صيغة لتشكيلة حكومية قدمتها المعارضة ورفضتها الموالاة بضغط سعوديحل الأزمة اللبنانية ينتظر فشل المشروع الاميركي في المنطقة
عندما حاول الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى النزول من الطائرة التي اقلته للمرة الثانية الى بيروت لتسويق الحل الذي ابتكره وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم في القاهرة يوم 5 كانون الثاني، وجد بابها مقفلاً بسبب انقطاع التيار الكهربائي في مطار بيروت، فانتظر لبعض الوقت، ليفتح الباب، ويقوم بجولاته على القيادات اللبنانية عله ينجح في تقريب وجهات النظر بين الموالاة والمعارضة، فاصطدم بتفسيرهما للبند الثاني من المبادرة العربية حول تشكيل الحكومة، فاعلن الفريق الحاكم عن رفضه اعطاء الثلث الضامن فيها للمعارضة، وقد وافقه الوسيط العربي على هذا التفسير، فاقفل بذلك باب الحل العربي ودفن المبادرة التي ولدت ميتة، لينفتح باب الطائرة امام عمرو موسى ويغادر لبنان، لينقل الى وزراء الخارجية العرب حصيلة مساعيه.
وقبل ان ينهي لقاءاته، وقبل المدة المحددة لوساطته، كان الامين العام للجامعة العربية، يواجه بحملة من قبل المعارضة، بانه لم يكن حكماً بل طرفا، وهو انحاز الى قوى 14 شباط، وتبنى الطرح الذي تقدمت به لجهة توزيع المقاعد الوزارية في الحكومة، وخرج بجواب نهائي وقاطع، اعلن فيه التفسير الرسمي للحل العربي الذي يقوم على عدم اعطاء الموالاة النصف زائدا واحداً ولا المعارضة الثلث زائدا واحداً، وحاول تسويق صيغة حكومية تقوم على 13 للموالاة و 15 للمعارضة و7 لرئيس الجمهورية المنتخب، وهي الصيغة الاخيرة التي قال موسى انها منصفة ومتوازنة وعادلة، وخارجها لا يمكن لاية صيغة ان تكون متطابقة مع روح وجوهر المبادرة العربية التي تؤكد وبشكل واضح وبقراءة عربية سليمة، بان لا تمتلك الموالاة الاكثرية، ولا يكون للمعارضة حق التعطيل، واعطيت لغة الترجيح لرئيس الجمهورية.لكن رئيس مجلس النواب نبيه بري وحلفاءه في المعارضة قرأوا المبادرة على انها تساوي بين الاطراف الثلاثة اذا كانت لا تعطي لاي طرف الاكثرية او الاسقاط، فنفى موسى ان يكون موضوع المثالثة قد تم التطرق اليه في اجتماعات القاهرة اي صيغة 10+10+10 لحكومة من ثلاثين وزيراً، فاقترح عليه الرئيس بري دعوة وزراء الخارجية العرب للمجيء الى بيروت وعقد اجتماع فيها لمواكبة تطبيق المبادرة، واعطاء تفسير موضوعي لا يكون فيه غالب ومغلوب، ويحقق الشراكة في الحكومة، لكن الامين العام للجامعة رفض هذا الاقتراح بعد ان تبلغ من اطراف الموالاة، انه يعطي دوراً لسوريا في لبنان، ويعيد نفوذها اليه، وتأثيرها في ازمته.وتقدمت المعارضة، عبر العماد ميشال عون في اللقاء الذي جمعه مع النائب سعد الحريري والرئيس امين الجميل في مجلس النواب، وبمسعى من موسى، بعد ان كانت قوى 14 شباط ترفض الاجتماع برئيس «التيار الوطني الحر»، وعادت فوافقت عليه كي لا تتهم بعرقلة الحل العربي، و اقترح خلاله عون صيغة 14 للموالاة و11 للمعارضة و5 لرئيس الجمهورية، وهذا التوزيع للمقاعد الوزارية تم على اساس التمثيل النسبي لحجم الكتل النيابية، والذي سبق ووافقت عليه الموالاة من خلال المبادرة الفرنسية التي قام بها وزير الخارجية برنار كوشنير وتقوم على تشكيل حكومة وفق نسبة 55 بالمئة لقوى السلطة و54 بالمئة للمعارضة، بعملية حسابية 16,5 للاولى و13,5 للثانية، ويتم التنازل عن 2,5 من كل طرف، وتحويل المقاعد الى رئيس الجمهورية، فيحصل على خمسة وهو عدد من الوزراء لم يحصل عليه الرئيسان السابقان للجمهورية المرحوم الياس الهراوي واميل لحود، وكل ما حصلا عليه هو وزيرين او ثلاثة لكل منهما في كل الحكومات التي تشكلت منذ اتفاق الطائف.هذه الصيغة رفضتها قوى 41 شباط بدعم من موسى الذي لم يقبل ايضاً اعطاء الثلث الضامن للمعارضة، وتعطل اللقاء الثاني الذي كان مقرراً ان يعقد بين عون والحريري والجميل بحضور موسى، واعطي سببا صحياً يتعلق بعون، لكن الشروط والشروط المضادة هي التي اوقفت المبادرة واوصدت باب الحل امامها، دون ان يبذل الامين العام للجامعة العربية جهداً اضافياً لاخراج التسوية العربية وانقاذها من الفشل.وتبين من خلال اللقاءات التي قام بها موسى، ان مصر والسعودية لن تعطيا للمعارضة الحق في الشراكة، وحاولا اعطاء تفسيرات على لسان كل من وزيري الخارجية المصري احمد ابو الغيط، والسعودي سعود الفيصل، بانه لا يمكن للاقلية ان تتحكم بالاكثرية، وتقفز فوق نتائج الانتخابات النيابية، فردت المعارضة على ذلك بالتأكيد، ان ما تعرضه هو عدم الغاء حجم اي طرف، بل اخذ النسبة التي يمثلها في مجلس النواب داخل الحكومة بما يؤمن مشاركة فعلية وحقيقية. ووقفت المسألة عند ان وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا في القاهرة، لم يحاولوا تقديم تفسير واضح، والية شفافية، وانتجوا مبادرة ولدت ميتة ساهم في دفنها موسى، لان الخلافات بينهم وتحديداً بين السعودية وسوريا، تؤخر الوصول الى حل متكامل، حيث ابلغت الرياض من يعنيهم الامر بانها لن تفرط في الحكومة، ولن تسمح بان يستولي حلفاء سوريا على القرار فيها، وهي التقت مع الادارة الاميركية على منع انهيار قوى 41 شباط، اذ اعلن الرئيس الاميركي جورج بوش خلال زيارته للمنطقة انه بحث مع الزعماء العرب الذين التقاهم، بان يبقى فؤاد السنيورة شريك استراتيجي لنا في المنطقة، ويجب عدم تسليم القرار داخل الحكومة للنفوذ الايراني والسوري.وقد اعطى بوش دعماً للفريق الحاكم كي لا يقدم اي تنازل، مؤكداً بان حلفاءه العرب يقفون معه في هذا التوجه، ولا بدّ من الصمود لبعض الوقت وحتى الربيع المقبل، لان ثمة تحولات ستحصل في المنطقة، ومنها بدء اعمال المحكمة الدولية في اغتيال رفيق الحريري في ايار المقبل التي ستطال من سوريا، وهو ما نقله مسوؤل الامن القومي الاميركي اليوت ابرامز الى قوى 14 شباط عندما جاء الى لبنان مع مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد وولش، موفدين من قبل بوش، لوقف التصدع والضياع اللذين ظهرا على الفريق الحاكم، والبلبلة التي احدثتها مواقف وليد جنبلاط وتراجعه عن انتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائدا واحداً من مرشحي 14 شباط، والقبول بقائد الجيش العماد ميشال سليمان كمرشح توافقي.فالتعطيل الاميركي للحل اللبناني ثم العربي، بات واضحاً، لان ادارة بوش لا تتحمل خسارة في لبنان، وفقدان حكومة السنيورة، التي هي خط الدفاع الاول عن الامن القومي الاميركي، ولا بدّ من حمايتها من السقوط او تشكيل حكومة تفقد الاغلبية فيها القرار، و تم ابلاغ عمرو موسى ان لا يقدم امتيازات وتنازلات للمعارضة، وقد غادر لبنان متورطاً مع الموالاة، ومنفذاً ما طلبه منه المصريون والسعوديون، كما يقول قادة المعارضة ويتهمونه بانه افشل المبادرة العربية هو بنفسه، كما في مرات سابقة، التي كان يأتي فيها الى لبنان على اساس انه يمثل كل الدول العربية، فيغادره طرفاً لينسف الحل العربي، ليمهد الطريق للتدويل ليملاً الفراغ مكانه، وهو ما المح اليه الامين العام للجامعة العربية، ومعه اطراف عربية واخرى لبنانية موالية، التي اشارت الى انه اذا فشلت المبادرة العربية، لا بدّ من التوجه الى مجلس الامن الدولي، وقد كشف عن ذلك ايضاً وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير عندما اشار الى ان الازمة متجهة نحو التدويل، وعاد وتراجع عن موقفه، ليعلن ان المبادرةالعربية ستعطى بعض الوقت، ريثما تعلن الجامعة العربية ان تحركها لم ينجح.والتدويل مطروح بقوة، وسيبدأ العمل له بعد القمة العربية التي ستعقد في نهاية اذار، وعلى ضوء ما ستخرج به، سيتم التعامل مع موضوع رئاسة الجمهورية في لبنان، اذ تتحدث اطراف في الاكثرية، بان تدويل الاستحقاق الرئاسي ليس بالامر الجديد، فهو يخضع للقرار 1559 الذي صدر عن مجلس الامن الدولي في 2 ايلول 2004، والذي دعا الى عدم التدخل في رئاسة الجمهورية والمس بالدستور اللبناني، هذا القرار تم التعاطي معه بالتجاهل، وتم التمديد لرئيس الجمهورية اميل لحود بعد تعديل المادة 49 من الدستور وبقي حتى نهاية ولايته الممددة، دون ان يتمكن مجلس الامن من تنفيذ قراره.وردت المعارضة على طرح التدويل، بأنه لن يكون له اي تأثير، واعلن الامين العام لـ«حزب اللهس» السيد حسن نصرالله، ان اي قرار لمجلس الامن لن يتم تنفيذه، واكد العماد عون ان اية قوة في العالم لن تستطيع ان تفرض علينا مخالفة الدستور، او انتخاب دون ارادتنا، كما اكد ان اية جهة عربية او دولية لن تتمكن من ان تفرض ايضاً تشكيل حكومة لا يكون للمعارضة فيها الثلث الضامن.فالتهديد بمجلس الامن الدولي، تتعاطى معه المعارضة بلا مبالاة، وهي تؤكد انه لن يحصل، ودونه عقبات وسيواجه بـ«فيتو» من بعض الدول كروسيا والصين، لان انتخابات رئاسة الجمهورية شأن لبناني داخلي، وان اي تدخل خارجي فيها، سوف يوصل لبنان الى حرب اهلية.وان تراجع الوزير الفرنسي كوشنير عن ان فكرة التدويل مؤجلة، لانه اكتشف انها تنسف الكيان اللبناني وتهدد وجوده، وان مجيئ قوات دولية الى لبنان، سيضعها تحت مرمى نيران قوى المعارضة ولن توفرها المقاومة، ولن تكون القوات الدولية في الجنوب بمأمن كما سيزيد من حضور التنظيمات الاسلامية المتطرفة وتحديداً «القاعدة» التي سبق للرجل الثاني فيها ايمن الظواهري ان اعلن بعد انتشار قوات الطوارىء في الجنوب في ايلول 2006 تنفيذاً للقرار 1701، ان تنظيمه سيقاتلها كقوات صليبية.فإذا كان التعريب يتجه الى الفشل والتدويل مستحيل التحقيق، فان الازمة اللبنانية ومتفرعاتها، التي تبدأ بالاستحقاق الرئاسي سيبقى حلها مؤجلاً حتى تنضج طبخات التسوية في المنطقة، ومعرفة الاتجاهات التي ستسلكها الملفات الساخنة من العراق الى فلسطين، بعد ان اخفقت جولة الرئيس بوش في المنطقة، ولم ينجح في ايجاد حل لما سماه الدولتين الفلسطينية واليهودية، كما لم يتمكن من ان يحشد الدول العربية المعتدلة في مواجهة ايران والتهديد بخطرها النووي وحجم نفوذها الاقليمي، وهذا الفشل تؤكد المعارضة انه سينعكس على الساحة اللبنانية، مع البدء العد العكسي لبدء نهاية ولاية بوش الذي سيتلاشى اهتمامه بلبنان، وهذا سيتيح المجال لحل لبناني، يفرض على الموالاة الاقتناع بأن عليها الموافقة على مبدأ المشاركة في الحكومة، وتقدم التنازل بعد ان تراجعت عن مرشحيها لرئاسة الجمهورية وعن الانتخابات بالنصف زائداً واحداً، ثم القبول بتعديل الدستور ووصول عسكري الى الحكم، وهي كانت وافقت على حكومة وحدة وطنية بتمثيل نسبي لكل الاطراف، وقد وقع سعد الحريري على وثيقة سياسية مع الرئيس بري برعاية وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير، وتراجع عنها، بعد اتصال من وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس، كي يؤخر الحل، لانه لا يمكن القبول بإعطاء المعارضة انتصاراً سياسياً بعد الانتصار العسكري الذي حققته المقاومة ضد العدو الاسرائيلي في صيف 2006.فحل الازمة اللبنانية ينتظر تواصل الفشل الاميركي، الذي ظهر في اكثر من ملف في المنطقة، وفي لبنان بعدم تمكن حلفاء اميركا من ان يحكموا منفردين، وسيضطرون لاحقاً الى التسليم بشروط المعارضة، لان المعادلات سوف تتغير عربياً واقليمياً ودولياً، وسيكون لها انعكاسات في لبنان.
Leave a Reply