صالح الأمين
في أحيانٍ كثيرة، نتجنّب كمجتمع وأفراد الحديث في مواضيع عديدة من باب دفن الرؤوس في الرمال، ظنّاً منا أن مشاكلنا تزول مع الوقت، مِن دون عناء. وأحياناً أخرى نتجاهل قضايا هامة لأن مواقفنا الواضحة منها تتعارض مع مصالحنا.
موضوعنا الذي نحن بصدد تناوله، ليسَ بأمرٍ جديد، فهو يُخاض منذ سنوات في الجلسات المغلقة وخلفَ الأبواب، لكن آن الآوان كي نناقشه في العلن. فهو من المواضيع التي يتداخَل فيها العلم مع الدين والمصالح الاقتصادية والاجتماعية طويلة الأمد، وبالتالي لا يمكننا الاستمرار بتجاهله وهو زراعة وتعاطي وتجارة الماريوانا، أو ما يُعرَف بـ«القنّب الهندي»، الذي أصبح منتشراً على نطاق واسع في مجتمعنا الأميركي عموماً وجاليتنا العربية خصوصاً.
ولتحديد موقفنا من هذه المسألة لا بد أن تنتاولها بأبعادها الأربعة: الصحي، الاقتصادي، الديني والاجتماعي، مع الإشارة إلى أن مضمون هذا التقرير هو نتاج بحث ونقاشات مع العديد من أبناء جاليتنا من مختلف الأعمار، ويستنِد إلى العديد من الدراسات العلمية، رغم أنه يبقى في إطار الرأي الذي يستهدِف فتح باب النقاش حول هذه المسألة الداهمة.
البُعد الصحي
تحتوي الماريوانا على Delta–9–tetrahydrocannabinol الذي يعرف اختصاراً باسم THC، وهو مركب مُخدّر يمنَح المتعاطي الشعور بالنشوة، ويكون موكّزاً في الجزء الأعلى من أنثى نبتة الماريوانا أو ما يعرف بزهرة الحشيشة. كما تحتوي الماريوانا على أكثر من 500 مادة كيميائية أخرى من ضمنها CBD أو Cannabidiol وهي مادة «غير مذهبة» للعقل وتدخل في بعض الاستعمالات الطبية.
وبينما يذهب البعض إلى إعطاء نبتة القنب الهندي خصائص صحية خيالية كعلاج لأمراض السرطان والسكري، فضلاً عن الأمراض المزمنة والآلام والروماتيزم وغيرها، إلا أن ذلك غير مُثبَت علمياً رغم العديد من الدراسات التي أُجريت في هذا الشأن. وقبل الحديث عن مساوىء الماريوانا الصحية، سنذكر بعض المواضع التي جرى فيها الاستعانة بهذه المادة لأغراض طبية. فقد أجازت وكالة الغذاء والدواء الأميركية (أف دي أي) استخدام القنب الهندي لدوائين فقط. أحدهما لعلاج نوع نادر جداً من أمراض الصرع Epilepsy، والآخر يُستخدَم لتحفيز الشهية لدى مرضى السرطان أو عندَ كبار السنّ المُصابين بمرض «ألزهايمر» ممن ينقطعون عن الطعام.
وهنالك بعض الدراسات التي تُعطي عنصري CBD وTHC بعض الخصائص في علاج آلام الروماتيزم وبعض آلام مرضى السرطان والتشنجات العضلية عند المصابين بالشلل، علماً بأنها لا تجزم بفعاليتها، في حين أن هنالك أدوية أخرى أكثر فعالية، وليسَ لها العوارض الجانبية نفسها التي تتسبّب بها الماريوانا، وهي متوفرة في الصيدليات للحالات المذكورة أعلاه.
عدا ذلِك، فكل ما يروّج له لا أساس علمي أو طبّي له، ويدخل في خانة الطب الشعبي أو كما يقول المثل، «عشبة بتشفي»، وهي مقولات يروج لها من يتعاطى أو يتاجر أو يزرع الماريوانا من باب التبرير لأفعاله.
أما في ما يتعلّق بمخاطرها الصحية، فلا ريْب أن الماريوانا هي من المواد المخدّرة التي تجعَل المتعاطي يعتاد عليها ويصِل إلى حالة الإدمان. ويشير العديد من الدراسات والاستطلاعات إلى أن تعاطي الماريوانا في عمر مُبكر من سنوات المراهقة قد يشكّل مدخلاً لتناول أنواع أخرى من المخدرات الأشدّ خطراً مثل «الكوكايين» و«الهيرويين» و«الفنتانيل» والحبوب المخدرة التي تحتوي على مادة الأفيون.
وفي استطلاع استهدف جاليتنا، سألنا العديد من الأخصائيين في علاج الإدمان، وخلُصنا إلى شبه إجماع على أن غالبية المدمنين على الحبوب المُخدرة كـ«الفايكودن» و«نوركو» و«بيركوسيت» بدأوا مشوارهم مع الإدمان عن طريق الماريوانا. وهذه الأخيرة، تشكّل خطراً على الصحة العقلية للمتعاطي، فهي تزيد من نسبة الإصابة بالأمراض العقلية، ولاسيما الاضطرابات العقلية Psychosis أو الشيزوفرينيا Schizophrenia لدى الشباب. كما أثبتَت الدراسات أنها توثّر على نسبة الذكاء IQ عندَ من يبدأ التعاطي في سنّ مبكرة.
البعد الاقتصادي
لاحظنا مؤخراً ارتفاعاً هائلاً في أسعار العقارات بمنطقة ديترويت، حيث توجد موجة شراء غير مسبوقة نقداً وبأسعار تكاد تكون ضعف السعر الحقيقي للعقار، خاصة إذا كان تجارياً. وبعد البحث والتدقيق يتبين أن جزءاً أساسياً من المشترين هم من مزارعي وتجار الماريوانا. لذا يُمكن الاستنتاج أن الأثر الاقتصادي الأول لانتشار هذه النبتة في مجتمعنا هو ارتفاع الإيجارات وأسعار العقارات في ديربورن وديربورن هايتس، وغيرها من المدن المحيطة.
وهذا الأمر ينعكس سلباً على الراغبين من أبناء جاليتنا بفتح مصالح تجارية مثل مطعم أو متجر أو عيادة أو غير ذلك من المؤسسات التجارية التي تستفيد منها أسر الجالية وتخلق حركة تجارية حقيقية تعود بالفائدة على الجميع. فمعظم هؤلاء لن يكون بمقدورهم المنافسة أو الاستثمار وجني الأرباح بسبب ارتفاع التكلفة، مما سيؤدي إلى إفقار مدننا من حيث تنوع المصالح الحيوية التي يحتاجها المجتمع، وبالتالي تدمير النسيج الاقتصادي المطلوب لازدهار مدننا، وهو ما سيؤدي أيضاً إلى انخفاض الحركة التجارية والعائدات الضريبية التي تعول عليها مدننا لتوفير الخدمات العامة وتحسين جودة الحياة.
ومن جهة أخرى، يستقطِب أصحاب مستودعات زراعة الماريوانا العديد من الشباب للعمل في زراعتها والعناية بها، ويدفعون مقابل ذلك أجوراً خيالية تصِل إلى 30 و40 دولاراً للساعة الواحدة كوسيلة تحفيز، فيمتنع الشباب عن ممارسة أعمال أخرى بأجر أقل. حتى أن بعضهم يتساءل: «لماذا عليّ أن أذهب إلى الجامعة والتعلم لسنوات لأصبِح مهندساً أو صيدلانياً، فيما يمكنني أن أجني الدخل عينه منذ الآن ومن دون تعب الدراسة؟». فماذا سيكون حال هؤلاء الشباب بعدَ سنوات، حين تنتهي فوعة الماريوانا وتكون قد فاتتهم فرصة التحصيل العلمي فيجدون أنفسهم بلا مهارات أخرى يعتاشون منها؟ هل سينتقلون لزراعة البطاطا؟ أم تراها تكون بداية للاتجار بأنواع أخرى من المخدرات؟
الأثر الاجتماعي
هنالك العديد من الأمثلة في الماضي القريب عن الآثار الاجتماعية التي نجمت عن المخدرات والحشيشة في العديد من المجتمعات سواء هنا في الولايات المتحدة أو حول العالم. فعلى سبيل المثال، أدى تفشّي تعاطي هذه النبتة المخدرة إلى العديد من الآفات الاجتماعية لدى السود الأميركيين كالتفكك الأسري وارتفاع معدل البطالة والتسرب المدرسي، ناهيك عن ارتفاع معدلات الجريمة وانخفاض عدد المنتسبين إلى الجامعات وغير ذلك من المشاكل التي تصل في نهاية المطاف بالمجتمعات إلى التدمير الذاتي.
وهنالك العديد من الدلائل التي تُشير إلى أن انتشار المخدرات في أوساط الأميركيين السود وغيرهم من الأقليات كانَ سياسة عنصرية متعمّدة من قبل بعض الجهات الأمنية والحكومية، بهدف إنهاك وتفتيت تلك المجتمعات. كما جرى نشر المخدرات (تحديداً الأفيون) في عدد من الدول كالهند والصين ومصر بهدف إخضاعها والسيطرة عليها بشكل أسرع وأسهل.
كذلك لا بد من الانتباه إلى أن جني المال السريع عبر تجارة الماريوانا لا بد أن يفتح شهية التجار على توسيع تجارتهم عاجلاً أم آجلاً، فيدخلون في تجارة أنواع أخرى أكثر ربحية من المخدرات، مثل الكوكايين والفنتانيل وغيرها.
ومن هنا، لا شك ان المخدرات لها آثار صحية واجتماعية على الافراد، ولكنها أيضاً تؤثر على نسيج المجتمع ككل حيث تؤدي إلى زعزعة وتفكيك الأسر وجعل أبنائها أكثر عرضة للضياع. هذا ناهيك عما نشهده مؤخراً من نسب الوفيات العالية بين الشباب بسبب جرعة مخدرات زائدة، وفي الأغلب، كانت الخطوة الأولى في طريق الضياع، الماريوانا.
نظرة الدين
تُجمِع جميع الأديان السماوية على حرمة تعاطي المخدرات والإتجار بها والترويج لها. بل يرى الدين الإسلامي أن الإتجار والترويج للمخدرات هو نوع من الإفساد في الأرض، عدا عن أن تعاطي تلك المواد المذهبة للعقل يعتبر حراماً، رغم أن البعض يتسلّح بفتاوى دينية تشرع زراعة وتجارة القنب الهندي بغرض الاستعمال الطبي، فيستغلون تلك الفتاوى لتغطية تجارتهم وتوسيعها.
فالمردود المالي العالي يغري البعض ويعمي البصر والبصيرة.
وقد صادفنا العديد من «المتديّنين» و«الحجّاج» ممن يتهافتون على شراء المستودعات والعقارات التي تصلح أو تسمَح البلديات بتحويلها إلى أماكن لزراعة الماريوانا ثم يؤجرونها بأسعار عالية لمن يرغب باسثمارها، فيكونون بذلك شركاء مخفيين أو مقنّعين، ظناً منهم أنهم بذلك سيفلِتون من الوقوع في الحرام أو من لوم الناس، مع العلم –كما أسلفنا– بأن «الغرض الطبي» محصور جداً، وفتاوى المراجع لا تنطبق على تجارتهم تلك.
ورغم ذلك، يتناسى هؤلاء، الضرر غير المباشر الذي يلحقونه بمجتمعنا صحياً وسلوكياً واقتصادياً، ويتسترون بالدين لجني الأرباح الطائلة، وهم في هذه الحالة كأنما يُطبّقون حرفياً، مقولة «الدين أفيون الشعوب».
وفي الختام نقول: أولادنا هم أكبر استثمار لنا فلنحافظ عليهم.
Leave a Reply