صخر نصر
عندما أتجول يوميا فـي شوارع ديترويت وأزقتها تنتابني قشعريرة أحيانا، فالمدينة الأشهر بالعالم والتي انتجت أفخر أنواع السيارات وحملت هذا الاسم منذ أكثر من قرن وكانت رمزا للازدهار الاقتصادي فـي أميركا ، هذه المدينة العملاقة بكل ماتعنيه الكلمة من معنى من حيث الاتساع وعدد السكان وانتشار معامل السيارات وشبكة الطرق والجسور والسكك الحديدية والتي ترمز إلى بنية تحتية قوية لاقتصاد متين.
تنتابني القشعريرة وأنا أعبر شوارع بكاملها لاحياة فـيها، ولاسكان، تنمو بين بيوتها الأعشاب البرية، وتنساب أغصان الأشجار على طبيعتها دون أن تلقى يدا حانية لتقص ماشاخ منها وتشذبها فـيما تكسو جدران البيوت المهجورة آثار تدمير أو احتراق أو عرتها الطبيعة من طلائها وبعض جدرانها وتكفلت الرياح بالنوافذ والزجاج، فصارت المدينة أطلالا دارسة يسكن فـيها بعض المشردين ويلجأ اليها الخارجون عن القانون ومتعاطو المخدرات.
تلك ديترويت، المدينة العريقة التي أعلنت إفلاسها قبل عامين على أمل النهوض ثانية من كبوتها لكن على مايبدو أن المحفزات التي ترغّب الناس للسكن فـي ديترويت لا زالت دون المستوى المطلوب، ولازال الناس يبتعدون عن السكن فـي أحيائها رغم انخفاض أسعار البيوت فـيها.
لا أحد يدري على وجه التحديد كيف تفكر بلدية ديترويت لنفض الغبار عن بيوتها وشوارعها التي كانت يوما ما عنوانا للإزدهار والحركة فمن «الداون تاون» الى فان دايك الى وودورد وغراند ريفر وغراتشد وفـينكل… الخ كلها أماكن شبه خالية ونسبة السكان والمحال التجارية لايتعدى فـي بعضها العشرة بالمئة، وربما أقل من ذلك فـي بعضها.
يعزو بعض رجال الأعمال ابتعادهم عن فتح مشاريع فـي ديترويت بسبب انعدام الامن فالشرطة تحتاج الى عشرين دقيقة لتلبي استغاثة مواطن فـي حين تصل الشرطة فـي بعض مدن مترو ديترويت إلى الناس خلال دقائق معدوة وبعضها خلال أقل من خمس دقائق.
ربما يكون هذا السبب وجيها، لكن هناك أمور أخرى متعددة، فالمدينة التي أعلنت إفلاسها لازالت خدماتها فـي حدودها الدنيا
سواء من حيث اصلاح الطرق او الارصفة والمساحات الخضر والباركات الكبيرة التي تحتاج أشجارها ونباتاتها للعناية ومرافقها للصيانة هذا عدا عن الابنية التي أهملت تماما وهجرها سكانها ومستثمروها.
لم تعد ديترويت كما كانت سابقا، ولكن هناك جهود حثيثة لإنهاضها، فالمدينة العملاقة نامت لعقود طويلة ولم يوقظها أحد من غفوتها، لا البلدية ولا حكومة ميشيغن ولا الحكومة الفـدرالية، فالمدينة تحتاج إلى إدارة جريئة تحفز الناس على السكن فـي ديترويت وتبيع البيوت المهجورة للناس ولو بدولار واحد مع قروض لاعادة الاعمار والصيانة وتقديم تسهيلات لرجال الأعمال للاستثمار بوسط ديترويت وأحيائها وإشغال الابنية الكبرى التي تصفر فـيها الرياح شتاء وتسرح بها القوارض صيفاً، لقد آن الأوان لتستيقظ المدينة من سباتها وتنفض عنها غبار النوم لتعود كما كانت وأفضل.
Leave a Reply