خليل رمَّال «صدى الوطن»
يبدو ان المحكمة العليا فـي الولايات المتحدة عادت نصيرة لنفسها ولعدالتها فنفضت عنها الغبار الجمهوري اليميني بعد أنْ حاول جورج دبليو بوش تقليص المحكمة بحجة اعتداءات أيلول (سبتمبر) الإرهابية وما تلاها من حقبة هدر الحريات والحقوق المدنية تحت مسميات حماية الأمن القومي ومكافحة الإرهاب.
ففـي الأسبوع قبل الماضي انتصرت المحكمة العليا للحرية الدينية عبر تأييد حق المرأة المسلمة المحجَّبة التي رفضت شركة الثياب العملاقة «أبركرومبي اند فـيتش» توظيفها بسبب رفضها خلع الحجاب، فأثارت حنق العنصريين واليمينيين المتطرفـين الذين يعادون الإسلام والعرب من جماعة الاسلاموفوبيا وكره المهاجرين. وفـي الأسبوع الفائت اصدرت المحكمة العليا قرار آخر أغضب تل أبيب واذنابها فـي الولايات المتحدة الاميركية وذلك بعد ان اعلنت وقوفها مع السياسة الخارجية الرسمية وحصرها بيد البيت الأبيض، من خلال إلغائها قانوناً خلافـياً كان يسمح للإسرائيليين من مواليد القدس المحتلة من حملة جوازات سفر أميركية بتسجيل إسرائيل كموطن ميلاد لهم فـي جوازاتهم، فـي وقت رحبت أوساط فلسطينية بالقرار.
مناحيم بنيامين زيفوتوفسكي المولود فـي القدس المحتلَّة عام ٢٠٠٢ أراد أن يسجل على جواز سفره الأميركي بانه من مواليد القدس في دولة إسرائيل، وهو الأمر الذي شرعه الكونغرس ونقضه الرئيس الأميركي ليرفعه إلى أعلى سلطة قضائية في البلاد للبت بشرعيته. |
وفـي الوقت الذي تبتعد فـيه أميركا بخطى حثيثة عن ربيبتها إسرائيل وتبدأ كرة ثلج حركة سحب الاستثمارات من إسرائيل تتدحرج فـي الجامعات الأميركية- الأمر الذي يقض مضجع تل أبيب، نجد ان الأنظمة العربية وخاصة الخليجية، وبالأخص السعودية، تسارع الخطى نحو التقارب أكثر والتودد بل التحالف مع الكيان الصهيوني، والسبب فقط هو لمواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وكانت المحكمة العليا الأميركية قد ألغت يوم الإثنين الماضي قانوناً يجيز للمواطنين الأميركيين المولودين فـي القدس الشرقية المحتلَّة تسجيل إسرائيل بوصفها الدولة التي تقع فـيها هذه المدينة فـي جوازات سفرهم، مسجلة بذلك انتصاراً لإدارة الرئيس باراك أوباما وهزيمة نكراء للكونغرس الموالي لإسرائيل. وقررت المحكمة العليا الأميركية ان القانون الذي شرعه الكونغرس غير دستوري وأن رئيس الولايات المتحدة وليس الكونغرس له السلطة الحصرية بالاعتراف بسيادة أجنبية ويعود له القرار بالنسبة لوضع القدس على جواز سفر.
وبعد حوالي ثمانية أشهر من المداولات، حسمت المحكمة العليا أخيراً هذا الصراع بين السلطتين التنفـيذية والتشريعية حول قضية أميركي يدعى مناحيم بنيامين زيفوتوفسكي، المولود فـي القدس المحتلَّة عام ٢٠٠٢ والذي أراد أن يسجل على جواز سفره الأميركي بانه من مواليد القدس فـي دولة اسرائيل بناءاً على قانون اصدره الكونغرس خلافاً لرأي الرئيس الأميركي، الذي رفضه ورفعه للمحكمة العليا للبت بشأنه.
وسقط القانون بضربة دستورية قاضية من قبل ستة قضاة مقابل ثلاثة، وانضم القضاة الليبراليون الأربعة وهم روث بيدر غيننسبرغ وستيفن برير وسونيا سوتوماير وايلان كاغان، إلى القاضي كينيدي فـي التصويت ضد القانون. أما القاضي المحافظ كليرانس توماس فقال ان القانون غير دستوري لكنه لم يوافق على تفسير كينيدي.
ويجيز القانون الفـيدرالي الصادر عام ٢٠٠٢ لأي مواطن أميركي مولود فـي القدس ذكر دولة إسرائيل على جواز سفره، لكن الرئيس بوش أرفق توقيعه على القانون فـي ذلك الحين بإعلان يدين تحديداً قرار الكونغرس والذي يشير إلى أن القدس عاصمة إسرائيل، معتبراً ذلك «تدخلاً غير مقبول فـي صلاحية الرئيس الدستورية لإدارة السياسة الخارجية للبلاد».
ويقدر عدد الأميركيين الذين ولدوا فـي القدس بنحو ٥٠ ألفاً، وفـي حال مصادقة المحكمة العليا على قانون الكونغرس كان بإمكانهم لو أرادوا إدراج إسرائيل كالدولة التي توجد فـيها القدس فـي خانة مكان الولادة على جواز سفرهم.
وفـي إطار مساعيها للبقاء محايدة بشأن النزاع على مدينة القدس المحتلة المقدَّسة عند اليهود والمسلمين والمسيحيين، تسمح دائرة إصدار الجوازات الأميركية بذكر القدس مكاناً للولادة لكن من دون تحديد الدولة الموجودة فـيها.
وشدد البيت الأبيض على أن الرئيس وحده يتمتع بسلطة إعلان الاعتراف الأميركي بالدولة التي تنتمي إليها القدس والتي تتنازع على سيادتها إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وكانت إدارة بوش قد أعطت التبرير عينه لرفض تطبيق القانون.
واعتبرت جهات إسرائيلية القرار نهاية المطاف وإقراراً قضائياً أميركياً بأن القدس المحتلة ليست عاصمة لدولة إسرائيل. ابراهام فوكسمان، المدير الوطني لرابطة مكافحة الافتراء اليهودية «اي دي ال» قال «بما ان المحكمة العليا أكدت على
دور السلطة التنفـيذية فـي وضع السياسة الخارجية، على هذه الادارة الحالية ان تتحمل مسؤولياتها وإلى متى
ستستمر فـي التحصن بالنفاق وقصر النظر»؟
من جهتها رحبت أوساط سياسية فلسطينية بقرار المحكمة، وقال عضو اللجنة التنفـيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات «إن قرار المحكمة هو إثبات بأن جميع القرارات والإجراءات التي تتخذها إسرائيل فـي القدس من ضم للشطر الشرقي وإجراءات التهويد وتشريد المقدسيين تعتبر لاغية وباطلة ولا تخلق حقاً ولا تنشئ التزاماً».
Leave a Reply