ديربورن
في إطار جهوده لبناء «مسجد الرسول»، نجح «المجمع الإسلامي الثقافي» في ديربورن بجمع حوالي مليون دولار خلال حفل خيري أُقيم مساء الأحد الماضي، بمشاركة عضو الكونغرس الأميركي عن ولاية مينيسوتا، إلهان عمر، ورئيس بلدية ديربورن المُنتخب، عبدالله حمود.
وكان المجمع قد وضع قبل عدة سنوات خطة لتوسيع مقره على شارع شايفر في شرق ديربورن عبر تطوير مرافقه الخدماتية وبناء مسجد على الطراز الإسلامي، باسم «مسجد الرسول»، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المصلّين في المدينة التي بات نصف سكانها من المسلمين.
الجامع الذي من المتوقع أن يُفتتح في الخريف القادم، يستلهم جماليات العمارة الإسلامية في تصميم القبة الضخمة والمئذنتين العاليتين مضفياً على الشكل الخارجي هوية مشرقية لا تخطئها العين، فضلاً عن الزخرفة الداخلية للصالة الفسيحة التي تتسع لأكثر من 500 مصلّ.
وعلى الرغم من تأسيس المجمع الإسلامي قبل عدة عقود، إلا أن المصلى الحالي لا يتسع لأكثر من 50 مصلياً، وهو ما يضاعف التحديات اليومية لرواد المركز الذي يقوم بإحياء الكثير من المناسبات الدينية كليالي القدر وليالي عاشورا، فضلاً عن تقديم الخدمات الاجتماعية العديدة،مثل الفواتح ومجالس التعزية.
وكانت إدارة المجمع قد اختارت تسمية الجامع الجديد باسم «مسجد الرسول» لكي يكون مركزاً جامعاً للمسلمين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم، بحسب ما أفاد إمام المجمع الشيخ باقر بري لـ«صدى الوطن»، مؤكداً على أهمية بناء مسجد وفق الطراز الإسلامي في المدينة الملقبة بـ«عاصمة العرب الأميركيين».
وأوضح بري بأن إدارة المجمع ستعمل على استصدار تصريح من البلدية لرفع الأذان من مئذنتي «مسجد الرسول» ، مما سيضفي مسحة روحانية على أجواء المدينة، وفق تعبيره.
وحرص الشيخ بري على الإشادة بالدور الكبير الذي تلعبه المراكز الإسلامية في تعزيز القيم والمعاني الإسلامية لدى الأجيال الجديدة من العرب الأميركيين في عموم منطقة ديترويت، مستنكراً تصميم البعض على استهداف هذه المراكز رغم أهميتها الروحانية والإيمانية في حياة الناس.
وقال: «إن البعض لا يخفي انزعاجه من وفرة المراكز الإسلامية وانتشارها في المناطق ذات الكثافة العربية، إلا أنني أؤكد بأننا ما زلنا بحاجة إلى الكثير من هذه المراكز التي تعمل على ترسيخ القيم الإيمانية والإنسانية السامية، وتحمي النشء الجديد من الانجراف وراء مغريات الحياة العصرية».
وأشار بري إلى وجود أكثر من 140 كنيسة في مدينتي ديربورن وديربورن هايتس، وهو ما يؤكد على أهمية دور العبادة في المجتمع الأميركي، متمنياً لو أنه يرى مسجداً في كل حيّ، «ولم لا؟ ما دامت المساجد تحسّن حياة الناس، وتبث قيم التسامح والمحبة بينهم، على اختلاف ألوانهم ومشاربهم».
وأوضح بري أنه على خلاف ما يعتقده البعض، فإن المساجد في منطقة الديربورنين تسهم في مكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا (التخويف من الإسلام) عبر إقامة الكثير من الفعاليات والأنشطة المدرجة تحت عناوين حوار الأديان، إضافة إلى الحوار داخل البيت الإسلامي الذي يضم العديد من المذاهب والطوائف.
وكان المجمع الإسلامي قد تأسس عام 1983 بإشراف المرجع الشيعي عبداللطيف بري، وتم افتتاحه بشكل عملي في عام 1998. وبعد ثلاث سنوات، تم تأسيس «الأكاديمية الإسلامية الأميركية» التي تستقبل تلاميذاً من كافة الأعمار، من مرحلة الروضة حتى الصف الثاني عشر.
وخلال السنوات السابقة، أطلق المجمع العديد من البرامج التعليمية والتثقيفية، الدينية والاجتماعية، بما فيها البرامج المخصصة للنساء، إضافة إلى كونه يضم مغسلاً لتجهيز الموتى على الطريقة الإسلامية.
وبرزت الحاجة إلى إنشاء مسجد واسع، بسبب استقطاب المجمع لأعداد كبيرة من الناس خلال المناسبات الاجتماعية والدينية، والتي تتزامن –في بعض الأحيان– مع إقامة الصلوات الخمس، ما يدفع البعض إلى أداء الصلاة في الصالة الكبيرة. وفي هذا السياق، أشار بري إلى أن المصلى الحالي يتسع لحوالي خمسين شخصاً فقط، وهو ما يسبب بعض الإحراج خاصة للنساء اللواتي يتعذر عليهن الالتحاق بأداء الصلاة بسبب ضيق المكان.
وأكد بري بأن «مسجد الرسول» سيتضمن قسماً خاصاً بالنساء، وسوف يتم تصميمه بطريقة تتيح للأمهات اصطحاب أطفالهن إلى الجامع، دون أن يشكلوا مصدر إزعاج للمصلين.
من ناحيته، أفاد الدكتور علي بري، عضو مجلس أمناء المجمع، وعضو لجنة الإشراف على مشروع «مسجد الرسول»، بأن المرجع عبد اللطيف بري أعلم أعضاء مجلس الإدارة، بأن العاملين في المجمع يواجهون تحديات ناجمة عن ضيق مساحات الصلاة خلال شهر رمضان وليالي عاشوارء، وأنه أخبرهم بأن الوضع أصبح غير مريح بالنسبة للجميع.
ولفت إلى أن الإدارة قامت منذ خمس سنوات بشراء عقار مجاور للمبنى، من أجل توفير مساحات كافية للأعداد المتزايدة من رواد المركز والمصلين، مشيراً إلى أن والده أبدى حرصه على أن يتحلى المسجد الجديد بطراز إسلامي مشرقي.
وبحسب الدكتور بري، كان من المفترض أن يفتتح المسجد قبل عدة أشهر، لكن وباء كورونا تسبب بوقف الأعمال الإنشائية لأكثر من عام، مما أدى إلى تأجيل الافتتاح إلى خريف 2022.
رئيس «لجنة أصدقاء مشروع مسجد الرسول»، الدكتور بلال عبدالله، أكد في حديث مع «صدى الوطن»، نجاح حفل جمع التبرعات لصالح المشروع، مشيراً إلى حضور حوالي 600 شخص للحفل الذي أقيم في سياق الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بمشاركة حاشدة من المسؤولين ورجال الدين المحليين.
وأشار عبدالله إلى أن الجانب الشرقي من مدينة ديربورن لا توجد فيه مساجد على الطراز المعهود لدى العرب والمسلمين، لافتاً إلى أهمية أن «يتحلى الجامع الجديد بمسحة مشرقية، وأن يساهم في توحيد الديموغرافيا الإسلامية المتغيرة باستمرار في شرقي ديربورن، خاصة في الوقت الحالي، حيث من المنتظر قدوم موجة جديدة من المهاجرين الأفغان إلى المنطقة»، على حد تعبيره.
وأضاف عبدالله: «نريد أن يكون المسجد الجديد للجميع، وأن يوحد الجميع»، منوهاً بأن اللجنة المشرفة على مشروع «مسجد الرسول»، جمعت حتى الآن عدة ملايين من الدولارات من أجل إنجاز المرحلة الأولى من المبنى، وأنها جمعت في الحفل الأخير قرابة مليون دولار إضافية.
واستضاف الحفل، النائبة الديمقراطية إلهان عمر، كرمز للمرأة المسلمة التي تحتل موقعاً بارزاً في المشهد السياسي الأميركي. وقال عبدالله: «إلهان هي أول مسلمة محجبة تنتخب لعضوية الكونغرس الأميركي، وهذا ينطوي على الكثير من المعاني بلا أدنى شك».
وخلال الحفل الخيري، أعربت النائبة الصومالية الأصل عن شعورها بالتواضع لمشاركتها في حفل جمع التبرعات، وقالت: «لي كامل الشرف أن أقف أمامكم هذا المساء، للحديث عن تراث النبي محمد عليه الصلاة والسلام».
وأكدت النائبة عمر على أهمية أن تتناقل الأجيال العربية الأميركية تراث النبي الكريم، وأن يستلهموا سيرته النبوية ورسالته السماوية في حياتهم اليومية، وقالت: «علينا أن نساهم جميعاً في الحفاظ على إرث النبي محمد في مراكزنا الإسلامية، وفي تعليمنا، وفي بيوتنا، وفي سلوكنا وتقاليدنا التي ننقلها لأطفالنا».
Leave a Reply