حدثان بارزان مرا الأسبوع الماضي مرور الكرام لدى بني عربان وكأن شيئاً لم يكن. الحدث الأول هو إنسلاخ جنوب السودان عن رأسه في الشمال فأصبح البلد الواحد بلدين في وقتٍ يتوحد فيه العالم ليصبح قريةً كونيةً واحدة!
فالظاهر أن إتفاقية سايكس-بيكو المتحكمة بسماء العرب التي أبرمت بين بريطانيا (الصغرى) الخائنة وفرنسا الإستعمارية الغادرة (واليوم لايختلف عن البارحة لكن أبناء الطائفة المالكة يصرون على إعتناق الفرانكفونية البغيضة)، هذه الإتفاقية-المؤامرة ما زالت متأصلة في بلادنا العربية المنكوبة بحكامٍ مومياءات.
أذكر أنه خلال الـ١٥ سنة الماضية أهرق المحللون السياسيون والكتبة والمتعاطون بالشأن السياسي أطناناً من الورق والحبر وهم يحذرون من خطر تقسيم السودان على “الأمة العربية ذات الرسالة الخانقة” والخوف من أن تكر السبحة على باقي البلدان لتصبح إسرائيل المستفيد الوحيد من تقسيم وشرذمة الأنظمة حتى ولو كانت لا تشكل أي خطرٍ عليها. تقسيم السودان لقي ترحيباً في العالم أجمع، بل إن الرئيس السوداني عمر البشير كان أول المهنئين وأول المحتفين بإنشطار بلده، كتفاً إلى كتف مع المغفل بان كي مون، وذلك بعد أن تحول من مجرم حرب مطلوب للمحكمة الجنائية بسبب قضية دارفور، التي علق عليها مصير الكون كله بينما قضية شعب فلسطين لم تحرك ساكناً عند العرب والعالم الغربي المعدوم الضمير والذي تسيره عقلية سايكس- بيكو، إلى رجل دولة مسؤول أين منه “رجل الدولة” فؤاد السنيورة!. لقد ساهم البشير بجبنه في تفتيت بلده لكي يحفظ رأسه ويحطم رأس وطنه من خلال حكمه الجائر وتشويهه للشريعة الإسلامية السمحاء، وذلك بعد أن عرف الغرب دواء الحكام الطغاة عبر التلويح بعصا المحكمة الدولية.
وهكذا إتفق البشير مع إسرائيل التي كانت أول المبتهجين بولادة دولة جنوب السودان المسخ مما لا يبشر بالخير ويذكرنا بدولة “أريتريا” التي نالت إستقلالها من أثيوبيا بعد صراعٍ مرير وبتأييد عربي شامل، لتصبح من أول الدول الحليفة للعدو التاريخي للعرب. فكل ما يفرح إسرائيل يكون فألاً سيئاً علينا والعكس صحيح.
لكن هلع البشير من المحكمة الدولية الجنائية في السودان، لا تثير قيد أنملة من الخوف في لبنان المقاوم (لا بلد خيال الصحراء)، لأن أمرها إنكشف من رأسها النصاب المدعي العام دانيال بيلمار إلى رئيسها أنطونيو كاسيزي المحتال إلى باقي أدواتها المحلية من شهود الزور إلى فريق الرئيس السابق المغترب.
لن تكون هذه المحكمة أكثر من فزاعة مهما بلغ كيد الحاقدين والموتورين من دمى إسرائيل وأصنامها. ولمن يريد المزيد من “مآثر” بيلمار، فليتعظ كيف لم تنتظر هذه المحكمة المشؤومة مهلة ٣٠ يوماً لكي تعرف من التلميذ النشيط سعيد ميرزا مصير مذكرات التوقيف التي أصدرتها تل أبيب ظلماً وعدواناً، لا بيلمار الكذاب، بحق مقاومين أذاقوا إسرائيل المر والعلقم بعد أن اثبتت أنها جبانة وفاشلة في مقارعتهم ومنازلتهم في الميدان الحقيقي، فما كان منها إلا أن عممت أسماءهم على “الإنتربول” قبل إنقضاء المهلة القانونية.
أما شاهد الزور الأول، بيلمار، فإنه لم يحرك ساكناً كعادته إزاء بيع وثائق المحكمة والمساومة على سريتها ومصداقيتها من قبل غيرهارد ليمان، كما لم ينف التهمة عن نفسه برفع مذكرة التوقيف الصادرة بحق الكذاب محمد زهير الصديق من قبل “الإنتربول” نفسه! ثم بعد ذلك يأتي سعد السائح على الشواطىء الفرنسية والإيطالية اللازوردية لكي يتحفنا بمقابلة تدرب عليها طويلاً وتحضر لها حتى لا يتأتىء ويتلعثم كما فعل عند إلقاء البيان الوزاري لحكومته في مجلس النواب. هذه المقابلة التلفزيونية يجب أن تدخل التاريخ من حيث الخسة الإعلامية وإستخفافها بعقول الناس ومن حيث إدارتها من قبل “إعلامي” منحاز كان بمثابة “الرجل نعم” yes man الذي لم يخرج عن النص المعطى له ولم يخطر على باله أن يسأل “ضيفه” سؤالاً محرجاً حقيقياً مثل: كيف يعمل شخص ما على مقاطعة بلده وتجميد أرصدته واقتصاده وإنعكاس ذلك على الناس، بينما هو يتنعم في عطلته في دول العالم؟ وكيف يستعمل شعار “ما حدا أكبر من بلدو” بينما يعتبر نفسه أكبر من أن تؤخذ منه رئاسة الحكومة المفوضة لعائلته إلى الأبد؟ وكيف حَلي الشعب السوري في عينيه اليوم وهو وفريقه التحريضي العنصري تسببا بقتل أكثر من ٣٠ عاملاً سورياً في لبنان؟ وكيف يدعو نفسه للقاء مع السيد حسن نصرالله، هو من تاسع المستحيلات بعد أن خرق المحرمات التي ارساها والده الراحل، بوجود شهود مفترضاً أنه أصدق من الصادق الذي يصدقه العدو قبل الصديق؟ ولماذا إهانة الشاهد محمد ناصر الذي حضر كل اجتماعاته السابقة فهل يفضل شهود زور مثل محمد الصديق نجم المحكمة الدولية؟
الحدث الثاني البارز هو المناسبة السنوية الخامسة على إنتصار المقاومة ضد إسرائيل وتحطيم أسطورة “الجيش الذي لايقهر” وهو إنجاز ربما يكون الأهم في القرن الواحد والعشرين. وبدل أن يقوم العرب و”شبه الوطن” بالقيام بإحتفالات شعبية صاخبة إبتهاجاً بالنصر الإلهي المؤزر الذي هو نقطة فخر مضيئة في سماء التاريخ العربي القاتم، نرى تآمر العرب وصحفهم في الكويت والسعودية إضافةً إلى “أصنام ١٤ آذر” على السلاح الذي أعطاهم العزة والكرامةً.
عوضاً عن ذلك، فقد إحتفل وطن الصفة المشبهة بقضه وقضيضه بسعيد عقل فقط بسبب “عطائه الشعري” متناسياً “عطاءه الصهيوني” ومواقفه الخائنة ضد وطنه “العاجق الكون بكمشة أرزات”. خسىء بلدٌ بلا عقل يلام فيه المقاوم ويكرم فيه المساوم!
Leave a Reply