عباس الحاج أحمد – «صدى الوطن»
حققت مؤسسة «حمادة للخدمات التعليمية» HES، على مر السنوات الماضية، حضوراً لافتاً في الأوساط التعليمية، ليس فقط على مستوى الجالية العربية في منطقة ديترويت الكبرى، إنما كذلك على مستوى ولاية ميشيغن بأكملها، حيث حازت مدارس حمادة على العديد من الجوائز التقديرية، بينها «جائزة التنوع» التي تمنحها مجلة «كورب مغازين»، كما حازت صاحبتها، المربية اللبنانية الأصل، نوال حمادة، على «جائزة مديرة العام 2007» من «جمعية ميشيغن الأكاديمية للمدارس الحكومية»، و«جائزة سيدة الأعمال العربية لعام 2008» من «المجلس العربي الأميركي لسيدات الأعمال»، إضافة إلى العديد من الجوائز التكريمية الأخرى لمسيرتها التربوية ونجاح مؤسساتها الأكاديمية التي تخرج سنوياً عشرات المتفوقين الحائزين على منح لدخول أرقى الجامعات الأميركية.
لكن المؤسسة التربوية الرائدة، واجهت في ختام العام الدراسي، تحدياً لم يكن في الحسبان، عندما أقدمت طالبتان على انتقاد الإدارة ومستوى التعليم في مدرستهما خلال حفل التخرج بثانوية «يونيفرسال أكاديمي»، بديترويت، في أوائل حزيران (يونيو) الجاري. واتهمت الطالبتان الإدارة بالاعتماد على المعلمين البدلاء غير المتمرسين، وإقالة المعلمين الذين يتضامنون مع الطلاب، إضافة إلى قمع آراء الطلاب وأولياء الأمور «الذين يتحدثون بصراحة».
وتسببت كلمتا الطالبتين بردود أفعال واسعة وصلت أصداؤهما إلى خارج حدود ولاية ميشيغن، بعدما تناقلت وسائل الإعلامية الأميركية تفاصيل ما جرى في حفل التخرج، فيما انتشرت مقاطع مصورة من كلمتي الطالبتين المتفوقتين، لتتحول الحادثة إلى «قضية رأي عام» وتدخل النقاش الوطني القائم حول جدوى مدارس «التشارتر» (المشتركة بين القطاعين الخاص والعام) والتي يعارضها أنصار المدارس العامة ف الولايات المتحدة.
محلياً، البعض ربط التطاول على الإدارة بحادثة فصل معلمين من المدرسة في 2016، فيما اعتبرها البعض الآخر، مجرد تصرف انفعالي من طالبتين يافعتين في السن.
وعلى خلفية هذا المشهد، التقت «صدى الوطن» مع المربية نوال حمادة، لمعرفة أسباب ما حدث ووجهة نظر الإدارة تجاه الحادثة وطريقة معالجتها.
حمادة أكدت أن حفل التخرج في «يونيفرسال أكاديمي» كان شاهداً على نتائج «ترفع الراس»، وقالت: «تخرّج 52 طالباً وطالبة، وحصل 44 طالباً متفوقاً منهم على منح دراسية بقيمة إجمالية تفوق 18 مليون دولار، ما يعني أن قرابة 86 بالمئة من الطلاب تخرجوا بمعدلات عالية، وتم قبولهم جميعاً في الجامعات».
أضافت: «تعتبر مدارسنا الثانوية بين الثانويات الـ15 الأفضل في ولاية ميشيغن التي تضم حوالي 300 مدرسة ثانوية. تفوق الطالبات في مدارسنا واضح للجميع، من أبناء الجاليتين اليمنية والعراقية وغيرهما، نحن نعد طلابنا –بنيناً وبناتاً– لكي يكونوا قادرين على التعبير عن آرائهم والتخطيط لمستقبلهم التعليمي والمجتمعي».
وتابعت: «بعد إعلان نتائج التخرج، تبين وجود فارق بسيط بين معدلي المركزين، الأول والثاني، مما أغضب الطالبتين صاحبتي المركز الثاني. وكما هي العادة في كل عام، يلقي أصحاب المركزين الأول والثاني كلمات خلال حفل التخرج، لكن الكلمتين اللتين ألقتهما صاحبتا المركز الثاني كانتا غير الكلمتين اللتين قدمتا للإدارة ونالتا موافقتها».
وأكدت: «هذا أمر مؤسف ومقلق. ما جرى شوّه ذكريات الكثيرين ممن حضروا حفل التخرج، وكانوا فخورين برؤية أبنائهم وهم يحتفلون بتخرجهم من المرحلة الثانوية، خاصة أهالي المتفوقين منهم».
وأشارت إلى أن «حادثة التخرج هي الآن، قيد التحقيق، من قبل محامين سيقومون بتقديم توصياتهم في وقت لاحق»، لافتة إلى أن أهداف مؤسسة «حمادة للخدمات التعليمية» لا تقتصر على تمكين الطلاب من النجاح الأكاديمي، وإنما تركز –كذلك– على بناء شخصياتهم والأخذ بعين الاعتبار الثقافة الخاصة لكل طالب بحسب منشئه الاجتماعي والثقافي. وقالت: «نحن نشدد على احترام الاختلاف، كما أننا نربي الطلاب على أنهم جزء من عائلاتهم ومن مجتمعهم الكبير».
وكررت حمادة أسفها على ما حدث خلال «حادثة التخرج»، ووصفته بأنه «لا يتوافق مع المعايير الأكاديمية في ثانويتنا التي بلغت فيها نسب التفوق مستويات عالية جداً، وهذا دليل دامغ على ما نبذله من جهد ووقت في خدمة طلابنا».
وحول جدوى مدارس الـ«تشارتر» في المجتمعات، أكدت حمادة على أهميتها في تعزيز العملية التربوية وإنجاحها، بسبب ارتفاع الأقساط الدراسية في المدارس الخاصة وتدنى مستوى اتعليم في العديد من المدارس العامة. وقالت: «وجدت مدارس التشارتر لكي تلبي إمكانيات الأهالي وحاجات الطلاب لتعليم راق وجيد».
وأضافت: «في مدارسنا نلبي تطلعات الطلاب وأهاليهم على حد سواء، مع احترام القوانين الخاصة بالتعليم في الولاية، كما أننا نعلم طلابنا على احترام التعدد الثقافي الأميركي، واللغات الأخرى إلى جانب اللغة الإنكليزية، كاللغة العربية مثلاً، وهذه سمة بارزة في مدارسنا التي تضم نسبة كبيرة من الطلاب العرب».
وأوضحت أن المدارس المشتركة (تشارتر) تتعرض للكثير من المراقبة والضغوط في ميشيغن، لاسيما وأنها شكلت –منذ إطلاقها أوائل تسعينات القرن الماضي– عاملاً في خسارة المدارس العامة والخاصة للكثير من طلابها. وقالت: «هنالك صراع سياسي بشأنها، إذ أن المحافظين يدعمون هذا النوع من المدارس التي يعارضها معظم الديمقراطيين».
وأشارت إلى أن مؤسسة حمادة تعتبر اللغة العربية ركيزة أساسية في مدارسها الأربع، لكونها تساعد على تعزيز التواصل بين الطلاب وأهاليهم وأقربائهم في الأوطان الأم، كما أنها تشكل تعبيراً واضحاً عن الاعتزاز بالجذور والثقافات الوطنية، وتفتح أمام الطلاب فرصاً أكبر في أعمالهم ومستقلبهم كأشخاص ثنائيي اللغة، فضلاً عن كونها توسع مدارك الطلبة ومعارفهم الأدبية والسياسية والاقتصادية.
حمادة، التي تتوزع مدارسها على ديربورن هايتس وديترويت ووستلاند وسترلينغ هايتس، كانت قد بدأت مسيرتها المهنية بدارسة التاريخ والعلوم السياسية تمهيداً لدراسة القانون، وبدلاً من الانتساب لـ«جامعة ديترويت ميرسي» لدراسة الحقوق، قررت تعديل خطتها وانتسبت لـ«جامعة إيسترن ميشيغن»، التي تخرجت منها حائزة على شهادة الماجستير في «القيادة التربوية والتعليم الثانوي للتاريخ والعلوم الاجتماعية»، عام 1993.
بعد ذلك، مارست التعليم في المدارس الخاصة، حيث اكتشفت أن تكاليفها الباهظة تقف عائقاً أمام طموحات الأسر المنخفضة الدخل، رغم جودة التعليم فيها، على العكس من المدارس العامة التي «لا يلبي نظامها التعليمي احتياجات الكثير من الأسر»، على حد تعبيرها.
ورأت في المدارس المشتركة، التي بدأت بالظهور في ميشيغن، أواسط تسعينات القرن الماضي، وسيلة فضلى للجمع بين مزايا المدارس الخاصة والعامة. وقالت في هذا الخصوص: «عندما علمت بشأنها، أدركت أنها بمثابة حل وسط بين التعليم الخاص والتعليم العام، مما يجعلها مناسبة تماماً للجالية العربية، فقررت ترك ميدان التعليم الخاص، والتقدم بطلب لتأسيس مدرسة تشارتر في 1996، وحصلت على الترخيص بعد عامين». وأضافت: «في البداية، كان هدفي الرئيسي، هو افتتاح مدرسة صغيرة تستوعب حوالي 125 طالباً، لكن الأمور اتخذت منعطفاً مختلفاً، في ظل الإقبال الكثيف على التسجيل».
وأكدت: «كل ما أردت القيام به هو تعليم الأطفال وإحداث فرق في حياتهم، لكننا تلقينا أكثر من 625 طلب تسجيل. كان الأمر فوق طاقتنا الاستيعابية، وكان من المحزن جدَّاً أن نضطر إلى حرمان الأهالي من فرصة تسجيل أبنائهم، لذلك انتهى بنا المطاف إلى العمل على استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب».
ووفقاً لحمادة، فقد تم قبول ما يقرب من 325 طالباً في المدرستين اللتين كانتا في البداية توفران صفوفاً، من مرحلة الروضة حتى الصف السابع، ثم نجحت الإدارة في إضافة صف واحد كل عام، حتى وصلت الصفوف إلى الصف الـ12.
وقالت: «إن الطلب الكثيف على التسجيل دفع الإدارة إلى استغلال الموارد والتوسع في أقصى سرعة ممكنة من أجل تلبية احتياجات أكبر عدد ممكن من الأسر».
وبحلول العام 2004، قامت مؤسسة «حمادة للخدمات التعليمية» بافتتاح مدرسة جديدة هي «يونيفرسال لرنينغ أكاديمي»، في مدينة وستلاند، التي تضم صفوفاً من مرحلة الحضانة حتى الصف الـ12. وفي عام 2011، تم افتتاح أكاديمية «نور انترناشونال»، التي تضم صفوفاً من الروضة حتى الصف السابع، في مدينة ستيرلنغ هايتس.
مثل أي مهنة أخرى، تواجه حمادة وفريقها الإدراي والتعليمي تحديات يومية، ولكن ما يجعل «العمل الشاق جديراً بالتعب والجهد، هو نجاح الطلاب والعرفان الذي يظهرونه لمدرستهم ومدرسيهم»، بحسب حمادة التي ختمت حديثها ل«صدى الوطن» بالتأكيد على عمق سعادتها لرؤية طلابها، و«هم يتخرجون من الجامعات، ليبدأوا حياتهم المهنية بنجاح».
وأبرقت برسالة إلى الجالية العربية تؤكد فيها على «أهمية زرع الثقة بالنفس لدى النشء، وضرورة التواصل الدائم بين الأهالي والأبناء». وقالت: «علينا ألا نتجاهل أهمية تدريب الأبناء على اتخاذ قراراتهم الخاصة، واحترام القيم الاجتماعية، وعلينا أن نبدأ بأنفسنا لنكون نموذجاً صالحاً للأجيال.. التحديات كبيرة في جاليتنا، لذا علينا التكاتف واحترام قيمة التنوع الثقافي في مسيرة تقدمنا».
Leave a Reply