خاص “صدى لوطن”
من المعروف أن للناخبين اليهود في الولايات المتحدة ثقلا أساسيا، رغم نسبتهم الصغيرة من مجمل الناخبين الأميركيين. ويعود ذلك، بلا شك، الى إمساك اليهود، وحلفائهم من الأميركيين الصهاينة، بمفاصل اللعبة الديمقراطية، من مال وإعلام. لذلك وفي خضم الحرب الكلامية بين الرئيس باراك أوباما والمرشحين الجمهوريين للرئاسة، يبقى نيل رضا “الناخب اليهودي” الهم الأول للمتصارعين على حلبة الديمقراطية الأميركية، رغم ما يعصف بالبلاد من أزمات اقتصادية واجتماعية..
في نيويورك، صعد أوباما مؤخراً هجومه المضاد في مواجهة منافسيه الجمهوريين الذين اتهموه بأنه تهاون في امن حليفة الولايات المتحدة القوية اسرائيل محاولين المزايدة على بعضهم حتى وصل الأمر بالمرشح ميت رومني بالتعهد بزيارة إسرائيل في إطار أول جولة خارجية كرئيس في حال انتخابه، رغم أن أسلافه، تاريخياً، خصوا كندا والمكسيك بهذا الشرف.
وبانتظار انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) الرئاسية التي ستجري في العام 2012، سوف تكون إسرائيل عنواناً طاغياً ومفتاحاً أساسياً للبيت الأبيض.. فالأزمة الإقتصادية، من بطالة وعجز وديون، أكثر تعقيداً من أن تقنع الناخب الأميركي بوجود مرشح يحمل عصا سحرية لحلها…
وفي إطار المناوشات الانتخابية، هاجم الجمهوريون سياسة اوباما في الشرق الاوسط أملا في الحصول على دعم من المسيحيين المحافظين (والتيارات الصهيونية) وحرمان أوباما الذي يعاني من انخفاض شعبيته، من اصوات الناخبين اليهود التي يطغى عليها الطابع الليبرالي المقترن مع الحزب الجمهوري.
المرشحون الجمهوريون: كيف نخدم إسرائيل؟
يوم الأربعاء الماضي، عقد في واشنطن منتدى من تنظيم الائتلاف اليهودي الجمهوري، شهد تهافت المرشحين الجمهوريين للرئاسة على “نيل الرضا” حيث ضاعفوا في خطاباتهم من وتيرة دعواتهم الى تنفيذ عمليات “سرية” ضد ايران وسوريا بما فيها اعمال تخريب واغتيال وتقديم مساعدات الى المعارضة الداخلية هناك من أجل حماية إسرائيل، فيما سجل استبعد المنظمين للمرشح رون بول عن المنتدى ”بسبب مواقفه الراديكالية”!.
وقال الرئيس السابق لمجلس النواب نيوت غينغريتش الذي كان في مقدمة الداعين الى شن حرب سرية، امام الحضور انه يمكن ان يلجأ الى “وسائل سرية” لـ”تغيير النظام” في ايران على نسق “الربيع العربي”.
وأضاف غينغريتش، الذي يتصدر إستطلاعات الرأي في السباق الانتخابي، “لديهم محطة تكرير واحدة ضخمة (في ايران). لو كنت مكانهم لكان تركيزي على كيفية تخريبها كل يوم”. واعتبر غينغريتش ان سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا يجب ان تقوم على “استبدال” الرئيس السوري بشار الاسد بآخر لا يشكل خطراً على إسرائيل و”بذل كل الجهود بشكل مباشر وسري لكن دون تدخل القوات الاميركية لمساعدة” المعارضة على قلب النظام.
ومن ناحيته، دعا ميت رومني حاكم ولاية ماساتشوستش السابق الذي بات في المرتبة الثانية بعد غينغريتش في ترتيب مرشحي الحزب للانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، واشنطن الى مساعدة المنشقين سرا في ايران. وقال رومني امام الحشد نفسه “علينا اللجوء الى نشاطات سرية وعلنية لمساعدة المعارضين داخل البلاد. وفي نهاية المطاف، تغيير النظام سيكون ضروريا في هذا الاطار”.
ويذكر أن اللبناني الأميركي وليد فارس، المعروف بتوجهاته الصهيونية المؤيدة لإسرائيل وبانتمائه الى ميليشيات مسيحية متطرفة خلال الحرب الأهلية اللبنانية تحالفت مع تل أبيب، قد عُين مؤخراً مستشاراً لحملة رومني للشؤون الخارجية في مسعى من الأخير لجذب “الناخبين “اليهودي” و”المسيحي المتشدد” لحملته.
أما من ناحيته، أبدى السناتور ريك سانتوروم أمله في أن تكون الولايات المتحدة وراء الانفجار في قاعدة الصواريخ في ايران مؤخرا، وتعهد بانه سيحذر العالم من ان الولايات المتحدة ستشن عمليات سرية. وقال سانتوروم “علينا ان نقول بوضوح ان اي علماء اجانب يعملون في البرنامج النووي الايراني سيعتبرون مقاتلين اعداء وسيتم استهدافهم على غرار اي مقاتل عدو اخر مثل اسامة بن لادن على انهم هدف لهذه الدولة”.
بدوره كان غينغريتش قد طرح، خلال مناظرة في 12 تشرين الثاني الماضي، بأن تعمل واشنطن على التخلص من علماء ايرانيين وتعطيل البرنامج النووي الايراني “بشكل سري ويمكن انكاره”.
ومن جانبه اعتبر حاكم تكساس ريك بيري في تجمع انتخابي في 22 تشرين ان لواشنطن سبل عدة لممارسة ضغوط على نظام الاسد “بشكل علني وسري ومن خلال فرض عقوبات اقتصادية”.
وقال رومني عندها “آن الاوان لنلجأ ليس فقط على فرض عقوبات على سوريا بل الى عمليات سرية للدفع نحو تغيير النظام هناك”. وأضاف ان “هناك عناصر من القوات العسكرية ينضمون الى الثوار وعلينا ان ندعم جهودهم”.
“فضحتونا”
واثارت تصريحات المرشحين داخل الحزب الجمهوري، الذين لا يتمتعون بخبرة في مجال السياسات الخارجية استغراب مسؤولين سابقين من الأمن القومي. وقال مسؤول كبير سابق في البيت الابيض في عهد الرئيس السابق جورج بوش لوكالة “فرانس برس” ان “احتمالات النجاح تتراجع بشكل كبير عندما تكشف للعالم عن الوسيلة الاولى التي تستخدمها في السياسة الخارجية”.
وأشاد المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته بـ”الطاقم الامني القوي” في ادارة كلينتون وحث الجمهوريين على عدم النظر الى العمليات السرية على انها “علاج سحري يشفي من كل المشاكل”.
أوباما يرد: إدارتي خدمت إسرائيل
أكثر من أي إدارة أخرى
ويتهم الجمهوريون أوباما بانه يطالب الاسرائيليين بعمل الكثير ولا يطالب الفلسطينيين بمثل ذلك. الا ان اوباما بدأ هجوما استباقيا الاسبوع الماضي خلال حملة لجمع التبرعات في مدينة نيويورك حيث اكد انه “لا يوجد حليف اكثر اهمية من دولة اسرائيل”، مشددا على التزامه بالمساعدة على حماية الدولة العبرية.
وقال أوباما في الحملة “بالنسبة لأمن دولة اسرائيل فقد قامت هذه الادارة باكثر مما قامت به أي ادارة سابقة”. وأضاف “هذا ليس رأينا نحن فحسب بل رأي الحكومة الاسرائيلية”، مشيرا الى التعاون الاستخباراتي والمساعدة الاميركية في بناء درع “القبة الحديدية” الصاروخي لصد اي هجمات صاروخية على اسرائيل.
ويقول مساعدو الرئيس أوباما، الذي واجه انتقادات لدعوته الى تجميد المستوطنات الاسرائيلية، ان الادارة الحالية زادت المساعدات العسكرية لاسرائيل، وشددت العقوبات الاميركية على ايران، وحصلت على دعم من روسيا والصين لزيادة عزلة طهران الاقتصادية.
ويشير حلفاء البيت الابيض كذلك الى ان تلبية أوباما لدعوة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بعرقلة اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطين ووصفه له بأنه “وسام شرف”.
كما اشاروا الى تصريح وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك الشهر الماضي في مقابلة مع شبكة “سي أن أن” حيث قال “لا أعتقد ان احدا يمكنه ان يثير أي علامة استفهام حول اخلاص هذا الرئيس لأمن اسرائيل”.
ومع ذلك فقد انقض الجمهوريون على تصريحات أوباما، حيث قال رئيس مجلس النواب الاميركي جون باينر على موقع على “فيسبوك” “لا بد انك تمزح. هذا هو البيت الابيض نفسه الذي يريد من اسرائيل الانسحاب الى حدود 1967 التي لا يمكن الدفاع عنها. ولكن نحن نقف مع اصدقائنا خاصة الذين وقفوا دائماً بجانبنا”.
وانخفضت شعبية أوباما بين الناخبين اليهود ابتداء من ايلول (سبتمبر) حيث وصلت الى 54 بالمئة، طبقا لاستطلاع عام للرأي أجراه معهد “غالوب”. إلا ان ذلك يدل على ان شعبيته بين الناخبين اليهود لا تزال تزيد بعشر نقاط مئوية عن شعبيته بين الشعب الاميركي بشكل عام الذين انخفضت شعبيته بينهم الى ما يراوح 40 بالمئة.
والجدير بالذكر أن اثنين بالمئة فقط من الناخبين في انحاء البلاد هم من اليهود، الا انهم يملكون القوة الحاسمة في التصويت في بعض الولايات المتأرجحة مثل فلوريدا وبنسلفانيا إضافة الى إمساكهم وحلفائهم من التيارات الصهيونية (الليبرالية والمحافظة) بوسائل الإعلام ومصادر المال الانتخابي.
رومني يتعهد: إسرائيل أولاً
وفي إشارة الى التسابق الحاد على نيل رضا “الناخب اليهودي” قال رومني انه سيتبع سياسة مناقضة لسياسة أوباما في الشرق الاوسط ووعد بـ”تعزيز” الروابط مع اسرائيل اذا انتخب رئيسا للبلاد العام القادم.
وفي كلمته أمام “الائتلاف اليهودي الجمهوري” وعد رومني بأن تكون زيارة اسرائيل هي أول رحلة خارجية له اذا اصبح مرشح الحزب الجمهوري ثم كرئيس للبلاد.
وقال رومني ان أوباما اقترح ان تتبنى اسرائيل “حدودا لا يمكن الدفاع عنها” وانه “متردد وضعيف في وجه التهديد الوجودي لحرب نووية”. وأضاف ان “هذه الاعمال شجعت المتشددين الفلسطينيين الذين يستعدون الان لتشكيل حكومة وحدة مع حركة “حماس” الارهابية ويشعرون انهم يمكنهم تجاوز اسرائيل على طاولة التفاوض. الرئيس اوباما أحدث انتكاسة هائلة لافاق السلام في الشرق الاوسط”. وقال مرشح الرئاسة الجمهوري ميت رومني ان “الكلمات التي تطلق خلف ابواب مغلقة في حملة لجمع المال في نيويورك شيء، والاعمال التي تودي باسرائيل الى الهاوية شيء آخر”.
وأضاف رومني “سأسافر الى اسرائيل في أول رحلة خارجية لي. سأعيد تأكيد وجود اسرائيل كدولة يهودية باعتبار ان ذلك مصلحة وطنية حيوية. اريد ان يعرف العالم ان الروابط بين اسرائيل والولايات المتحدة لا يمكن ان تتزعزع”. وتضمنت كلمة رومني عبارات قوية موجهة الى الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد إذ قال انه يجب ان توجه إليه تهمة التحريض على الابادة بمقتضى المادة الثالثة من اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية. وتابع “لن يسمح لايات الله بامتلاك سلاح نووي اثناء فترة رئاستي. ايران المسلحة باسلحة نووية ليست فقط مشكلة لاسرائيل بل ايضا مشكلة للولايات المتحدة وكل دول العالم المحترمة”.
Leave a Reply