أودى إعصار «هارفي» الذي ضرب ولاية تكساس، الأسبوع الماضي، بحياة حوالي 30 شخصاً وتشريد أكثر من 32 ألف شخص، كما كبّد الولاية خسائر اقتصادية تتراوح بين 70–90 مليار دولار. (مزيد من التفاصيل في الصفحة 14)
الكارثة الإنسانية غير المسبوقة، وحّدت بين المتضررين المتعددي الأعراق والأديان ممن وجدوا أنفسهم فجأة مشردين يبحثون عن أماكن يؤون إليها. الأغنياء والفقراء. البيض والسود والملونين.. والعرب والمسلمين بطبيعة الحال.
ووسط تلك الكارثة، لايهم بكثير أو قليل من يقوم بإنقاذ الضحايا أو يتبرع لمساعدتهم والوقوف إلى جانبهم في تلك المحنة الكبيرة، إذ ولّدت الفاجعة مشاعر التعاطف والتضامن والأخوة بين جميع مكونات سكان ولاية تكساس، وخاصة المتطوعين الذين هبوا بأعداد كبيرة لإغاثة ونجدة المتضررين.
ولم يتخلف العرب والمسلمون في ولاية تكساس، وفي الولايات الأميركية الأخرى، عن مساعدة منكوبي «إعصار هارفي»، إذ انبرى فريق من المتطوعين المسلمين الأحمديين يضم أكثر من 100 شاب، تحت قيادة الناشط بلال رنا، لتقديم المساعدة لضحايا العاصفة غير المسبوقة، عبر برنامج خيري وإغاثي تديره «جمعية الشباب المسلمين الأحمديين” يسعى لتوفير الغذاء والدواء والمأوى للمحتاجين، بحسب ما أفاد رنا لـ”صدى الوطن»، مؤكداً «أن المسلمين يقفون جنباً إلى جنب مع المتطوعين من الإثنيات والأديان الأخرى لتقديم أعمال الإغاثة في حالات الكوارث والنكبات».
المسلمون في الخطوط الأمامية
وأضاف «لقد كان أسبوعاً مرهقاً لاسيما وأننا بادرنا إلى مساعدة المنكوبين بعد يومين من هبوب العاصفة»، مشيراً إلى أن «ما يزيد عن 700 شخص من أبناء الطائفة الأحمدية قد تضرروا جراء الإعصار».
وقد استقبلت مبادرة المتطوعين الأحمديين بالاهتمام والتشجيع، بحسب رنا الذي تابع بالقول «لقد بذلنا ما في وسعنا من أجل مساعدة الناس، سواء عبر مدهم بالحاجات الضرورية، أو مساعدتهم في نقل الأثاث، وإزالة الأغراض المتضررة، مثل نزع السجاد من البيوت، وغيرذلك».
وأشار إلى أنه وفريقه كانوا يرون علامات الامتنان على وجوه السكان، مؤكداً أنها ألهمتهم ومدتهم بالقوة لاستكمال أعمال المساعدة والإغاثة، وقال «مدينة هيوستن كانت بأكملها غارقة في المياه، الجميع تضرروا والفوضى عارمة والكثير من البيوت تضررت، لكن النقطة الحاسمة في هذه القصة ليست في الإعصار وإنما في المشاعر الإنسانية التي عشناها والتي لمسناها عند الآخرين».
وشدد «لقد كانت فرصة تلقائية لكي يعرف السكان جيرانهم المسلمين على حقيقتهم»، مؤكداً أن جهودهم «لم تذهب سدى.. أو دون أن يلاحظها أحد»، فالكثير من السائقين كانوا «يضربون الزمامير» تحية لنا وتعبيراً عن تقديرهم لجهودنا بشكل يبدو معه أن «المسلمين يمكن أن يجسدوا روح الوطنية».
وعزا تراجع أعمال النهب في المدينة إلى «الروح العائلية التي سادت خلال الفوضى».
وبدلاً من الاستعداد للاحتفال بعيد الأضحى المبارك، حيث يقيم الأحمديون احتفالاُ سنوياً في مركزهم بالمدينة، فسوف يتابع المتطوعون أعمالهم الإنقاذية، إذ أكد رنا أنه وفريقه «سيبقون في الميدان» حيث من المتوقع «انضمام مئات من الشباب المسلمين، من الولايات الأخرى، للمشاركة في استكمال أعمال المساعدة.. في الوقت الذي بدأت فيه المياه بالانحسار تدريجياً».
المدينة.. يد واحدة
وفي الوقت الذي قامت فيه كبريات الكنائس في هيوستن بإغلاق أبوابها بسبب تضررها، وفقاً لما أدلى به القس المعروف جويل أوستن، فقد فتح مسلمو ولاية تكساس أبواب مساجدهم أمام المشردين الذين تمكن المئات منهم من اللجوء إلى ما لا يقل عن 12 مسجداً بمنطقة هيوستن الكبرى.
وأفاد مدير «الجمعية الإسلامية لهيوستن الكبرى» مسرور خان لوسائل الإعلام بأن اللاجئين ليسوا من المسلمين فقط، مؤكداً «إننا نرحب بكل شخص (يريد الحصول على مأوى لدينا)».
وفي السياق ذاته، أفاد شيخ سيد –إمام «مركز براند لاين في ستافورد»– لـ«صدى الوطن» بالقول: «عندما ضرب الإعصار، فتحت المساجد في مدينة ستافورد أبوابها كمراكز لتوزيع الإمدادات، وعندما جاء إلينا 6 أشخاص يبحثون عن ملجأ قمنا بإيوائهم، والآن هناك أكثر من 100 شخص من الأطفال والآباء والأجداد يقيمون لدينا، حيث تقيم كل عائلة في أحد صفوف المدرسة الإسلامية التابعة للمسجد».
أضاف «من بين المقيمين لدينا يوجد طبيب ومهندس وبروفيسور.. هؤلاء كانوا يعيشون في منازل رحبة، والآن يقيمون في غرف لا تزيد مساحتها عن 100 قدم مربع».
وأشار إلى أن بعض اللائذين بالمسجد قد بدأوا بتفقد منازلهم ولكنه يتوقع أن يعود معظمهم للإقامة في المركز الإسلامي، وعبر سيد عن تواضعه لرؤية العائلات المشردة التي ماتزال تتمتع –برغم المصيبة– «بروح جيدة».
إحدى المقيمات في المركز الإسلامي، وتدعى حسنى كازري أشارت إلى أنه وعلى الرغم من تضرر المنازل بشكل كبير، «إلا أن المساعدات هنا وفيرة»، مضيفة في حديث مع «صدى الوطن» بالقول: «اللاجئون في المسجد يشعرون بأنهم في حال جيدة ويحصلون على المواد التي يحتاجونها»، مؤكدة «أنه يتم الاهتمام بنظافة المكان».
معظم اللاجئين في المسجد جاؤوا ضمن عائلات كاملة، وكل ما يملكونه حقائب صغيرة تحتوي على القليل من ملابسهم، وربما كمبيوترات، وبعض ممتلكاتهم الثمينة، بحسب كازري التي أضافت «جميعنا نشكل عائلة في هذه المرحلة.. إننا نشعر بالارتياح هنا فالجميع يعرفون بعضهم البعض كما أنني أشعر بالأمان لدرجة أنه يمكنني أن أترك أغراضي في غرفتي (دون خوف من فقدانها)».
وأكدت «أن المسجد مايزال متاحاً لمن يرغب باللجوء إليه، وأن القائمين عليه يمدون يد المساعدة لأي شخص يطلبها»، مشيرة إلى أنها طلبت من أصدقائها غير المسلمين أن يأتوا للإقامة في المركز الإسلامي الذي يتسع لما لا يقل عن 100 شخص آخرين.
وقالت «من الصعب أن تنأى بنفسك عما يحصل، خاصة وأنك تعلم أنك قد تفقد كل ما تملك.. ليس من خيار آخر، علينا أن نساعد بعضنا البعض في هذا الوقت العصيب.. لقد أصبح الجميع يداً واحدة».
إضافة إلى المتطوعين المدنيين الذين يخاطرون بحياتهم من أجل مساعدة ضحايا الإعصار، يمكن رصد عناصر وكالات إنفاذ القانون من الشرطيين والإطفائيين عند كل زاوية. وكانت شرطة مدينة هيوستن قد عثرت الأسبوع الماضي على جثة الرقيب المتقاعد ستيف بيريز (60 عاماً) الذي خدم لمدة 34 عاماً في دائرة شرطة مدينة هيوستن.
ويوم السبت الماضي، قام المطعم اللبناني «فادي ميديتيريان غريل» باستقبال ما يزيد عن 1000 من عناصر الشرطة والإطفاء، بحسب ما قال فريد، وهو أحد العاملين في المطعم، وأضاف في حديث مع «صدى الوطن»: «إن معظم الأحياء حولنا، إن لم يكن جميعها، قد غمرتها الفيضانات التي تسببت بأضرار بليغة للكثير من المنازل».
وأكد أن عناصر الشرطة والإطفاء كانوا يخاطرون بحياتهم من أجل مساعدة الناس، و«لذلك أردنا أن نقدم شيئاً لهم كنوع من العرفان بالجميل»، مضيفاً إلى أن المطعم سيستمر بتقديم الوجبات المجانية لعناصر وكالات إنفاذ القانون حتى نهاية شهر أيلول (سبتمبر).
عرب ميشيغن.. يتحركون
وفي الطرف المقابل من البلاد، لم تذهب الدعوات لمساعدة ضحايا «هارفي» سدى، ففي غضون ساعات بادرت الجالية العربية في منطقة مترو ديترويت إلى تنظيم الحملات وجمع التبرعات وشحنها إلى ولاية تكساس.
وقد تعاونت الجمعيات والمؤسسات الخيرية، إضافة إلى المساجد والأهالي، لجمع التبرعات، وفي هذا الإطار قامت “مؤسسة آميتي” بالتعاون مع “الجمعية الطبية اللبنانية الأميركية” بهدف إرسال أربع شاحنات مليئة بالأغذية المعلبة والمياه المعبأة والأدوية ولوازم الأطفال، وغيرها من الحاجات الأساسية.
وقال أحمد الزيات مؤسس «مؤسسة آميتي»: «برغم الشائعات التي تحاول وصم ديربورن بأنها مدينة تحكمها الشريعة الإسلامية، إلا أن سكان المدينة يشعرون بأن من واجبهم تبديد تلك الخرافات والأكاذيب التي يحاول بعض المتعصبين إلصاقها بهم». وأضاف «إننا بهذه المبادرة نعكس صورة مجتمعنا وصورة ديننا».
وأعرب عن أمله في أن تساهم كارثة «هارفي» بإسقاط الجدران بين الجماعات العرقية المحلية وأن تساهم في توحيد المجتمع بما يحقق المصلحة الوطنية الكبرى.
أضاف «يمكننا أن نثبت بأن مجتمعنا واحد من أقوى المجتمعات عندما نتحد».
وكان هدف المنظمتين المتعاونتين إيصال الإمدادات يوم الجمعة -يوم صدور العدد- ولكن جهودهم لم تتكلل بالنجاح، وفقاً لما قال الناشط ربيع حمود أمام المتجمعين في «النادي الديمقراطي بديربورن». وعبر حمود عن أمله بأن تصل الإمداد إلى ولاية تكساس يوم الأربعاء القادم.
وأكد «هذه هي ديربورن الحقيقية».
وفي مدينة هامترامك، دعا الناشطان اليمنيان عقيل الحالمي وعبد الملك الدلالي أبناء الجالية اليمنية إلى مساعدة مواطنيهم الأميركيين، على الرغم من الأعباء المترتبة عليهم في مساعدة عائلاتهم وأقاربهم في الوطن الأم.
وقد نجحت الجالية اليمنية في المدينة بملء قاطرة كبيرة من الإمدادات، ونشر نشطاء يمنيون فيديوهات تحث أبناء جاليتهم على التبرع، وقال الدلالي: «أعرف أن لدينا يمنيين في الوطن بحاجة للمساعدة، ولكن هذا وطننا أيضاً». ويمكن للراغبين، أن يرسلوا بتبرعاتهم إلى مركز «هايب» بمدينة ديربورن هايتس على العنوان 23302 وورن أفنيو، حيث يتم التحضير لملء شاحنات بمواد المساعدة وشحنها إلى هيوستن.
Leave a Reply