في الاسبوع الماضي، دعينا للمشاركة في الحفل السنوي الذي أقامته مدرسة “ثامبسون المتوسطة” للطلاب الأجانب الناطقين بغير اللغة الإنكليزية وينحدرون من دول مختلفة، ولم يخطر ببالي حين طلب من ولدي محمد البالغ من العمر إثني عشر عاماً، المشاركة مع زملائه للتعريف بثقافة بلده وتراثها وذلك بعمل “بروجكت” عن بلده المملكة العربية السعودية، لكن المفاجأة كانت في حجم المشاركة من المسؤولين الكبار وفي مقدمتهم واندا كوك روبنسون مديرة التعليم في مدينة ساوثفيلد وفيرن كاتز مديرة قسم الطلاب متعددي الجنسيات بالإضافة إلى مدير المدرسة وطاقم التدريس الذي تديره مجموعة من المدرسات العربيات تحت رئاسة نضال دو سيزر، أما منظمو الحفل من الطلاب الذين يمثلون دولا عدة هي السعودية، العراق، لبنان، إسبانيا، المكسيك، الصومال، كينيا، غانا، زامبيا، نيجيريا، أنغولا، موريتانيا بالإضافة الى الطلاب من البلد المضيف أميركا الذين يتشكلون من الطيف العرب الكلداني والأفارقة الأميركان واليهود.إن مشاركة الشخصيات المسؤولة في إحتفالية مثل هذه تمنح الطلاب الصغار قيمة عالية بأنفسهم وتضع أقدامهم على طريق الإحساس بالمسؤولية والإحساس بقرب المسافة بينهم وبين المسؤولين الكبار وتزرع في عقلهم الباطني الروح القيادية والتنافس الشريف في إبراز المواهب والقدرات وفي نفس الوقت الإعتزاز بحب الوطن الأم ما دام المسؤولون على رأس المشجعين ودافعين للتعريف بثقافة وتاريخ وتراث الأوطان المشاركة، إن هذه اللوحة الجميلة المتعددة الألوان، أو الفسيفساء الرائعة التي تشكلت من ثلاثة عشر جنسية هي من أهم عوامل نجاح هذا البلد وسرّ ثباته وهو جوهر صحة التخطيط الناجح والإستراتيجية التي قامت عليها السياسة التعليمية في المدارس الأميركية.إن هذه الصورة المصغّرة من التنوع الثقافي في شكله الأول، تدعونا للتفكير في أمتنا العربية والإسلامية التي تعاني من نقص في التأهيل للأجيال القادمة، إن الفشل العربي العام في إدارة التنوع الثقافي والديني والمذهبي والعرقي والقبلي، لا يبشر بخير، ولعل المشاكل المزمنة والأمراض المستعصية التي تواجه مجتمعاتنا من أسبابها الرئيسية عدم القدرة على التعايش. فأوطاننا تشبه الغابة؛ القوي يأكل الضعيف، والمتوحش هو الذي يسود.. أما الأليف الوديع غير الجارح هو الفريسة والطعم.إن المدارس الفكرية الثلاث، القومية والإشتراكية والاسلامية فشلت فشلاً دريعاً في إدارة التنوع الثقافي، فقد اتجهت كل مدرسة الى تكريس سياستها الإنعزالية على أرض الواقع وكل مدرسة بنت حولها جداراً سميكاً تمنع الغير من الدخول على حصنها، وفي الحقيقة لم يبق للمدارس الفكرية القومية أو الإشتراكية في عالمنا الإسلامي والعربي أي دور.. فإذا كانت هناك شكوى فهي من مسؤولية المدرسة الفكرية الاسلامية سواء كانت سنّية أو شيعية، التي ترفع شعار “وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله إتقاكم” ولكن التطبيق على الأرض هو الإستعباد الإجتماعي والإستبعاد السياسي والثقافي.إن المحاولات المخلصة التي كانت في الماضي في مصر الجامع الأزهر الشريف، وجامعة القيروان في المغرب، تلك المحاولات لم ترقى الى مستوي صناعة التنوع الثقافي بكل أطيافه، وإنما كان محكوماً بسياسة الحكام ألذين يخشون من إنفتاح مواطنيهم على العالم وبالتالي يرتفع مستوى الوعي الثقافي والسياسي ويطالب الناس بحقوقهم المشروعة.ما من شك أن الكثير من أبناء أمتنا الإسلامية يشعرون بالحاجة الى إستنساخ التجارب الناجحة والتي لا تتعارض مع مباديء وقيم الدين والمجتمع، إنما هذا الشعور مشوب بالخوف من الصوت المرتفع الذي يحذر من غزو العولمة وتحدياتها، لقد أثبتت التجارب أن غزو العولمة وهجومها على العالم كله لم ولن يستثني أحدا، لكن المجتمعات المحصّنة التي تملك القوة، وأعني قوة النظام السياسي والثقافي والاجتماعي المبني على الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وقانون تداول السلطة بدل أن يتضرر بتأثيرات العولمة، يسخرها لصالح مجتمعه، أما الضعيف فإن العولمة سوف تسحقه كما سحقت الأزمة الإقتصادية مجتمعاتنا الضعيفة.
Leave a Reply