في الوقت الذي ينتظر منها أن تقوم بدورها الفعال الذي يتناسب مع سمو الرسالة الإسلامية وحجم التحديات التي تتعرض لها الجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة عموما، وفي منطقة ديترويت بشكل خاص، تبدو معظم المراكز الدينية والمؤسسات الإسلامية في واد آخر، بعدما تحولت في كثير من الأحيان إلى مجرد قاعات للضيافة وتكريم “ضيوف” الجالية القادمين من وراء البحار، أو بعض “الفئات المهنية” التي ليس لها أي إنجاز مهما صغر.
مؤسسات تتبارى وتتسابق في استقطاب “جمهور” المؤمنين، وعينها على تبرعاتهم وأموال زكاتهم وخمسهم، (وتظل مع ذلك تشكو من العجز والأزمة المالية)، وتتجاهل في الوقت نفسه.. ما يحدق بأتباعها من أخطار، وما يقوم ويخطط له المتربصون.
وفقط منذ ثلاثة أسابيع، عقد مجلس النواب الأميركي جلسات استماع لدراسة ما أسماه أحد النواب الجمهوريين “الأصولية المنتشرة بين المسلمين الأميركيين”، في خطوة شبهها محللون كثيرون بالمكارثية الجديدة، في إشارة إلى حملة الملاحقة والاضطهاد التي نظمت في خمسينات القرن الماضي، لتطهير الولايات المتحدة من الشيوعيين والمتعاطفين معهم (دعا اليها السيناتور جوزيف مكارثي). وللأسف فإن رد المؤسسات والمراكز الدينية، رغم أنها هي المستهدف الأول من جلسة الاستماع تلك، لم يرق الى مستوى الدفاع عن المصالح، فما بالك بالدفاع عما يلصق بالمسلمين من تهم باطلة.
وقبلها، كانت المرشحة الجمهورية لمقعد مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية نيفادا شارون أنغل، قد وصفت مدينة ديربورن، بالمدينة المحكومة “بالشريعة الإسلامية”، في تحريض لا يعفي هذا النوع من الخطابات مسؤولية شحن أشخاص موتورين ورفع مستوى الكراهية للإسلام وللمسلمين، كما حصل مع الأميركي رودجر ستوكهام الذي قطع آلاف الأميال، من كاليفورنيا إلى ديربورن، مهدداً ومخططاً لتفجير “المركز الإسلامي في أميركا”، فماذا كان موقف المؤسسات العربية والإسلامية سوى الشجب، الذي أصبح مثار تندر.
في 22 نيسان القادم، يخطط القس تيري جونز، صاحب الدعوة المعروفة لحرق القرآن الكريم في الذكرى التاسعة لهجمات أيلول الإرهابية، والتي تراجع عنها في اللحظة الأخيرة، يخطط للمجيء إلى ديربورن، بدعوة من ميلشيات في ميشيغن، ليتظاهر أمام المركز الإسلامي ضد ما يسميه “الإسلام الراديكالي”؟
أصبحت مدينة ديربورن “رمزا” للوجودين العربي والإسلامي في أميركا، وإليها تشد الرحال من بث الرسائل وتسجيل المواقف، ومع ذلك.. تغرق المؤسسات الإسلامية في مدينتنا بالحسابات الضيقة والسلوكيات المرتبكة، لاسيما وأن أكثر القائمين على شؤونها لا يتكلمون اللغة الإنكليزية أصلا، أو لا يتقنونها في أقل تقدير، ناهيك عن الحسابات والتوازنات الشخصية التي لا تغيب عن كواليس تلك المؤسسات.
ومن المؤسف أن يتصرف البعض، وكأن المساجد أصبحت ملكاً للأئمة أو أعضاء مجلس الأمناء.. الذين يتصرفون بمنطق إقطاعي تملّكي، متناسين أن تلك المراكز بنيت بأموال أبناء الجالية، وأنها مستمرة في وجودها بفضل أبناء الجالية، وأن من يدير تلك المؤسسات هو مؤتمن عليها ومسؤول عنها، وليس مالكها أو صاحبها.
وغيرة منا على هذه المؤسسات وحاجة أبناء الجالية إليها، نتمنى على المشرفين والعاملين فيها أن يكونوا على مستوى المسؤلية والأمانة الموضوعة في أعناقهم.
سيأتي جونز مع مؤيديه المتعصبين، فيا مرحبا! وسوف يرى الأميركيون أننا نقابل الكراهية بالمحبة، والتعصب بالانفتاح. ليأتوا ويكتشفوا أن ديربورن لا تحكمها الشريعة الإسلامية كما يدعون، وأنها مجتمع متسامح، متعدد الأعراق والثقافات والديانات. وتعالوا نظهر تفاهمنا وقوتنا واندماجنا بالمجتمع الأميركي وتمثلنا بقيمه الراقية القائمة على قبول الآخر. تعالوا نستقبل جونز بسلوك حضاري يأتلف فيه المسلم والمسيحي واليهودي والشخصيات الرسمية والعامة.
من المساجد.. في العالم العربي تنطلق الثورات، وتقلب الأنظمة، ويتغيّر التاريخ، فهل تستطيع المراكز الدينية في أميركا حماية نفسها وجمهورها مما يحدق بها، وهل تنجح بتقديم قيم الإسلام الحنيف كما ينبغي؟
الأيام القادمة ستكون امتحاناً كبيراً، للجميع، فلننتظر ونرَ.
Leave a Reply