“أبو سلمو” لم يعد شخصا عاديا، فبعد أن ذاع صيته كحكواتي، صار مشهورا، وصار يقدم حكاياته في مقهى الحي، وفي المجالس الخاصة، وازداد الطلب عليه من خارج الحي، وأصبح له معجبون من المسؤولين والسائلين. ولكن هذا الحال أصبح لا يطاق عند “أبو عجاج”، وهو الذي لا تربطه أية صلة ود أو إعجاب بـ”أبو سلمو”، ولا حكايات “أبو سلمو”، لأنه (أي أبو عجاج) هو الذي كان يؤلف حكايات بلا طعمة، ليس لها رأس أو ذنب، لذلك قرر ألا يسكت على هالحال، وقرر أنه يعمل “متله وأكتر”.
قال لـ”أم عجاج”: على شو شايفلي حاله هادا أبو سلمو؟
أجابته: وشو هلي مدايقك منو؟
قال لها: يعني إذا كان حافظ هالكم حكاية، بدو يعمل حكواتي؟ فيكي تقوليلي بشو أحسن مني حضرتو؟
وتجيبه أم عجاج: يا حبيبي.. يا تقبرني.. ما حدا قال أنه أحسن منك.. بس حسب حكي يللي سمعوه إنو حافظ حكايات كتيرة وقاري ميّات الكتب وفهمان وذكي وصادق.. يعني تعبان على حالو.
ويرد عليها أبو سلمو بانفعال كالمجنون: الله يقطع لسانك من شرشو، عم تمدحيه قدامي، ومانك مقدرة شعوري؟ إذا كان أبو سلمو عامل حكواتي ومحتل القهوة.. أنا بدي أعمل إذاعة بنص الحارة!
وترد أم عجاج بذهول واندهاش: ليش حضرتك مذيع؟ فيجيبها بدون تردد: شو ناقصني؟ إيد؟ رجل؟
فتقول أم عجاج: المذيع عالقليلة.. عالقليلة لازم إذا حكى الناس يفهمو شو عم يقول، ولا تزعل مني، وبلا مؤاخذة، أنا مرتك، وساكنة معك بنفس البيت وبالزور لأفهم عليك، بتّطلع نص الكلمة، وبتبلع النص التاني.
فيقول أبو عجاج وقد طاش عقله: إنشالله عمرك ما تفهمي، وإنشالله عمرو ما حدا يفهم، المهم يعرفو إني صرت مذيع، وبدي حط طاولة بنص الحارة، وراها كرسي دوار، وجيب ميكروفون، وعلبتين سردين فاضيين ابخشهن واربطهن بخيط، واعملهن سماعات، مربوطين براسي..
فترد أم عجاج: ووين بدك تدحش الفيش من شان توصل الكهربا؟ فيجاوبها أبو عجاج: وأنتي شو دخلك؟ أنا بلاقي محل ادحشو فيه.
وتسأله الزوجة: ومنين بدك تجيب حق كل هالشغلات؟ فيجيبها بلهجة الواثق: بعمل لمة من أهل الحارة، من جهة بشتري العدة ومن جهة تانية بحط الباقي بجيبتي، وبقول لكل واحد بيدفعلي إني بدي قول إسمو واشكرو. فتعلق أم عجاج بصوت مليء بالغصة والمرارة: يا عيب الشوم عليك، ما بكفيك شحادة وكذب عالناس؟ ما بكفي بهدلتنا من مدينة لمدينة، من جهة شحاد ومن جهة عم تديّن مصاري، وتهرب من وجه اللي عم يدينوك؟ وبتقول معك شهادات وأنت ما معك بطيخ.. عيب استحي على حالك.
ويقول أبو عجاج وكأن حكي مرتو عالفاضي: الله يريحني منك! فيكي تقوليلي شو بتعرفي عني قبل ما شوف هالوجه يللي بيقطع الرزق؟
فترد أم عجاج: يللي بعرفو أنو أحسن إلك وإلنا، تقيم الفكرة من راسك، بلا ما نصير مضحكة بين الناس، فيجيبها: حابب قلّك.. أنو في سر بحياتي، فتقول أم عجاج: وشو هالسر؟
يتابع: أنا ولدتني أمي وكان بإيدي ميكروفون زغير!!
فتسأل أم عجاج بكل برود: ووينو هالميكروفون؟ فيجيبها أبو عجاج بلهجة حزينة: خالتي استعملتو وقت كنت صغير، وكانت أمي مع أبي برات البيت، وكنت أنا عم أبكي كتير، وخالتي فكرت أنو عندي إمساك ومغص، وحطتلي ياه بعدما شافتو بجنب سريري.
فقالت أم عجاج وقد كادت أن تصاب بانهيار: أنا ما رح قلّك لا كذاب ولا غيرو.. بس بدي نبهك، أنو لما بتصير مذيع، لا تجيب مكروفونك معك عالبيت، وتحطو بجنب سريرك، لأنو على طول معك إمساك وبتحس بمغص..
ونلتقي!
Leave a Reply