هامترامك – بمشاركة مدّعي عام ولاية ميشيغن دانا نسل، تظاهر العشرات من مناصري وأفراد مجتمع المثليين والمتحولين جنسياً في هامترامك، يوم السبت المنصرم، احتجاجاً على قرار البلدية بحظر رفع أعلام «الفخر» ضمن الممتلكات العامة وسط دعوات للمسؤولين المحليين بالعودة عن القرار لضمان وحدة مجتمع المدينة التي تعيش جدلاً مستمراً حول قضايا المثليّة الجنسية.
ورفع المتظاهرون الذين نظموا اعتصاماً في منتزه «وينفيلد»، قبالة مقرّ بلدية هامترامك، أعلام المثليين والمتحولين جنسياً، إضافة إلى لافتات تدعو للدفاع عن حقوق مجتمع «الميم»، كما رسم المتظاهرون بالطباشير الملونة علماً كبيراً بألوان الطيف (قوس قزح) في ساحة التظاهر التي شهدت انتشاراً ملحوظاً لعناصر من شرطة هامترامك وشرطة ولاية ميشيغن.
ولم تشهد التظاهرة التي حظيت باهتمام إعلامي واسع أية مشاكل أو احتكاكات أو فعاليات مضادة، في ما يبدو أنه تلبية لدعوة رئيس البلدية أمير غالب، الذي دعا السكان –في وقت سابق– إلى ضبط النفس وعدم التصادم مع المتظاهرين «الغرباء»، القادمين من خارج هامترامك، متهماً من أسماهم بـ«مراكز النفوذ» في إدارة رئيسة البلدية السابقة كارين ماجاوسكي بالاستفزاز والتحريض على الفوضى والانقسام والتظاهر ضد القرار آنف الذكر.
وانتقد المتحدثون خلال مهرجان خطابي حيثيات ولغة القرار الذي تم تمريره –يوم الثلاثاء 13 حزيران (يونيو) الماضي– بإجماع أعضاء مجلس المدينة، وجميعهم من المسلمين، تحت عنوان: «قرار الحفاظ والتأكيد على حيادية هامترامك تجاه كافة السكان»، والذي تضمن منع نصب الأعلام والرايات ذات الطابع السياسي أو العرقي أو الديني أو الجنسي فوق ممتلكات المدينة التي يشكل المسلمون غالبية سكانها البالغ عددهم حوالي 28 ألف نسمة.
وأكد المتظاهرون أن مجتمع المثليين والمتحولين جنسياً هو جزء أساسي من نسيج هامترامك، وأن رفع علم «الفخر» فوق ممتلكات البلدية من شأنه أن يرسّخ «العدالة الاجتماعية» بين كافة مكونات المدينة، التي تحتضن –إلى جانب المسلمين– خليطاً معقداً من الشرائح الإثنية المحافظة والتقدمية، كما تضم الكثير من المرافق الترفيهية والحانات التي تستقطب الزوار من كافة أنحاء منطقة ديترويت، إلى جانب مجتمعات المهاجرين من آسيا وأوروبا الشرقية، بالإضافة إلى مجتمع الأفارقة الأميركيين.
مهرجان خطابي
خلال الكلمة التي ألقتها وسط تهليل المتحجين، ناشدت مدعي عام ولاية ميشيغن، دانا نسل، حكومة هامترامك بالعدول عن قرارها، مؤكدة بأنها ليست «غريبة» عن مجتمع هامترامك، في رد غير مباشر على تصريحات رئيس البلدية أمير غالب، الذي حذر من «الغرباء الذين يسعون للتظاهر وبث الفوضى وتعكير السلام في المدينة»، على حد تعبيره.
وأوضحت نسل بأنها بدأت مسيرتها المهنية في محكمة هامترامك التي نالت فيها تأييد غالبية الناخبين خلال ترشحها لمنصب الادعاء العام في ولاية ميشيغن في عامي 2018 و2022. وقالت: «أنا لست غريبة (عن المدينة)، ولست محرّضة، أنا المدعي العام، ونعم.. أنا مثلية الجنس أيضاً، وقد بدأت مسيرتي المهنية في محكمة هامترامك (المحكمة 31) مدافعة عن ضحايا الجرائم وحماية حقوق المقيمين الذين لا يملكون ما يكفي لتوكيل محامين، كما واظبت على حضور فعالياتكم ومهرجاناتكم مراراً وتكراراً».
وأشارت نسل إلى أنها نالت ترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب مدعي عام الولاية لأول مرة عام 2018 بدعم من تجمع اليمنيين والبنغاليين في مؤتمر الحزب الأزرق، كما أنها حصلت على تأييد ساحق من ناخبي المدينة خلال سباقي 2018 و2022، لافتة إلى أنها لم تتوانَ منذ توليها المنصب قبل أربع سنوات ونصف عن دعم السكان والمجتمع المسلم في هامترامك، الذي يشكل اليمنيون والبنغاليون أغلبيته الكاسحة.
وحثّت نسل مجتمعات المسلمين والمثليين على توحيد جهودهم ومواقفهم لمواجهة موجات التمييز والكراهية التي تستهدفهم بازدياد مضطرد في الولايات المتحدة، وقالت: «إن هؤلاء الذين يتمنون الأذى لمجتمع «الميم» هم أنفسهم الذين يهددون حياة وحريات المسلمين في بلادنا، وعلينا أن نواجههم موحدين وغير مقسمين».
وتمنت نسل على حكومة هامترامك، العودة عن قرارها و«التعهد بدلاً من ذلك، بالحب والدعم وصون كرامة وقيمة كافة الذين يعيشون في المدينة ويزورنها ويعملون فيها»، مؤكدة معارضتها لتبرير القرار تحت مسمى «الحيادية»، وقالت: «بكل احترام، لا أنا لا أوافق (على هذا التبرير).. إن حظر علم «الفخر» يعني إيصال رسالة معاكسة تماماً، وهي رسالة عدم التسامح والكراهية والتعصب الأعمى».
وكان قرار مجلس هامترامك الأخير قد تزامن مع شهر «الفخر» الذي يتم الاحتفال به وطنياً خلال شهر حزيران (يونيو) من كل عام، ويتم فيه رفع علم ألوان الطيف في الكثير من المرافق العامة والخاصة، بما فيها الدوائر والمؤسسات الحكومية.
وقالت نسل: «في حالات الظلم، يفضل الظالم دائماً (مواقف) الحياد، وأما المظلوم فلا»، مستشهدة بعبارة الداعية الحقوقي مارتن لوثر كينغ، التي تقول: «إن المكان الأكثر حماوة في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يقفون على الحياد خلال الصراعات الأخلاقية الكبيرة»، مضيفة بأن «أي شخص يقبل الظلم من دون الاحتجاج عليه، هو شخص متعاون مع الشر».
وأردفت نسل: «إن رهاب المثلية والتحول الجنسي هما في الواقع شكلان من أشكال الشر، تماماً بقدر ما أن رهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا) هو شكل من أشكال الشر»، وأضافت متوجهة إلى مسؤولي البلدية بالقول: «دعونا نهدم الجدار الذي قمتم بتشييده والذي جعل هذه المدينة الفخورة عرضة للإحراج على المستوى الوطني، وبدلاً من ذلك لنقم برفع علم المساواة»، في إشارة إلى علم المثليين والمتحولين جنسياً.
وإلى جانب نسل، وصف العديد من المشاركين في تظاهرة السبت الماضي قرار مجلس هامترامك بالخطوة «البغيضة» و«المتحيزة»، حيث أوضحت الناشطة المثلية غرايسي كاديو بأن الوقفة الاحتجاجية تندرج في سياق الرد على محاولة المسؤولين الرسميين لتهميش مجتمع المثليين والمتحولين جنسياً في المدينة.
وأكدت كاديو، وهي من سكان هامترامك، ومن المشاركين في تنظيم الوقفة الاحتجاجية أمام مبنى البلدية، بأن اختيار المكان يرمي إلى التأكيد على ضرورة ضمان تمثيل مجتمع «الميم» في هامترامك، حتى وإن لم يتم السماح لهم برفع أعلام «الفخر» فوق الممتلكات العامة في المدينة التي تبلغ مساحتها ميلين مربعين.
وأعربت كاديو عن أملها في أن تصبح هامترامك «مثلية أكثر بكثير مما هي عليه الآن»، وقالت: «إذا لم يكن بإمكاننا الحصول على ساريات لنصب أعلام الفخر ضمن الممتلكات العامة، فإنني أرغب برؤية الكثير منها على الأرصفة والمباني على مدار السنة».
وأشارت كاديو إلى أن مقترح القرار –الذي تقدم به العضو البنغالي الأصل محمد حسن– تم تقديمه من «محرضين خارجيين» إلى «مجتمع قد لا يفهم جيرانه»، وقالت: «يوجد الكثير من الحواجز اللغوية في هذه المدينة، وهذه الحواجز قد تقود إلى سوء الفهم، ما يجعل من السهل على هؤلاء الغرباء إقناع السكان بطروحاتهم».
وأفاد مشاركون آخرون لوسائل إعلام محلية بأن الاحتجاج وحده لا يكفي لثني المدينة عن موقفها، حيث يتوجب على أعضاء مجتمع «الميم» تقديم مقترحاتهم الخاصة حول الشمولية ومسألة رفع الأعلام في الممتلكات العامة، وكان من بينهم الناشطة المثلية كاري برانش التي تعيش في هامترامك منذ عام 2011.
وأهابت برانش بمجتمع المثليين الانخراط في السياسة بشكل أكبر، وقالت: «أنا متأكدة من أنه عبر المزيد من التمثيل المتكافئ في حكومتنا، سنرى سياسات وتغييرات ثقافية تمثل وتشمل كافة السكان».
مدير مسرح «آنت بلانت» دارين شيلتون، أشار إلى أن هامترامك تشهد في السنوات الأخيرة ارتفاعاً في سلوكيات الكراهية والتعدي على أعلام المثليين وإتلافها، منوهاً بأن مرتادي المسرح من المثليين يتعرضون باستمرار للإهانات والشتائم والسخرية من السيارات العابرة خلال وقوفهم خارج المبنى للتحدث مع الأصدقاء أو لتدخين السجائر.
وفي نهاية المهرجان الخطابي، دعت كاديو المتظاهرين إلى رسم علم المثليين في كافة أرجاء منتزه «وينفيلد» باستخدام الطباشير الملونة، وقالت: «هيا بنا نجعل هذا المكان رائعاً، يوجد طباشير في كل مكان.. رجاءً اجعلوا هذا المنتزه مثلياً إلى أقصى حد».
قرار دستوري
في المقلب الآخر، أكد رئيس بلدية هامترامك –في بيان– على أن قرار المدينة «قانوني ودستوري تماماً»، وقال: «لقد اتُخذ هذا القرار لإبقاء مدينتنا محايدة ولإغلاق الأبواب أمام أية مجموعات سياسية أو دينية أو عرقية قد تطلب منا السماح برفع أعلامها في الممتلكات العامة إذا سمحنا لمجموعة معينة بذلك».
وأعرب غالب عن سروره لأن الاحتجاج كان سلمياً، ولم يشهد أية حوادث عنف أو اعتداء لفظي.
كما شكر رئيس البلدية، في منشور عبر صفحته على موقع «فيسبوك»، النشطاء والقيادات المجتمعية التي استجابت لدعوته بعدم تنظيم تظاهرة مضادة تفادياً لأية عواقب غير مرغوب فيها، وقال: «هدفنا هو احتواء الموقف وتخفيف التوتر لكي تمر الأمور بسلام بدون مضاعفات أو عواقب تنتج عن التظاهر والتظاهر المضاد»، مضيفاً بأنه من حق المثليين ومناصريهم أن يتظاهروا، «ومن واجبنا كحكومة، القيام بالإجراءات الأمنية التي تضمن سلامة الجميع»، على حد تعبيره.
وكان غالب قد تعهد في تصريح سابق بعدم العودة عن القرار مهما تعالت الضغوط.
وقدّم غالب اعتذاره للقاطنين في محيط مقر البلدية، وقال: «نعتذر منكم للإزعاج الذي سيحدث بسبب الاحتجاجات، لكن في نهاية المطاف سيرحلون، وسوف تعودون إلى ممارسة حياتكم اليومية بكل هدوء وسلام».
وفي الإطار، أكد مدير بلدية هامترامك، ماكس غاربارينو، أن قرارمجلس المدينة بحظر علم المثليين لم يتسبب بانقسام المجتمع المحلي المنقسم أصلاً حيال هذه المسألة، لافتاً إلى أنه تم رفع علم «الفخر» فوق مبنى البلدية العام الماضي وقد أثار ذلك، استياء الكثيرين. وأعرب غاربارينو لصحيفة «ديترويت نيوز» عن اعتقاده بأن احتجاجات المثليين «السلمية» ستستمر خلال الفترة المقبلة «لأن مواضيع كهذه عادة ما تثير حماسة الناس».
Leave a Reply