بري لم ينجح فـي تسويق مبادرته والسنيورة فشل فـي عقد اجتماع لوزراء الخارجية العرباميركا وضعت حل الازمة اللبنانية الى ما بعد الانتخابات الرئاسية فيها
تتجه الازمة اللبنانية الى مزيد من التجميد والمراوحة في مكانها، وباتت مرتبطة بازمات وصراعات المنطقة، وهي بحالة انتظار التطورات العربية والاقليمية والدولية، اضافة الى انتخابات الرئاسة الاميركية.فلا يبدو في المرحلة المقبلة، ان ثمة تحريك لحل هذه الازمة نحو انتخاب رئيس للجمهورية واستعادة المؤسسات دورها، لان العوامل الخارجية المؤثرة في الحل او في القرار الداخلي، لم تعط بعد اشارة العبور باتجاه الحل، بل في تعطيل الوصول اليه، حيث كشفت المعلومات الدبلوماسية الواردة من واشنطن ان الادارة الاميركية ليست بوارد حل الازمة، وقد عبّرت وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس عن ذلك في التأكيد على ان استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية ليس امراً سيئاً، ولا توجد مشكلة ابداً في بقاء السنيورة في رئاسة الحكومة وقائماً باعمال رئاسة الجمهورية، و كذلك ان يتم التمديد للمجلس النيابي الحالي، وهذا يناقض ما كان الرئيس الاميركي جورج بوش يتحدث عنه دائماً ويفتخر به، وهو ترسيخ الديمقراطية في لبنان، فتبين انه يرى الديمقراطية بعين واحدة وهي استمرار السنيورة في موقعه، لانه بالنسبة له يمثل المشروع الاميركي في المنطقة، وهومن ضمن «الامن القومي الاميركي» وخط الدفاع عن المصالح الاميركية في لبنان.وهذا الموقف الاميركي ليس بجديد، بل هو تأكيد لما قامت به الادارة الاميركية من تعطيل للمبادرات العربية والاوروبية لحل الازمة اللبنانية، برفض اعطاء الثلث الضامن في الحكومة، مما ادى الى عدم اجراء الانتخابات الرئاسية، وهذا ما كرّس السنيورة في السلطة واستخدامه لصلاحيات رئاسة الجمهورية داخل الحكومة.اما الهدف الاميركي في احداث الفراغ في رئاسة الجمهورية، فهو تمرير مشروع توطين الفلسطينيين، الذي برأي قيادات المعارضة، فان رئيساً للجمهورية بوزن العماد ميشال عون، لن يقبل به وسيقاومه، وان قائد الجيش العماد ميشال سليمان سيتصدى له، وان السنيورة مع حلفائه في السلطة سيسهلون حصوله بالتدرج من خلال، سلسلة اجراءات وخطوات بينها التجنيس والتملك وقد تم الاتفاق عليهما في اجتماعات جرت قبل سنوات بين رئيس السلطة الفلسطينية محمودعباس ويوسي بيلين المفاوض الاسرائيلي، ويقوم على تجنيس الفلسطينيين في الدول التي يقيمون فيها، وتحسين اوضاعهم المدنية والمعيشية ودفع تعويضات مالية لهم، تؤمن لهم شراء مساكن، وتذويبهم في داخل المجتمعات التي يقيمون فيها كلاجئين، وقد تم تطبيقه في لبنان، من خلال مشروع التجنيس منتصف التسعينات من القرن الماضي الذي اعطى اكثر من 25 الف فلسطيني الجنسية اللبنانية، وسمح لهم بالتملك، كما ان محاولات تجري من قبل قوى سياسية لبنانية للضغط على الحكومة لتمكين الفلسطيني من امتلاك منزل، ويرفع الفلسطينيون هذا المطلب ايضا تحت عنوان انساني، لان عدد النازحين داخل المخيمات ارتفع بسبب الولادات والزيجات ولم تعد تستوعب زيادة عدد السكان، وضاقت بهم، ولا بدّ من السماح لهم بشراء منازل،او بالبناء داخلها وتغيير معالم السكن الذي هو كناية عن منزل مساحته لا تتعدى الـ60 متراً ومن الصفيح، وسمحت الفوضى خلال الحرب الاهلية، باستبدال الصفيح بالباطون والحجارة.وتتهم المعارضة الفريق الحاكم بتغطية التوطين بدعم عربي وسكوت فلسطيني، حيث يكشف الرئيس السابق اميل لحود، عن انه واثناء التحضير للقمة العربية في بيروت عام 2002، رفض ان لا تتضمن مقررات القمة بند رفض التوطين وحق العودة للفلسطينيين وفقاً لقرار مجلس الامن 194، وقد حاولت المملكة العربية السعودية التي كان ولي العهد فيها الامير عبدالله، تقدم بمبادرة عربية للسلام ان لا يضمنها حق العودة، فأصر عليه الرئيس لحود ان يرد بالمبادرة بند حق العودة، لكنه اعتبره ليس اساسيا، فاستمر لحود على موقفه وحصل على ما اراد، وقد فعل ذلك ايضاً في قمة الرياض العام الماضي، كما اوردت قمة دمشق بند حق العودة في مقرراتها.وهذا الصراع على موضوع التوطين، يكشف بأن الازمة اللبنانية، هي من ضمن ما يطبخ للمسألة الفلسطينية، وللوضع النهائي لها والذي يصر الاسرائيليون ومعهم الاميركيون، ان لا يتضمن بند حق العودة، وهو ما عرقل توصل الرئيس ياسر عرفات مع ايهود باراك وكان رئيساً للحكومة الاسرائيلية على حل لهذا البند، كما تعثر بند اعتبار القدس عاصمة لدولة فلسطين، وكذلك تفكيك المستوطنات اليهودية واعادة الاراضي الفسطينية المحتلة عام 1967 وفقا للقرار 242.وقد رهنت الادارة الاميركية الازمة اللبنانية، بتقدم الحلول في فلسطين والعراق، وثم وضعها على الرف ولم يعد لها الاولوية، لان في مفكرة الرئيس بوش تحقيق وعده بانشاء دولتين يهودية وفلسطينية، وسيحقق هذا الوعد في زيارته الى اسرائيل في 15 ايار المقبل للاحتفال بالذكرى الستين لاغتصاب فلسطين واعلان نقل السفارة من تل ابيب الى القدس، وذلك يسقط بند القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، كما ان اعلان يهودية الدولة العبرية سيعني تهجير مليون و400 الف فلسطيني من الاراضي المحتلة عام 1948، والغاء حق العودة نهائياً، وبذلك يكون بوش اسقط اسس مؤتمر مدريد واتفاق اوسلو وخارطة الطريق.وهذا الاهتمام الاميركي بالملف الفلسطيني خلال شهر ايار، هو الذي سيؤخر الحل في لبنان وهو ما دفع بالوزيرة رايس الى الحديث عن استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية وارجاء الانتخابات النيابية في العام 2009 وهو الامر الذي لم يقبل به بوش في العام 2005 واصر على حصول الانتخابات النيابية في موعدها في 27 ايار من ذلك العام وبعد انسحاب القوات السورية في اشارة الى نجاح مشروعه لتعميم الديمقراطية في المنطقة واعتبر لبنان اختباراً له، بعد ان فشل في العراق،كما لم يحقق اي تقدم في دول اخرى، فحصلت الانتخابات ونظر اليها الرئيس الاميركي كأنها انتصار له، وبدأ يدافع عنها، على انها من انجازاته، وان حكومة السنيورة هي من نتاج هذه الديمقراطية.من هنا تبدو الازمة مؤجلة الى اجل غير مسمى، وربما الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية ولا يوجد في الافق المنظور اي حل لها، فالمبادرة العربية وضعت في الثلاجة، ولم يدفعها الدعم الذي تلقته من القمة العربية الى الامام، ودعوة الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، لاستئناف مساعيه، وتقريب وجهات النظر بين اللبنانيين، فلم يتقدم ويحضر الى بيروت، لمعاودة العمل بالمبادرة التي توقفت عند بندي الحكومة وقانون الانتخاب، وقد حاولت المعارضة مساعدته، فاعلن الرئيس نبيه بري عن تجديد مبادرته للحوار وحدد مواعيد له، قبل 4 ايام من الجلسة 18 لانتخاب رئيس الجمهورية، لكن رئيس مجلس النواب اصطدم برفض الرئيس السنيورة واطراف اخرى في الموالاة لمبادرته، واعتبروه فريقاً وليس محايداً، فرد عليهم بانه لم يكن يوماً يعلن انه غير منحاز، بل كان يؤكد دائماً انه معارض على طاولة الحوار التي يدعو لها من موقعه كرئيس للمجلس، وان جلسات الحوار السابقة كانت تتم تحت هذا العنوان، لكن تبين ان رفض السنيورة وسمير جعجع تحديداً، انما يصب في خانة الرفض الاميركي لهذا الحوار، لانه ليس اوانه، لانه مؤجل الى ما بعد حل الازمات الاخرى التي تصيب ادارة بوش في الصميم في الفشل الذي تحرزه في العراق وفلسطين.فلم ينجح بري في تأمين دعم للحوار من خلال جولته العربية التي لم تصل به الى السعودية بعد ان بدأها في سوريا ونال من رئيسها تأييداً غير مشروط لتوافق وحل لبناني، لكنه لم يتمكن من الوصول الى السعودية التي ينتظر منها موعداً، وكان يرغب ان يلتقي قيادتها قبل موعد جلسة انتخاب الرئيس ليؤمن حلاً لبنانياً فلم يوفق، فاضطر الى ارجاء موعد كان حدده للحوار، وكذلك موعد جلسة الانتخاب الرئاسية، دون ان يقطع الامل في اعادة الحوار، وهو ما زال يعمل كي تتحقق المصالحة السعودية-السورية، ويأمل بتحرك عربي في هذا الاتجاه، اذ تبرعت اكثر من دولة عربية لترطيب العلاقات بين الرياض ودمشق والتي تدخل من ضمن الخلافات العربية-العربية ولعبة المحاور.واذا تأمنت الاجواء الايجابية بين سوريا والسعودية فان طريق الرياض تفتح امام الرئيس بري، ويصبح الحل قريباً، لكن واشنطن ضغطت على المملكة، ان تشترط لاستبقال رئيس المجلس، اجراء الانتخابات الرئاسية، وهو ما كانت تطلبه السعودية ومصر والاردن من سوريا لحضور القمة العربية، ولم يحصل الانتخاب وانعقدت القمة بنجاح.فالرئيس بري الذي يعترف بوجود علاقات غير طبيعية بين لبنان وسوريا، فانه لا يخفي وجود خلافات لبنانية، وتأثيرات خارجية على الداخل اللبناني، وتحديداً من السعودية وسوريا، ولا بدّ ان يعملا باتجاه المساعدة بالضغط على حلفائهما، لانجاز الحل، وان العلاقات اللبنانية-السورية ستكون من ضمن ما اتفق عليه على طاولة الحوار، وقد سمع من الرئيس السوري تأييده للتوافق بين اللبنانيين ومن ضمنه ترسيم الحدود مع سوريا واقامة علاقات دبلوماسية معها، وهذه المسائل يبدأ البحث فيها مع تشكيل حكومة وحدة وطنية.لكن الرئيس السنيورة، سعى الى ان ينقل الازمة اللبنانية، الى مكان اخر تحت عنوان الخلاف السوري-اللبناني، وتغييب المشاكل الداخلية، ووضع عدم انتخاب رئيس للجمهورية في خانة التعطيل السوري له، و بات من الضرورة عقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب للبحث في هذا الموضوع، الذي سبق لهم وان ناقشوه وضمنوه كبند اساسي في مبادرتهم التي تعطلت بسبب الخلافات اللبنانية، والضغط الاميركي الذي رفض تقديم الحل اللبناني على باقي ازمات المنطقة.وكما لم ينجح الرئيس بري في تأمين دعم لحواره، فان الرئيس السنيورة لم يوفق في الحصول على موافقة عربية لعقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب، للبحث في العلاقات اللبنانية-السورية، لان سوريا التي هي رئيسة القمة العربية ومعنية بهذا الموضوع قد لا تحضر الاجتماع، وهي تصر على ان تناقشه بين الدولتين اللتين تربطهما معاهدة اخوة وتعاون وتنسيق، ولا بدّ من تفعيلها، واجراء تقويم لها، ولكن من ضمن حكومة وحدة وطنية.فأمام تجميد الحل العربي للأزمة اللبنانية، وتعثر الحوار الداخلي، فان الحل المقترح من قبل اطراف في المعارضة يتقدم، لجهة حصول مقايضة بين انتخاب رئيس للجمهورية وقانون انتخاب على اساس قانون 1960، على ان تتراجع المعارضة عن مطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية لها فيها الثلث الضامن، لان الحكومة التي ستشكل بعد انتخاب رئيس جديد، وقبل اقل من عام على انتخابات نيابية ستكون بمثابة حكومة تشرف على الانتخابات وتصريف الاعمال.وفي هذا الاطار، فان المعلومات تشير الى ان هذا الاقتراح الذي تقدم به الوزير سليمان فرنجيه، ولقي تأييداً من بري، بدأ يأخذ طريقه، وان اتصالات تجري على مستويات عليا بين قادة عرب، تقوم على تسوية انتخاب العماد ميشال سليمان كمرشح توافقي لرئاسة الجمهورية، واقرار قانون انتخاب للعام 1960، وتشكل حكومة.هذا الاقتراح سبق وجرت مناقشته على هامش القمة العربية في دمشق، ويقوم على اجراء انتخابات رئاسية، وتشكيل حكومة حيادية، تشرف على الانتخابات النيابية بعد اصدار قانون انتخاب.والحكومة المقترحة، هي حكومة حيادية، على غرار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2005، والتي جاءت نتيجة توافق عربي-اقليمي-دولي.
Leave a Reply