لبنان: “الزهايمر جماعي” يستبدل المحكمة بالسلاح
بيروت – خاص “صدى الوطن”
فتح رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الباب على مصراعيه أمام أزمة سياسية أخرى عنوانها قديم–جديد هو سلاح المقاومة، ولكنه هذه المرة قرر أن يعلن صراحة أنه “رأس الحربة” في هذه الحملة، من دون أن يأخذ في الحسبان على ما يبدو التغييرات في البيئة الاستراتيجية الإقليمية لغير صالحه، بعد أن انكفأ الاهتمام الدولي بلبنان لمصلحة الحفاظ على الحد الأدنى من النفوذ الأميركي في الدول العربية الحليفة لواشنطن في المنطقة.
غير أن الحريري بخوضه في اللعب بأخر الأوراق بيده بعد أن صارت مفاعيل القرار الاتهامي باغتيال والده في حُكم الساقطة، نتيجة التكتيك السياسي الذي اعتمده أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله طوال الفترة السابقة، يساهم عمليا في الاجهاز على مشروعه السياسي، باعتبار أنّ سلاح المقاومة بات خارج التجاذب والحوار، على الأقل من جانب “حزب الله” الذي تخطى البحث في هذا الملف، بعد أن تداخلت مضامينه مع ملف المحكمة الدولية وصار واضحا لدى فريق الثامن من آذار أن القرار السابق بالحوار حول الاستراتيجية الدفاعية الأنسب للبنان لم يكن سوى غطاء لأهداف اخرى.
أضِف الى ذلك، فإن مُضي الحريري بعيدا في التصويب على رئيس الحكومة المُكلف نجيب ميقاتي، الذي يحظى بعلاقات اقليمية ودولية واسعة، بالتزامن مع “الإمتعاض” السعودي من الشيخ سعد الى حد التجريح به والتشكيك بقدراته السياسية في الإعلام السعودي، يعكسان قصورًا من جانب تيار المستقبل في قراءة المشهد السياسي. على أن تبدأ تجلّيات هذا الفشل في الظهور تباعا فور صدور القرار الإتهامي الذي بات قريبا جدا بحسب ما توحي التسريبات.
واللافت أن الحريري بتقديمه بند سلاح المقاومة على المحكمة في أولوياته انما يعترف ضمنا بتراجع فعالية قرار الأخيرة، وفي الوقت نفسه يُدخل البلاد في لعبة خطرة لا يبدو شارعه مستعدا لها، بعد أن غمز من قناة الفتنة الشيعية–السنية مجددا بربطه سلاح “حزب الله” بما يجري في البحرين وسائر المنطقة العربية، لكن المؤكد أن من أفشل بنود المشروع السابق لقوى الرابع عشر من آذار لن يكون قاصرا عن اسقاط اخر الأوراق.
وفي ابرز المواقف ردًا على خطاب الحريري، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري إن “بلدا لا يوجد سلاح متمكن على حدوده تسقط عاصمته”، معتبراً أن “هذا ما حصل عام 1982، ولولا المقاومة التي زرعت بذورها في معركة خلدة الشهيرة لما انسحبت إسرائيل تدريجيا، ونحن سنبقى متمسكين بهذا السلاح الى حين انسحابها من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من الغجر”.
ونصح بري من يعترض على سلاح المقاومة “بالخضوع الى إختبار حي في الجنوب، حتى يبنوا على الشيء مقتضاه، استنادا الى حقائق الواقع، بعيدا عن التنظير او عن المشاهدة بالنظارات”.
واقترح على رافضي السلاح ان يقيموا لبضعة أيام في عدد من القصور المهجورة في بلدة يارون الواقعة في أقصى الجنوب، والتي تنتمي عائلاتها الى طوائف عدة، “وأنا أتكفل بمأكلهم ومشربهم طيلة فترة التجربة، ثم أريد منهم بعد ذلك ان يقولوا لي ما إذا كانوا مصرين على التمسك بموقفهم، وما إذا كانت تلك الارض التي يحدق بها الخطر الاسرائيلي تستأهل الدفاع عنها بكل ما نملك أم لا”.
وأضاف: “إن هؤلاء الذين يتكلمون من بعيد لم يشعروا يوما مع ابن الجنوب ولم يتحسسوا بمعاناته”.
الى ذلك، أشارت أوساط مقربة من رئيس الحكومة المُكلف الرئيس نجيب ميقاتي الى أن اثارة موضوع السلاح بهذه الطريقة، هو “محاولة لنسف طاولة الحوار الوطني والعودة الى لعبة الشارع مع ما قد تجره من مخاطر على البلد”، داعية الجميع الى التروي، والى قراءة ما يجري في المنطقة من متغيرات وأن يكون الجميع على مستوى التحديات التاريخية، وجددت انها كانت وستبقى مع خيار اليد الممدودة والكلمة الطيبة، من أجل طمأنة اللبنانيين وتحصين الوحدة الوطنية والاستقرار العام.
واستغربت أوساط ميقاتي كلام الحريري الذي قال فيه ان “14 آذار” انتظرت شهرا أجوبة لم تأت منه (ميقاتي) ردا على نقاط قدمتها اليه، وقالت ان رئيس الحكومة المكلف أبلغ منذ اليوم الأول للتكليف فريقي 8 و14 آذار، ووسائل الإعلام، بأنه لن يعطي تعهدا لأي فريق وأن هذا الأمر مخالف للدستور.
واعتبرت الأوساط نفسها أن الحريري يحاول بناء على قرار مسبق برفض المشاركة في الحكومة، تحميل رئيس الحكومة المكلف مسؤولية عدم المشاركة، “وفي ذلك كل التجني ومجافاة الحقيقة”.
بدوره، ردّ رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون على الحريري بالقول إن “رفيق الحريري تحالف مع السلاح منذ 1990 وكان فرحا به اليوم استفاق عليه، لبنان مسروق وغير سارق والأفراد السارقين يتحملون المسؤولية”.
واعتبر عون أن قوى “14 آذار” مصابة بـ”الزهايمر جماعي”، مشددا على أن 7 أيار كانت انقلابا من الحكومة على بيانها الوزاري، متسائلا: “أين كان الدستور في حكومة السنيورة بعد استقالة الوزراء الشيعة؟”، معتبرا أنها كانت فاقدة للدستورية والميثاقية.
وفي موضوع تشكيل الحكومة، أكد أن لا إشكال على وزارة الداخلية، معتبرا أنها من حقه “وإذا أرادوا أن لا يعطوني إياها فهذا اعتداء علي”.
وأشاد عون بعد الاجتماع الاسبوعي لكتلته النيابية بالشباب الذين تظاهروا من أجل العلمانية، ودعاهم الى الاتصال به “لعقد اجتماعات عمل لنقول لهم ما هي النقاط الحساسة التي يجب أن يقوموا بها للتحضير للوصول لأهدافهم لأن التظاهر وحده لا يكفي”.
من جهته ، اعتبر رئيس الهيئة التنفيذية في “القوات اللبنانية” سمير جعجع ان “مقاومة اسرائيل مهمة، وهي من مسؤولية الدولة اللبنانية ككلّ من دون مزايدة. والدولة اللبنانية اليوم هي غيرها في الستينيات والسبعينيات. ومن هنا فإن مقاومة اسرائيل هي مسؤولية الدولة وينبغي أن نتفاهم على ذلك علناً، وبالتالي يجب افساح المجال امامها لتقوم بهذه المسؤولية”.
ولفت إلى انه “وبخلاف الانطباع الذي يحاول حزب الله تسويقه فإن لدى الجيش اللبناني قوى أفضل وأكثر عدداً وعُدةً وتدريباً من القوى التي يملكها “حزب الله”. وقد اكتسبنا جميعا خبرة جديدة من طريقة عمل “حزب الله” بين عامي 1990 و2000، وبالتالي يكفي ان يتنحى الجميع عن ساحة المعركة وترك المجال للجيش اللبناني بالانتشار بالشكل العملاني المطلوب”، مضيفا أن “أي سلاح مقاومة يجب ان يحظى بإجماع او بتفاهم لبناني عريض، وهو ما ليس متوافراً في ما خصّ سلاح “حزب الله”، فأكثر من نصف الشعب اللبناني يعارض هذا السلاح، واكبر دليل على ذلك نتائج هو انتخابات العام 2009 والتي حصلت تحت عنوان “من مع سلاح حزب الله ومن ضده”، وقد ربحنا الأكثرية على هذا الأساس بغض النظر عمّا فعلوه لاحقاً بهذه الأكثرية انطلاقاً من العامل الضاغط لهذا السلاح بحدّ ذاته”.
وتابع جعجع ان “اي سلاح يرفضه اكثر من نصف اللبنانيين، واستُعمل اكثر من مرة في اكثر من منطقة لأهداف داخلية أو للضغط على النواب لتسمية فلان لرئاسة الحكومة اللبنانية، لا يمكن اعتباره سلاح مقاومة بل سلاحاص داخلياً”.
على صعيد آخر، وفي ما يخص ملف المحكمة الدولية التي يُتوقع صدور قرارها الإتهامي هذا الشهر، برزت في الإعلام تفاصيل كان كشفها السيد نصر الله قبل فترة في معرض تعليقه على مصداقية المحكمة بطلبها بصمات ومعلومات عن عشرات الاف اللبنانيين، إذ تبيّن ان مكتب مدعي المحكمة الدولية القاضي دانييال بلمار وجه الى وزارة الداخلية والبلديات حوالى 20 طلبا تتصل بأمور متنوعة، من بينها كتاب يطلب فيه بصمات 4 ملايين لبناني، وقد درسته الوزارة استنادا الى القوانين المرعية الإجراء، وردت عليه بكتاب آخر تضمن تساؤلات حول سبب شمول هذا الإجراء 4 ملايين لبناني ووضعهم جميعا في خانة واحدة. وانتهى الامر الى موافقة الوزارة على إعطاء بلمار بضع مئات فقط من البصمات، وفق تقديرها هي، في حدود ما يسمح به القانون. وما زالت الوزارة تدرس طلبات أخرى تقدم بها بلمار مؤخرا.
البطريرك
على صعيد آخر، برز تطور على مسار انتخاب بطريرك جديد، بعد قبول بابا الفاتيكان استقالة صفير، إذ تم إعلام المطارنة أن الدورة الأولى لانتخاب بطريرك جديد ستُعقد في العاشر من آذار، على أن يكون المطران رولان أبو جودة، الذي يعد أقدم من رُسم مطراناً في مجلس المطارنة الحالي، المدبر البطريركي حتى انتخاب بطريرك جديد، وبالتالي فهو سيفتتح الجلسة الأولى ليُنتَخب بعدها فوراً غيره لإدارة الجلسات الانتخابية التي سيشارك فيها صفير ناخباً.
ومن الأسماء المتداولة لخلافة صفير، إضافة الى ابو جودة، النائب البطريركي أنطوان العنداري المنحدر من منطقة بشري والمقرّب تاريخياً من القوات اللبنانية. كذلك، يبرز المطران فرانسوا عيد الذي يقدم تجربته في جامعة اللويزة كمشروع انتخابي. بينما يظهر المطران يوسف بشارة تراجعاً في الحماسة الانتخابية.
Leave a Reply