شكَّلتْ استقالة السيِّد حسن القزويني من المركز الإسلامي فـي أميركا صدمة للجالية. ولكن أولئك الذين هم على دراية بالعلاقة المتردية بينه وبين بعض أعضاء مجلس الأمناء فـي المركز لم يتفاجأوا تماماً من هذا الخبر، منذ وجّه القزويني للمجلس نقداً لاذعاً خلال مقابلته مع «صدى الوطن» فـي شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
ومع ذلك، فإن الطريقة التي قاربها تجاه استقالته المفاجئة ومطالبه التعجيزية للتراجع عنها، أفضت إلى موضح حيرة. ثم ذهب القزويني إلى أبعد من ذلك عندما طلب من المجلس حل نفسه عملياً. شخصيات لها احترامها وتاريخها العريق، وبعضها من المؤيدين للقزويني، هم أعضاء فـي هذا المجلس. لذلك سبب شرطه التعجيزي إحراجاً لأصدقائه وهم أغلبية ساحقة من الأعضاء عندما قال يجب على الجميع التنحي.
وخلال إعلان استقالته فـي خطبة الجمعة، تحدث القزويني عن ألم حقيقي ممض شعر به ربَّما بسبب الرسائل مجهولة المصدر التي أساءت له ولأسرته. لكنه أخطأ عندما أنحى باللائمة على المجلس برمَّته بسبب الرسائل، خصوصاً عندما اعترف هو بنفسه سابقاً بأن لا يمكن أن يكون قد أرسلها إلا «عدو للإسلام».
ذلك أن العديد من أعضاء مجلس الأمناء فـي المركز الإسلامي، بما فـي ذلك رئيسه رون أمين، هبوا للدفاع عن القزويني بعد توزيع الرسائل المسيئة. ومن ناحيتنا فـي «صدى الوطن»، كتبنا مقالاً افتتاحياً فـي هذه الزاوية من الصحيفة يدين بشدة الرسائل المجهولة لفقدها التمدن والمصداقية وصف أصحابها بأنهم محرَّضون داعشيون. كما كرسنا أيضاً إثنتين من الصفحات الكاملة فـي القسمين العربي والإنكليزي لنشر المقابلة مع السيد القزويني بأمانة وفرت منبراً له للرد على المزاعم والادعاءات وطرح تصوره للحالة التي آلت اليها الأمور فـي المركز الإسلامي.
أما مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي فقد اتّسعَت واحتدمت فيها ردود الفعل حيث تجنّدوا أيضاً بأعداد كبيرة للدفاع عن القزويني ضد الرسائل المجهولة والمهينة.
ولكن للأسف، يبدو أن السيِّد اختار أنْ يرى النصف الفارغ من الكأس.
فـي خطبة الجمعة، تحدث القزويني عن أصوات قليلة فـي مجلس امناء المركز تعمل ضده لأنه من أصل عراقي. ونحن نعترف آسفـين ايضاً، بأن العنصرية مستفحلة داخل المجتمعات العربية والإسلامية، لكن الحقيقة تبقى بأن المصلين وغالبيتهم من اللبنانيين إنتصروا للقزويني وطالبوا بسقوط مجلس الأمناء، خصوصاً بعد أن أعلن القزويني عن مظالمه وعزمه على الإستقالة.
على الرغم من أن جنسية القزويني ربما شجعت بعض الأفراد العنصريين على مهاجمته، لكن هؤلاء بالتأكيد لا يمثلون مجلس الأمناء ونهجه. أما الهجوم الذي شنه القزويني على المجلس بأكمله طالباً استقالة جميع اعضائه، يضاعف من مظالم العنصرية ويؤدي لمزيد من التقسيم فـي جسم الجالية العربية.
ولكن القزويني قال إنه سيواصل خدمة الجالية ملمحاً إلى أنه قد يفتتح مركزاً خاصاً به، وهذا حقه المشروع. فإذا شعر بوجود فرص أكبر لتقديم خدماته وتحقيق طموحه فـي مكان آخر، فله الحق فـي متابعة تلك الفرص، دون التلميح بما لا يخدم المركز الإسلامي وربما استقراره والحفاظ على وحدة وتماسك الجالية التي يسعى لخدمتها.
غير ان استعداء المجلس بأكمله وخلق البلبلة والإنقسامات فـي المركز وانعكاساتها السلبية على الجالية بأكملها، وهو فـي طريقه للخروج، لم يكن قراراً حكيماً.
وفقا لرون أمين، قال القزويني يوم الأحد أمام مجموعة كبيرة من الشباب المسلم المناصرين له، «إن أولئك الذين يعارضونه هم أتباع يزيد بن معاوية»، الذي هو واحد من أكثر الشخصيات كرهاً لدى المسلمين الشيعة. ولكن الخلاف لا ينبغي أن يؤدي إلى التشكيك فـي الآخرين وإهانتهم بتشبيهات لا تليق بهم.
«لدينا مشكلة فـي الجالية أنه إذا كانت هناك مشكلة بين شخصين، يندفع أحدهما لوصف الآخر بالخائن أو الكافر» إشتكى القزويني لـ«صدى الوطن» فـي مقابلته ليس من وقتٍ بعيد. وأضاف فـي سياق حديثه «هذا غير مقبول».
هذه القاعدة كان يجب أنْ تُطبَّق مع كل شخص معني فـي بالخلاف داخل المركز الإسلامي، من السيِّد وحتى أعضاء مجلس الأمناء، إلى النقاد ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. فالجالية تكاد تنوء بحملها ولا يمكنها تحمُّل المزيد من الانقسامات والتشرذم، وعيون الحاقدين تراقبنا وتتربص بنا.
لدى القزويني أهداف مشروعة حول دور أكبر مركز إسلامي فـي أميركا الذي يجب أن يرتفع إلى مستوى الإسم الذي يحمله وان يكون أكثر التصاقاً بالجالية، وتوسيع نطاق خدمته.
ولدى القزويني أيضاً مظالم شخصية كان من الممكن ان يعالجها ضمن هيكلية المركز التنظيمية او اللجوء الى فعاليات الجالية للتدخل من أجل تدارك الأزمة. ولكن تحويل المظالم إلى معركة شخصية، لو ترتقِ إلى علو رسالته الخاصة بالإصلاح والتطوير.
لقد خدم السيِّد القزويني بكل إخلاص المركز والجالية لمدة ١٨عاماً. دافع بلا هوادة عن الإسلام فـي وسائل الإعلام، وتحدث فـي الجامعات والكنائس فـي جميع أنحاء البلاد لذا يجب على الجميع الإقرار بذلك وشكره على الإنجازات التي حققها، وعدم تشويه تراثه.
فـي المتحف المصغر داخل المركز الإسلامي يوجد معرض متواضع على جدار كامل يحتوي صوراً كثيرة تتضمن خطب القزويني وظهوره فـي وسائل الإعلام المختلفة. فقد كرس السيِّد ما يقرب من عقدين من الزمن من حياته للمسلمين الأميركيين فـي جنوب شرق ميشيغن.
وإذاكان يريد الاستقالة بالفعل، ويبدو ان الأمر كذلك، ينبغي أن يكون وداعه عبارة عن بيان امتنان يليق بالانجازات ويتجاوز الخلافات.
Leave a Reply