ربما كان بنيامين نتنياهو قد أخذ يتصبب عرقاً عندما فاجأته أخبار استعمال الحوثيين لصواريخ باليستية وربما ذكية في استهداف موقعين عسكريين يوم الخميس الفائت: الأول في عدن، والثاني في الدمام. ولا شك، اجتمع بشكل طارئ بمستشاريه لبحث هذا التطور البارز في الحرب اليمنية. فإن كان الحوثيون يملكون هذا النوع من الصواريخ المتطورة، فماذا عن «حزب الله» و«حماس»؟ أما محمد بن زايد فلا بد أنه قد نفج حضنيه وهو يؤكد لمساعديه صواب قراره بالإنسحاب من اليمن: فمن استهدف الدمام لن تكون أبو ظبي عصية عليه. وأما ابن سلمان فقد لا يجد مشورة من حوله سوى بالرد بالطريقة الهمجية المعتادة منذ شن «عاصفة حزمه» قبل أربع سنوات ونيف، عبر الانتقام بقصف وقتل المدنيين.
نعم، إن اليمن مقبرة الغزاة.
لو كان ابن سلمان قد قرأ التاريخ لعلم صدق هذه المسلَّمة التاريخية. ولعلِم أن شذاذ الآفاق الذين جلبهم مع صديقه بن زايد من البلدان الفقيرة وشكلا منهم جيوش مرتزقة لقهر الشعب اليمني، لم يكونوا إلا كبش فداء لقرارهما الأهوج.
لا لم يقم الجيش واللجان بقصف النساء والأطفال والشيوخ، ولم يقوموا بتدمير المستشفيات والمستوصفات والمدارس بشتى أنواع الأسلحة المحرمة، كدأب الأخوة الأعداء. بل هم استهدفوا يوم الخميس الماضي معسكر الجلاء في مدينة عدن الجنوبية، بعملية مشتركة بين سلاح الجو المسير والقوة الصاروخية طالت عرضاً عسكرياً للغزاة والمرتزقة. وقد ترتب على الهجوم وقوع عشرات الضحايا من جنسيات مختلفة، ومن بينهم قياديون بارزون.
الحوثيون صرحوا أن العرض العسكري الذي تم استهدافه في عدن، كان يتم التحضير من خلاله لهجوم على مواقع لهم في محافظتي الضالع وتعز.
هذا الهجوم ليس الأول من نوعه بالاستهداف الدقيق لمراكز عسكرية، فقد هاجم الحوثيون في كانون الثاني (يناير) الماضي عرضاً عسكرياً في قاعدة «العند» الجوية بمحافظة لحج (جنوبي اليمن) بواسطة طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات، مما أسفر عن مقتل عدد كبير من العسكريين، بينهم رئيس الاستخبارات العسكرية اليمنية اللواء محمد صالح طماح.
والموقع الثاني الذي تم استهدافه يوم الخميس يبعد مئات الكيلومترات عن صنعاء، في مدينة الدمام وهو بذلك لا يقل أهمية وخطورة عن الصاروخ الأول بل ربما يكون أخطر منه لبعد المسافة ودقة الإصابة. وكان المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي يحيى سريع قد أكد استهداف موقع عسكري مهم في مدينة الدمام –بالعمق السعودي– «بصاروخ باليستي متطور بعيد المدى في تجربة جديدة وعملية للقوة الصاروخية اليمنية».
وبشكل متزامن تقريباً وبعمليات انتحارية تحمل توقيعات القاعدة استهدفت تفجيرات عدة مراكز للشرطة في ضاحية «الشيخ عثمان» بعدن، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 13 شرطياً وإصابة عشرات آخرين وفق الداخلية اليمنية، ووقعت التفجيرات أثناء تجمعات للأمنيين والعسكريين.
وهكذا يستعيد الجيش واللجان زمام المبادرة ويبرهنون مرة أخرى على انهم هم من يديرون دفة الحرب ويفرضون خياراتهم على الأرض. وبذلك يجد ابن سلمان نفسه في مأزق لا مخرج منه إلا بالرجوع إلى اتفاقات السويد والتقيد ببنودها والتسليم بعدم جدوى كسر إرادة الشعب اليمني والقبول بـ«الحل السياسي» الذي ينادي به «أنصار الله» منذ بدء الحرب الشعواء التي شنتها السعودية بتحالفاتها متوعدةً بإنهائها خلال أسابيع قليلة.
المراقبون يرون أن ابن سلمان يسعى فعلاً –من خلف الكواليس– إلى إيجاد معادلة لـ«خروج مشرّف» من المستنقع اليمني، دون أن يبدو وكأنه قد عاد خالي الوفاض يجر أذيال الخيبة والهزيمة من حرب عبثية كان يمكن تفاديها منذ البداية.
تقول «نيويورك تايمز» إن حرب اليمن أصبحت مستنقعاً لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد انسحاب الإماراتيين ومعارضة الكونغرس الأميركي لها، مشيرة إلى أن الحوثيين هم من ملأوا الفراغ الذي خلّفه انسحاب الإمارات، سيما وأن السعوديين يحاربون من الجو فقط.
ولكن لا يخفى على المحللين أن بن سلمان وأسياده يريدون ثمنا لإنهاء الحرب وهو تقسيم اليمن. وهذا ما تريده أيضاً الإمارات. وفي حال التقسيم ستتم محاصرة اليمن الشمالي من دولتين معاديتين السعودية شمالاً واليمن الجنوبي جنوباً وبذلك سيصار إلى محاولة الكسب بالسلم ما عجز المعتدون عن كسبه بالحرب. لكن بأخذهم زمام المبادرة واستهدافهم عدن والدمام بعمليتين نوعيتين، فإن أنصار الله يرسلون رسالة واضحة جلية لا لبس فيها: إن من بدأ الحرب ليس هو من يقرر كيف تنتهي، وإن من خسر الحرب لا يضع شروط السلام.
Leave a Reply