ديربورن – يواصل «المجمع الإسلامي الثقافي» جهوده لتمويل بناء «مسجد الرسول» في شرق مدينة ديربورن، حيث بادرت «لجنة أصدقاء مشروع مسجد الرسول» إلى إقامة حفل لجمع التبرعات في فندق «هنري»، السبت الماضي، بحضور الإعلامي البريطاني–الأميركي مهدي حسن، إلى جانب حشد من المسؤولين المحليين والفعاليات الأهلية، ضمّ أكثر من 700 شخص.
وكان المجمع قد وضع قبل عدة سنوات خطة لتوسيع مقرّه على شارع شايفر في شرق ديربورن عبر تطوير مرافقه الخدماتية وبناء جامع على الطراز الإسلامي، باسم «مسجد الرسول»، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المصلّين في المدينة التي بات نصف سكانها من المسلمين.
المسجد الذي من المتوقع أن يُفتتح في نهاية العام الجاري، يستلهم جماليات العمارة الإسلامية في تصميم القبة الضخمة والمئذنتين العاليتين مضفياً على الشكل الخارجي هوية مشرقية لا تخطئها العين، فضلاً عن الزخرفة الداخلية للصالة الفسيحة التي تتسع لأكثر من 500 مصلّ.
وعلى الرغم من تأسيس المجمع الإسلامي قبل أربعة عقود، إلا أن المصلى الحالي لا يتسع لأكثر من 60 مصلياً، بحسب ما أفاد عضو «لجنة أصدقاء مشروع مسجد الرسول»، الدكتور علي بري لـ«صدى الوطن»، ما يضاعف التحديات اليومية لرواد المركز الذي يحيي الكثير من المناسبات الدينية كليالي القدر وليالي عاشوراء، فضلاً عن تقديم الخدمات الاجتماعية العديدة، مثل الفواتح ومجالس التعزية.
وخلال الحفل الذي نُظّم لجمع الأموال المطلوبة لاستكمال مشروع بناء المسجد الجديد، والتي تبلغ حوالي 1.5 مليون دولار، أوضح إمام المجمع، الشيخ باقر برّي، بأن المركز بات من المعالم الرئيسية في مدينة ديربورن، لافتاً إلى أن «عمارة» الجوامع لا تقتصر على إنجاز الصروح والمباني، وإنما تتضمن –أيضاً– الالتزام بأداء العبادات والتحلي بالقيم الإسلامية السامية، وهو ما كان ضمن أولويات المجمع الإسلامي منذ تأسيسه من قبل المرجع عبداللطيف بري في عام 1983.
وأشار الشيخ باقر إلى أن المجمع خدم الأجيال المتعاقبة من العرب والمسلمين الأميركيين في منطقة ديترويت، من خلال عشرات البرامج الهادفة إلى تعزيز المبادئ السمحة للدين الحنيف، إلى جانب الكثير من المبادرات التي تستهدف توجيه وحماية النشء من الانزلاق نحو مهاوي الجريمة والرذيلة. ورجّح الشيخ باقر أن يتم افتتاح «مسجد الرسول» خلال «فترة قصيرة»، وقال: «قريباً سوف تسمعون الأذان يرفع في المسجد عبر المئذنتين المميزتين»، مضيفاً بأن هذا المشروع ما كان ليتحقق لولا الجهود الطيبة لأصحاب الخير والأيادي البيضاء.
المتحدث الرئيسي في الحفل، الإعلامي المتحدر من أصول هندية، مهدي حسن، قدّم تعريفاً مختصراً بكتابه الأخير: «إربح كل مناظرة»، خلال الحفل الذي شهد توزيع 700 نسخة موّقعة للراغبين باقتناء المطبوع الذي حلّ ضمن قائمة «نيويورك تايمز» لأفضل الكتب مبيعاً خلال الأسابيع السابقة.
وأوضح المذيع في شبكة MSNBC الإخبارية بأن مُؤلَّفه الأخير يتناول الآليات والمهارات التي تضمن «الفوز الأكيد» في المناظرات والمفاوضات على كافة الصعد، السياسية والثقافية والأكاديمية والتجارية، وحتى الشخصية»، لافتاً إلى أن «فنّ الجدل» متجذر في أدبيات المسلمين الذين باتوا من أقل الفئات براعة في مثل هذا النوع من الأنشطة الفكرية.
وقال حسن: «لقد رأيت مسلمين، أعضاء من مجتمعنا، يخسرون الجدالات ويهزمون في المناظرات، لأننا لسنا مُحضّرين بشكل جيد ولأننا لم نقم بأداء الوظائف المترتبة علينا»، مضيفاً بأن المسلمين لم يدركوا –بعد– بأن المهارات «ضرورية» من أجل الإقناع والإمتاع والفوز.
وأكد المذيع السابق في شبكة «الجزيرة» الإنكليزية، بأن حيازة مهارات النقاش والتناظر لم تعد «اختيارية»، وقال: «هذه المهارات لم تعد مجرد خيار، لا كذلك في أميركا، ولم تعد كذلك في عام 2023».
وأشار حسن إلى أن «الجدل» متجذر في الأدبيات الإسلامية، سواء في القرآن الكريم أو سيرة النبي محمد (ص)، وكذلك في اجتهادات الفقهاء على مرّ العصور، ما يوجب على المسلمين المعاصرين اقتفاء أثرهم حتى يوصلوا أفكارهم ويوضحوا تصوراتهم للجماعات الأخرى، التي غالباً ما تسيء فهم دينهم.
كما لفت مهدي إلى أهمية انخراط المسلمين في المجتمعات التي يعيشون فيها، وأن يحرصوا على الحضور في حقول الصحافة والقانون والسياسة والمشاركة السياسية، بدلاً من التركيز على بعض الاختصاصات المهنية، كالطب والصيدلة والهندسة.
من ناحيته، أشاد عضو «لجنة أصدقاء مشروع مسجد الرسول»، الدكتور علي بري، بالدور الكبير الذي تلعبه المراكز الإسلامية في تعزيز القيم والمعاني الدينية لدى الأجيال الجديدة من العرب الأميركيين في عموم منطقة ديترويت، مستنكراً تصويب البعض على استهداف هذه المراكز رغم أهميتها الروحانية والإيمانية في حياة الناس.
وأكد الدكتور بري لـ«صدى الوطن» على حاجة مناطق الكثافة العربية للمزيد من المراكز «التي تعمل على ترسيخ القيم الإيمانية والإنسانية السامية، وتحمي النشء الجديد من الانجراف وراء مغريات الحياة العصرية»، على حد تعبيره.
كما أشار إلى أهمية المساجد في حياة المسلمين اليومية، لافتاً إلى أن أول شيء فعله النبي محمد بعد هجرته إلى المدينة المنورة، كان بناء «مسجد قباء»، الذي شكل حجر الأساس للمجتمع الإسلامي في تلك الفترة.
وأوضح بري أنه على خلاف ما يعتقده البعض، فإن المساجد في منطقة الديربورنين تسهم في مكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا (التخويف من الإسلام) عبر إقامة الكثير من الفعاليات والأنشطة المدرجة تحت عناوين حوار الأديان، إضافة إلى الحوار داخل البيت الإسلامي الذي يضم العديد من المذاهب والطوائف.
يُشار إلى أن «المجمع الإسلامي» تأسس عام 1983 بإشراف المرجع الشيعي عبداللطيف بري، وتم افتتاحه بشكل عملي في عام 1998. وبعد ثلاث سنوات، تم تأسيس «الأكاديمية الإسلامية الأميركية» التي تستقبل تلاميذَ من كافة الأعمار، من مرحلة الروضة حتى الصف الثاني عشر.
وخلال السنوات السابقة، أطلق «المجمع» العديد من البرامج التعليمية والتثقيفية، الدينية والاجتماعية، بما فيها البرامج المخصصة للنساء، إضافة إلى كونه يضم مغسلاً لتجهيز الموتى على الطريقة الإسلامية.
Leave a Reply