إنتهى العام الماضي مودعاً بمجزرة إرهابية ضد أبناء وطننا من اخواننا المسيحيين من خلال تفجير كنيسة “سيدة النجاة” في الكرادة بالعراق، وبدأ العام الجديد بإستهلال دموي آخرحيث لقي٢١ شخصاً مصرعهم وجرح ٤٣ آخرون بإنفجار استهدف “كنيسة القديسين” في الإسكندرية بمصر. وبهذا يدخل مخطط تهجير المسيحيين من منطقة الشرق الأوسط مرحلة الخطر وحيز التنفيذ محاكاةً للمخطط الكيسنجري الصهيوني من أجل خدمة المشروع التفتيتي الإسرائيلي.
فقد بات من الواضح أن تمزيق المنطقة العربية إلى كيانات مصطنعة على يد الإستعمار الإنكليزي-الفرنسي، وأولها الكيان اللبناني بإعلان دولة “لبنان الكبير” في ٣١ آب١٩٢٠ من قبل الجنرال غورو ليكون “وطناً قومياً للموارنة” مقابل التحضيرلإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، هذا التمزيق الجغرافي ساعد الإستعمار الغربي ليس فقط على توطيد دعائمه في بلدنا بل أيضاً على زرع قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في أية لحظة حتى لا يقم للعرب قائمة بعد ذلك.
ألم يعمل المستعمر الفرنسي “الحنون” منذ البداية على تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية بعد أن حاربته في معركة “ميسلون” التي إستشهد فيها البطل القومي يوسف العظمة؟ في سوريا الدماء بذلت من أجل الاستقلال أما في “شبه الكيان” فكان هناك من يطلب الإستعمار بل يرجوه أن يبقى جاثماً في بلدنا! ومن منا لا يعرف مخطط هنري كيسنجر، السيء الذكر، ببدء حرب لبنان وتقسيمه إلى دويلات طائفية كشفت عنها كتابات مرتزقة الكيان الإسرائيلي الذين كانوا يحلمون بالتحالف مع دولة مارونية تكون رأس حربة لهم في الشرق العربي، وسرعان ما حقق حلمهم “أسود الكتائب” الذين صالوا وجالوا في “ساحات الوغى الإسرائيلية” التي إشتاق لها أمين الجميل وإبنه المصون؟! بل بالأمس ألم يقترح السناتور آنذاك جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي اليوم، تقسيم العراق إلى كيانات طائفية من أجل إخماد المقاومة ضد الإحتلال الأميركي؟ بالطبع، فإن إقتراح بايدن لم يأت من العدم ولنا في مؤامرات كيسنجر السوداء أسوةٌ سيئة!
الشرذمة الإستعمارية يبدو أنه قد حان وقتها وبدأت تجني ثمارها اليوم في أدق مرحلة حرجة من تاريخ أمتنا خصوصاً بعد أن بدأت تباشير الممانعة والمقاومة تنتصر وتتجذر من جديد في حركة الوعي الجمعي العربي مقابل سقوط نظرية التفوق القدري الإسرائيلي بعد هزيمته الشنيعة في “حرب أكتوبر” وحروب لبنان. من هنا بدأ التحرك الصهيوني بإستخدام الورقة الطائفية الثمينة بعد فشله في الميدان العسكري وإنكشاف جبهته الداخلية، مما يشكل خطورة على أسباب بقاء الكيان بإنعدام الهجرة اليهودية. لهذا السبب وجدت “المحكمة الإسرائيلية البيلمارية” (التي بدد آخر مصداقية لها عراب “ثورة الأرز” جون بولتون) من أجل تصفية المقاومة بالفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة التي، للأسف، تجد حطباً كافياً لها اليوم في تصاريح بعض حيتان المال مثل محمد كبارة، الذي يملك أكبر شركة إحتكارية للأخشاب تدر عليه المال الوفير بينما يعيش معظم أبناء طرابلس وعكار في فقر مدقع، والجوزو وعلوش وغيرهم من “فرقة الدنيا هيك” للعزف على الوتر الفتنوي الطائفي.
فطرابلس الفيحاء لن تكون يوماً عاصمةً لمذهبٍ واحد وهي، كبيروت، مدينة لكل أبناء الوطن الشرفاء وليتعظ كبارة، ومن لف لفه، من الذين سبقوه وتقيأوا بنفس الكلام الفتنوي ووسموا شريحةً كبرى في هذا الكيان بالغرباء لكن هؤلاء الغرباء حموا هذه الأرض بدمائهم الطاهرة وانتزعوا لها الإستقلال الفعلي المبارك من السماء! أنه زمن الفتنة الجاهلية الدهماء ترتكب في وضح النهار ومن دون خجل، وإلا كيف يتجرأ شخص مثل بطرس حرب على إقتراح مشروع قانون شوفيني طائفي ينص على منع بيع أراضٍ بين المسلمين والمسيحيين مما يكمل أمنية البطرك بإنتخاب المسلم للمسلم والمسيحي للمسيحي وهكذا يتحول لبنان إلى كانتونات طائفية عنصرية فعلية! وعلى سيرة البطرك نعود إلى موضوعنا حول تهجير المسيحيين حيث أنه أبدى تخوفه من تهجيرهم في لبنان لكنه عاد فأكد أن المسيحيين النوعيين فقط هم الذين بقوا صامدين في بلدهم مما يشكل إهانة لكل الذين هاجروا من وطنهم على أساس أنهم ليسوا من أصحاب النوعية. والمضحك أنه حتى رفيق البطرك في “١٤ آذار” محمد الجوزو لم يستسغ كلامه فحمل بشدة على المارونية السياسية صاباً جام غضبه على أكثر المعادين للإقطاع السياسي الجنرال عون وكتلته، طبعاً بسبب “وثيقة التفاهم”، متناسياً هو والبطرك أن سبب هجرة المسيحيين من لبنان تعود إلى حروب أصحاب الكيانية المتحالفة مع إسرائيل. عتاب الجوزو العنصري الحاقد على فريق المقاومة إستدر رداً موبخاً من سامي الجميل الذي غضب حتى من مجرد عتاب بسيط على البطرك.
الأصابع الإسرائيلية ليست بعيدة عن المؤامرة الطائفية المستجده في القاهرة، مهما إدعت “القاعدة” مسؤوليتها، هذه الأصابع التي لم يجف حبر تجسسها الأخير في مصر عبر شبكة منتشرة أيضاً في سوريا والأردن وطبعاً لبنان، لأن الأرضية مهيئة بسبب إنشغال النظام بأمر حيوي أهم من مصير الشعب بأكمله وهو موضوع توريث جمال حسني مبارك الذي يبدو أنه تحول إلى صراع على السلطة بينه وبين عمر سليمان بحيث لم تعد ينفع إلهاء الناس بلعبة كرة قدم بعد سلسلة الإنهيارات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية للنظام. ففي العراق أصبح معروفاً أن الإستخبارات الإسرائيلية تعيث فساداً وتسرح وتمرح منذ دخول القوات الأميركية إلى بغداد، وها هي فلسطين تكاد تخلو من أبنائها المسيحيين وأصبح وجودهم مقتصراً على لبنان وسوريا والأردن مما يفسر تركيز “الموساد” على هذه الأقطار.
فتشوا عن المصلحة الإسرائيلية في تهجير المسيحيين من الشرق!
Leave a Reply