في كل مرة يتكرر الأمر ذاته.. إلى درجة تجعلنا نستبعد أن يأتي هذا التكرار المضجر خارج المصادفات أو الحوادث الفردية المعزولة. لقد صار الأمر ظاهرة مستشرية ومقلقة وعلينا أخذها على محمل الجد والمسؤولية وبكثير من الوعي والتنظيم، فالبيانات الصحفية والشجب والتنديد.. صارت سلوكيات تندرج في باب “أضعف الإيمان”.
وتتذكرون كيف طلع علينا، أكثر من مرة خلال هذا العام، شخص مغمور من ولاية فلوريدا، وكيف أثار اهتمام الإعلام الأميركي والعالمي من خلال حرقه المصحف الشريف، وكيف قام بالسفر الطويل من أقصى جنوب البلاد إلى أقصى شمالها، إلى مدينة ديربرون، ليتظاهر ضد تطبيق قوانين الشريعة تحت عدسات الإعلام الأميركي والعالمي.
وهذه المرة أيضا، تفجر جمعية متعصبة مقرها في الولاية نفسها، وتعرف باسم “جمعية العائلة في فلوريدا”، قضية مماثلة من خلال بثها لمخاوف وهمية مزعومة، يدعي فيها أعضاء تلك الجمعية أن برنامج تلفزيون الواقع “أميركيون مسلمون تماما” يمثل خطرا حقيقيا على القيم والحريات المدنية في الولايات المتحدة. وبدلا أن تقوم تلك الجمعية، ومعها بعض المؤسسات اليمينية المتطرفة، بشرح تلك المخاطر وكيفية تهديدها لقيم الثقافة الأميركية، كما تدعي، تقوم على حث زبائن الشركات المعلنة على سحب إعلاناتهم من ذلك العرض الذي تبثه قناة “تي أل سي”.
ويستغرب المتابع لمثل هذه السرعة القصوى التي تجعل بعض الشركات الكبرى مثل “لووز” تستجيب لضغوط زبائن وأفراد قلائل ومنظمات مغمورة، وهو أمر يثير الكثير من الشكوك والتساؤلات، حول هذا الاهتمام والتركيز الإعلامي المحموم، وعلى مدار الساعة، للمسائل التي تتعلق بأحوال وشؤون المسلمين.
من الأخبار الجيدة في هذا الشأن، أن شركة “لووز” امتثلت لضغوط ناشطين ومؤسسات وشخصيات عامة ومنتخبة وقدمت اعتذارها للمسلمين الأميركيين ولشبكة “تي أل سي”، دون أن تتراجع عن قرارها بسحب الإعلانات، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يكفي هذا، أم أن الكرة في ملعبنا الآن، وعلينا، قولا وعملا، أن نستثمر “رميتنا التالية” بالطريقة المثلى؟
إذا كانت القوة الشرائية للمسلمين الأميركيين تساوي 200 مليار دولار، بحسب ما جاء في البيان الصحفي “للجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز” (أي دي سي) فهل يكفي التلويح بهذه المعلومة وزجها في سياق مجاني؟ لماذا تستجيب “لووز” لضغوط بعض الرسائل البريدية من قبل زبائنها، ولا تحسب أي حساب لهذه الـ200 مليار دولار التي يشتري بها المسلمون الأميركيون؟ والجواب معروف بالطبع.. وهو أننا لا نتقن حماية أنفسنا ولا الدفاع عن حقوقنا التي يكلفها الدستور لنا كمواطنين نتمتع بالمواطنية الكاملة، شاء من شاء وأبى من أبى.
إننا نؤمن بالحرية كقيمة عليا وأساسية، ومن هذا المنطلق نؤمن أن من حق أية شركة أو مؤسسة في أن تعلن مع الجهة التي تريد، ولكن قناعتنا بأن قيام “لووز” بسحب الإعلانات من برنامج “أميركيون مسلمون تماما” لا يأتي ضمن خيارات اقتصادية وتسويقية بقدر ما يأتي في سياق “العدائية” لمسلمي أميركا، هو الذي دفعنا إلى دقّ ناقوس الخطر، والدعوة بالتالي إلى تفعيل الجهود وتنظيمها في إطار الرد على الخطوة التي قامت بها “لووز”، والقول مرة ثانية، لا من قبيل التكرار، بل من قبيل التأكيد، أن الإدانة والشجب والتنديد.. كلها أمور مطلوبة ولكنها لا تكفي، مثلما أن الاعتذار التي قدمته “لووز” لا يكفي، وبالتالي يجب العمل على استراتيجيات وتكتيكات مختلفة وأكثر فعالية، من بينها التظاهر أمام متاجر “لووز” في المناطق التي تعيش فيها مجموعات عربية وإسلامية، أو الدعوة إلى مقاطعة بضائعها ومنتجاتها.
ونحن إذ نطلق هذه الصرخة فإننا في “صدى الوطن”، لا نتبنى برنامج “أميركيون مسلمون تماما” ونفهم أنه مثل أي برنامج ترفيهي من الطبيعي أن ينقسم الناس حول جودته ومضمونه ورسالته والمشاركين فيه، وندرك أن هذه البرنامج قد تم استغلاله كذريعة لتظهير مشاعر ومواقف مناوئة للمسلمين، وهذا ما نرفضه ونخشى استفحاله كظاهرة لا مبرر لها. ونذكر أننا في “صدى الوطن” كنا قد اختبرنا مسألة مماثلة حين قامت وكالة الـ”سي آي أي” بسحب إعلاناتها من موقع الصحيفة الإلكتروني على خلفية نشرنا لتقرير حول تعاون الوكالة وشرطة نيويورك بالتجسس على المجتعمات الإسلامية في ولاية نيويورك.. حينها قلنا كلمتنا دون خوف ووقف معنا الإعلام الأميركي.. فاعتذرت الـ”سي آي أي” وأعادت إعلاناتها..
الكرة الآن في ملعبنا، وتقتضي قواعد اللعبة.. ألا نحتفظ بها كثيرا..
Leave a Reply