجامُ بانسيابيّة بليغة حيث العزف المنفرِد على الكمان والرقص التعبيريِّ شبه الباليويّ المنفرد هو الآخر على إيقاع أنغامِ الكمان. كان الصمتُ يتخلّلُ العزفَ المنفرِد فيما تتواصلُ الرقصةُ في أدائها المعبِّر، ومن هنا تبرز الأهميّة والإستثنائيّة لذلك العرض، حيثُ يكون الصمتُ والسكون جزءاً لا يتجزّأ من الإيقاعِ الموسيقيّ. حقّاً لقد جعلَ أولئكَ الفنّانَيْن من الصمت عنصُراً حيّاً ناطِقاً وجزءاً بارزاً في حركةِ الإيقاعِ النغّمِيّ ضمن الأداءِ التعبيريّ.
وقبلَ أنْ تنتهي جولتُنا مع العرضِ الرائع للأزياء والتي لا تخلو من عنصرِ التشويق لاستغراقِها في الغرائبيّة المحبّبة. إعتلت المنصّةَ على خشبةِ مسرحِ المتحف المدعُوّة سهير حماد فألقتْ باللّغةِ الإنكليزيّة بعض نتاجها. وعقِبَ انتهائها حاولنا تعريف القرّاء بها، إلّا أنّنا جوبِهنا بسلوكيّةٍ غريبةٍ لاتنتمي إلى عالّمِ الشعراءِ في شيء، فقد جرى بيننا وبينها الحوار التالي:
س- هل تسمحين بنشرِ نصِّكِ الذي قرأتِه في الصفحة الثقافية لجريدتنا؟
ج- كلّا لا أسمح.
س- هل بالإمكان محاورتكِ سريعاً ولدقائق بغيةَ تعريفِ القُرَاء بكِ؟
ج- كلّا
إنّها وبالتأكيد لم تعلَمْ بأنّ مُحاوِرَها يكتبُ الشِعرَ قبلَ أنْ تولَد، كما أنَّ هذا السلوكَ الفجّ لا يوحي بوجودِ شاعِرٍ خلفه، ألأمرُ الذي يُبَرِّرْ لي شخصياً إخراجَها مِنْ ساحة الشِعْرِ وعالم الشعراء الذي يستوجب الروح العظيمة للشاعر قبل إقدامه على كتابة الشعر والتي بافتقادها لن تتأهّل لمكانته، حتّى ولو كتبَت الإلياذة رغمَ -وبالمُطْلَق- استِحالةِ ذلك عليها.
الدكتورة عنان العامري:
المتحف فـي خدمةِ أبناءِ الجاليات العربيّة
هذا وقد أجرينا حواراً شاملاً مع الدكتورة العامري بغيةَ تسليطِ الضوء على أهداف وفعّاليّات المتحف، فأجابت بكلِّ مودّةٍ وحميميّةٍ عن أسئلتنا خدمةً للقُرّاء ولجميعِ أبناء الجالية وكما يلي:
س- من خلالِ متابعتِنا لفعّاليّات المؤتمَر على الرغمِ
من اقتِصارِ حضورِنا ليومٍ واحدٍ وهو اليوم الأخير منهُ لاحظنا جوّاً إحتفائيّاً رائعاً تميّزَ بتنوُّعِ الفعّاليّات الثقافيّة وخاصّةً فـي مجالِ الموسيقى والرقصِ الإيقاعيّ والشعر (هيكلياً) وعرضَ الأزياء. ما الذي دعا المتحف بصِفتِكِ مديرة له إلى هذا الإنتقاء الجميل؟
ج- هناك مجموعة كبيرة من الفنانين والمثقفين والأدباء العرب المقيمين في الولايات المتحدة، مبثوثين في الجاليات العربيّة، يكاد يكون أغلبُهم مجهولين سواءً من قِبَلِ تلك الجالية أو المجتمع الأميركيّ، أو لمْ تُتَحْ أمامهم الفرصة لإظهارِ مواهبِهم إضافةً لوسائل الإنتِشار. وبهدف التعريف بهم وبإنجازاتِهم الإبداعيّة والثقافيّة أمامَ من ذكَرْناهم أوجدْنا المؤتمرَ، والذي يُعْتَبَرُ إحدى الوسائل المثلى في نطرِنا لِنجمَعَهم بتلك الجالية وذلك المجتمع. بالإضافةِ إلى أنّ جهودَنا تنصب أيضاً في دعمِهم وتعريفهم على بعضهم.
س- هل يتمّ دعمهم مادِّيّاً أم معنوِيّاً فقط؟
ج- يتمثّلُ الدعمُ المادّي بتحمُّل المؤتمر نفقات نقلهم وإيصالهم إلى مكانِ انعقادِهِ، وكذلك نفقات الإقامةِ طيلةَ أيّامه.
س- هل تَرَيْن ضرورةَ التوسُّع فـي تعريفِ الجالية بفعّاليّات المؤتمَر فـي المستقبل عن طريقِ وسائلِ الإعلام المختلِفة، ذلك لأنّنا كجريدة مخصّصة للجالية العربية فـي ميشيغن وعموم أميركا كنّا نجهل فعّاليّاته على الرغمِ من أنّنا قد أعلَنّا إلى المعنيّين بالشأنِ الثقافـيّ لمرّاتٍ عديدة بضرورةِ إعلامِنا بأيّ فعّاليّاتٍ ثقافيّةٍ تخصُّ الجالية العربيّة.
ج- لقد وضعنا ونشرْنا إعلاناً بموعد انعِقادِ المؤتمَر وتفاصيل فعّاليّاته وأرسلناه إلى مختلف الصحف والمجلّات العربيّة والأميركيّة. وإنّني هنا أستغرب من عدم وصولِهِ إليكَ شخصِيّاً حيثُ قمنا بإرسال بيان الإعلان الصحفي إلى جريدتكم الغرّاء وظهَرَ لمرّتَيْن على صفحاتِها.
س- هل تنحصر دعوة المشاركين بفعّاليّات المؤتمَر على أبناءِ الجاليات العربيّة المقيمين فـي الولايات المتحدة؟ أمْ يتعدّى ذلك إلى المثقّفين والأدباء والشعراء والفنّانين العرب المقيمين فـي بلدانهم؟
ج- في مؤتمَراتٍ سابقة حضرَ العديدُ من المثقّفين العرب غير المقيمين في الولايات المتحدة بناءً على تقديمهم لمنجَزِهم وموافقة لجنة المؤتمَر على دعوتِهِم. وإنّ بودِّنا أنْ نتوسّعَ في استقبال عددٍ كبيرٍ منهم، لكن هناك عقَبات تحولُ دون تحقيق هذه الرغبة، والتي تتمثّل خصوصاً بنفقات النقلِ الباهضة وكذلك استغراق الفيزا لفترةٍ طويلةٍ قد تصل إلى السنة، وهذه المدّة الطويلة لاتتيحُ لنا الإمكانيّة المبتغاة في دعوة المشاركين.
س- هل لديكِ أيّ إيضاح أو كلمة تودّين إيصالَها للقُرّاء؟
ج- إنّ المتحفَ العربيَّ الأميركيّ هو مؤسّسة قامت من أجلِ خدمةِ الجاليات العربيّة بمختلف انتِماءاتها. وعليه فهو يمثِّلهم جميعاً، وإنّنا ندعو الموهوبين منهم والمثقّفين عموماً إلى التوسُّعِ في المشارَكة بفعّاليّات المتحف لأنّهُ وُجِدَ من أجلهِم. ولأنّ الجاليات العربيّة متنوِّعة الإثنيّات والإنتِماءات ومتفاوتة العمقِ الزمنيّ لتواجدها على أرضِ الولايات المتحدة، فإنّنا نحاول أنْ نظهرَ الفعّاليّات التي تجمعُ أكبرَ عددٍ منهم في هذا المجال. كما أودُّ أنْ أوضِّحَ بأنّنا ندعم مثقّفي الجالية مثلما حصلَ في منحِ جوائز تقديريّة لأفضلِ نتاجات الكُتّاب ومنها جائزة الكتاب السنوي في الشعر والقصّة والرواية وقصص الأطفال والبحوث الأدبيّة والإجتماعيّة.
وفي الخِتام وبغيةَ تلافي ما أوردْناه في مقدِّمةِ هذه التغطِية، فإنّنا نعِدُ إدارةَ المتحف والقُرّاءَ الكِرامِ معاً بإجراءِ تغطِية ثانية لمضامينِ قاعاتِ وأروِقَةِ المتحف بهدف تفعيلِ التواصُلِ بينه وبين أبناءِ الجالية.
Leave a Reply