التمييز ضد العرب والأميركيين والمسلمين مستشر على كل المستويات المؤسساتية والاجتماعية والفردية ويكاد لا يخلو يوم لا ينضح بالكراهية ضدهم. وجاليتنا ما زالت مشغولة كل يوم متصدية ومتحدية لسهام الهجمات الإعلامية الشرسة التي تربط بينها وبين الإرهابيين فـي الخارج وتتهمها بالعيش والتصرف تحت قانون الشريعة وهي فـي داخل أميركا، وتغفل نظرها عن انتهاكات الحقوق المدنية ضدها. وكأن كل هذا لا يكفـي، حتى جاءت المعمعة الأخيرة فـي المركز الإسلامي فـي أميركا لتزيد الطين بلة وتقدم مادة دسمة جديدة للذين يتربصون بالعرب والمسلمين شراً، وتمنحهم سبباً إضافـياً لكي يعيدوا نشاط حقدهم ويتحدثون عنا بسلبية أكبر.
فمزاعم «الفساد» والخلافات العميقة فـي المركز الإسلامي تصدرت عناوين الصحف فـي كل وسائل الإعلام المحلية وبعضها على المستوى الوطني، مما ينعكس سلباً على مجتمعنا ويهدم تاريخاً من الإنجازات لم يتم تحصيله بسهولة. فتطور الأحداث التي أعقبت صدور رسائل مقيتة مجهولة المصدر هاجمت السيِّد حسن القزويني ورئيس مجلس الأمناء رون أمين جعلتنا نبدو امام المجتمع منقسمين على أنفسنا وعاجزين عن ادارة شؤون مؤسساتنا، فكيف سندير حملة انتخابية أو إدارة محلية مثلاً أو مصلحة حكومية؟!.
وكانت قد صدرت عن القزويني انتقادات شديدة اللهجة ضد مجلس أمناء المركز فـي خطاب الإستقالة المفاجىء فـي ٢٢ كانون الثاني (يناير) الماضي، إستخدم خلالها عبارات تحريضية تفرق بين المسلمين والعرب فـي هذه المنطقة، بالإضافة الى وضعه شروط تعجيزية ومهينة لمجلس الإمناء والذهاب الى ابعد من ذلك بطلبه تعليق العمل بالقانون الداخلي. وفـي الأسبوع الماضي، كتبنا فـي هذه الزاوية رأينا بصراحة وأشرنا فـيها إلى ان السيد القزويني تخطى الحد كثيراً عقب تقديم الاستقالة والخطب التي تلتها.
ويوم الجمعة الماضية، أعلن القزويني أنه سوف يعيد النظر فـي إستقالته وذلك على الرغم من انه اتفق مع أعضاء مجلس الأمناء وقادة من الجالية على انه سيلقي «خطبة الوداع» فـي صلاة الجمعة وسيدعو للوحدة والإلفة بين المسلمين.
ولكن لو فكر القزويني جدياً فعلاً فـي إمكانية البقاء فـي المركز، لما كان عليه أن يحرق جسوره مع مجلس الأمناء عن طريق وضع سقف عالٍ من الشروط كمطالبة المجلس برمته بالاستقالة.
وبين إعلان استقالته المدوِّية ثم تردده وإبداء رغبته لإعادة النظر فـي قراره بعد أسبوع، أربك القزويني الجالية وأطال الخلاف والجدل العقيم، كما أنه فتح شهية الاعلام الاميركي المتربِّص بهذه الجالية شراً وساهم فـي خلق المزيد من عناوين الصحف حول هذه القضية التي كان من المفروض ان تنتهي بسرعة وبهدوء منذ أول يوم. أما تسريب الوثائق غير السرية ونشرها علىالفـيسبوك فليست بريئة ايضاً وتتحمل قسطها من المسؤولية فـي جر الجالية الى فخ الإعلام الذي انقض عليها وعلى اكبر واعرق مراكزها.
أما بالنسبة لأعضاء مجلس الأمناء الذي يبلغ عددهم ٣٥ عضواً فقد أظهروا عن عجز فـي القيادة وإيجاد الحلول المناسبة للخروج من المأزق. بل أكثر من ذلك فانهم أساؤوا فـي التعامل مع الأزمة التي عصفت ببنيانه، فقد رفض الأمناء استقالة القزويني، من دون معالجة طلبه بأن يستقيلوا جميعاً.
وزاد من تفاقم الأمور أن رسالة بعث بها أمين الصندوق السابق فـي المركز الحاج صلاح هزيمة إلى زملائه أعضاء المجلس متهماً القزويني بتحويل أموال، تسرَّبت إلى وسائل الإعلام، فلم يحرك المجلس ساكناً للنظر فـي مزاعم الفساد التي أثارتها الرسالة، سواءً بالتأكيد أو النفي لقطع دابر التكهنات.
كان على إدارة المركز ان تتعامل بشفافـية وحزم فـي هكذا موضوع خطير، وان تشرح ما حصل بالتفصيل بعد أنْ تكون قد فتحت تحقيقاً فـي اتهامات المخالفات المالية التي تضمنتها الرسالة لأنَّ هذه ليست قضية يمكن وضعها على الرف او يُستهان بها خصوصاً وأن سمعة المركز فـي الميزان وهو المعروف بمهنيته ودقته فـي الموضوع المالي. ولكن الذي وجدناه انه منذ اندلاع الأزمة مع القزويني، والمركز الإسلامي واقع تحت مجهر وسائل الإعلام، فيما إدارته بقيت تنأى بنفسها عن الأزمة وكأنها لا تعنيها ولم تكلف نفسها رسمياً وسعاً بتسكين مخاوف الجالية عبر وسائل الإعلام، ولو بتصريح يضع الأمور فـي نصابها.
كان المفروض على مجلس الأمناء ورئيسه عقد مؤتمر صحفـي يدحض فـيه التكهنات ويفنّدها ببراهين الحقيقة. فإغماض الانسان لعينيه لا يعني ان الناس لا تراه.
العاطفة والتفكير
العاطفة المتأججة فـي الصدور وصلت الى أعلى الدرجات بين الفريقين فـي الجالية بين (مع) و(ضد)، وليت هذه العاطفة والطاقة البشرية ظهرتا هكذا فـي الدفاع عن قضايانا المشتركة الكبيرة. أولئك الذين يعارضون السيِّد القزويني وجهوا له إهانة شخصية بقلة احترامهم الشديد، غافلين عن حقيقة أنه عالم دين له مقامه العالي المشهود له وخدم الجالية لمدة ١٨ عاماً. فـي المقابل، أنصار السيِّد هم مذنبون بنفس المقدار بسبب هجومهم الشخصي على أفراد فـي الجالية لا يوافقوهم الرأي والذهاب الى حد تكفـيرهم.
وحقيقة أن القزويني هو عالم دين لكن هذا لا يعصمه هذا من النقد او ينزهه، كما أن رفعه الى مرتبة العصمة أمر غير مقبول. على سبيل المثال، يوم الجمعة فـي ٢٩ كانون الثاني (يناير) قارن الوكيل العقاري رمزي شموط، القزويني بالنبي محمد وذلك أمام مسجد ضاق بعدد المصلين، عندما قال «عمامة السيِّد هي أقدس من مئذنة هذا المركز!!».
انه أمرٌ جيد أن نكون عاطفـيين، ولكن يجب ألا ندع العاطفة تشل تفكيرنا.
Leave a Reply