سامر حجازي – «صدى الوطن»
بات الشجار والضرب المتبادل ظاهرة متكررة فـي مجتمع الجالية العربية فـي الآونة الأخيرة، خاصة فـي مطاعمها ومقاهيها وحفلاتها، ففـي يوم السبت الماضي، 26 آذار (مارس). وقع إطلاق نار أثناء خروج الزبائن من أحد المقاهي القريبة من تقاطع شارعي وورن وتشايس. وقبل ذلك بنحو أسبوع، كانت ملاسنة بين أفراد عائلة عربية وزبائن آخرين فـي مطعم «حميدو» قد تطورت إلى عراك عنيف اشتبك فـيه معظم أفراد الطرفـين، قبل أن تتمكن إدارة المطعم من فضّه.
والحادثة الأخيرة تسترعي الانتباه كونها حدثت فـي مطعم عائلي يتمتع بسمعة جيدة، ولكن ذلك لم يمنع بعض زبائنه من ارتكاب أفعال متهورة وسلوكيات مشينة.
عناصر من شرطة ديربورن يراجعون شريط فيديو يصور مجريات حادث إطلاق النار في مقهى «ليف لاونج». |
وقد أرتأينا فـي صحيفة «صدى الوطن» أن نتوقف عند هذه الظاهرة للبحث فـي أسباب انتشارها، وطريقة تعاطي أصحاب الأعمال التجارية فـي مدينتي ديربورن وديربورن هايتس معها من أجل تطويق النزاعات والاحتكاكات والملاسنات بين الزبائن والحد منها. وفـي هذا السياق، أكد الطبيب شادي حداد الذي يدير برنامجا للسهرات الفنية فـي «مطعم لابيتا» (ليبانيز نايتس) إلى أن الحل الأمثل للتعامل مع هذا النوع من المشاكل هو توظيف حراس أمنيين فـي النوادي والمقاهي الليلية، وهي السياسية التي اعتمدها وأدت إلى نجاح عمله على مدار السنوات السبع الماضية.
حرّاس أمن
وأضاف شارحا بعض الإجراءات الأمنية بالقول: لدينا موظفون يستقبلون الزبائن عند الأبواب، وبنفس الوقت يقومون بمراقبة الحالات الشاذة ومنعها على الفور، فمثلا إذا كان بعض الرواد يرتدون ألبسة غير لائقة، أو إذا كان بعضهم مخموراً، فإننا لا نتردد بمنعهم من الدخول إلى المكان.
وأشار د. حداد إلى أن تنامي ظاهرة الشجار والعراك فـي النوادي والأماكن الليلية قد وصم مجتمع الجالية العربية بسمعة سيئة، مؤكداً أنه ليس من العدل تحميل أصحاب الأعمال العربية مسؤولية هذه الظاهرة. وشدد بالقول: إن إدارة مطعم «حميدو» لا تتحمل أية مسؤولية بخصوص الحادثة الأخيرة. إنها مسؤولية أولئك الزبائن الذين تعاركوا دون أن يقيموا احتراما للمكان والحاضرين فـيه.
ورأى أن المشكلة لا تتعلق «بالمقاهي التي تقدم الأركيلة أو المطاعم التي تقدم الكحول، وإنما يتعلق كامل الأمر بتلك النوعية من الزبائن الذين لم يحصلوا على تربية جيدة والذين لا يقيمون اعتباراً لتقاليدنا الاجتماعية التي تفرض على الصغير احترام الكبير، وعدم التعرض للنساء والفتيات أو التحرش بهن.. فماذا كنت لتشعر لو تعرضت بناتك أو أخواتك للمضايقة»؟.
ونصح حداد أصحاب الأعمال التجارية، خاصة تلك التي تدير برامج سهرات ليلية، بتوظيف حراس أمنيين حتى ولو كلّفهم ذلك بعض النفقات الإضافـية، وقال: «عليك أن تصرف بعض الأموال على الحراسة الأمنية، فلا يمكنك أن تتسامح مع التصرفات الشاذة وغير اللائقة حتى ولو خسرت بعض الإيرادات بسبب ذلك، فهذا أفضل من أن تنتهي السهرات بعراك عنيف يفسد أمزجة الزبائن، أو يتسبب بأضرار فـي المكان وسمعته، أو ربما بمخالفة مالية من الشرطة».
تفّاحات فاسدة
من ناحيته، رأى نائب شريف مقاطعة وين مايك جعفر أن توفـير الأجواء المحترمة فـي المطاعم والمقاهي وأماكن السهر يتم بإبعاد «التفاحات الفاسدة» من تلك الأمكنة.
وأضاف جعفر، التي تشترك زوجته فـي ملكية «لافا لاونج» فـي مدينة ديربورن هايتس، قائلا: فـي مطعم «لافا لاونج» توجد لافتة على الباب الأمامي تحدد قواعد السلوك التي يجب على الزبائن الالتزام بها، إضافة إلى التزامهم بالألبسة اللائقة، مشدداً على أن التزام الزبائن بالأزياء اللائقة هو الحل الأمثل للحد من السلوكيات غير المقبولة فـي المطاعم ومقاهي الأركيلة.
وقال: «إذا تمكنت من تجنب هذه النوعية من الزبائن فسوف تحل نصف المشكلة، ونحن لدينا الحق من منع الزبائن الذين لا يرغبون بالامتثال لتلك القواعد التي تعرضها اللائحة».
ومع ذلك فإن المشاكل يمكن أن تنفجر بشكل غير متوقع، وفـي هذه الحالة، فعلى إدارة المقهى أو المطعم أن تتصرف بطريقة حاسمة، بحسب جعفر، الذي أشار إلى أن إدارة «لافا لاونج» كانت قد لاحظت فـي إحدى المرات شاباً يضايق فتاةً، فقامت الإدارة على الفور بالتدخل وإنذاره، ولكنه لم يمتثل للإنذار، فتم طرده من المكان. وأرجع السلوكيات غير المنضبطة لدى الأجيال الشابة فـي مجتمعنا إلى سوء التربية المنزلية، وقال: «لسوء الحظ، هذه السلوكيات تكشف الطريقة التي تربّى عليها هؤلاء الشبان، وعموماً ففـي كل مجتمع هنالك أشخاص سيئون».
تضخّم الـ«أنا»
وبدورها، أكدت الأخصائية الاجتماعية الدكتورة هدى أمين أن التصرفات الخاطئة من قبل الشبان الذكور أصبحت مصدر قلق متزايد فـي مجتمعنا، وهذا مرده بالدرجة الأولى إلى اضطراب وضعضعة بناء بعض الأسر العربية.
وأضافت: عندما كان أطفالي صغارا كنا نذهب سوية إلى المساجد، ولكن الأولاد هذه الأيام فكل ما يعرفونه يدور حول مقاهي الأركيلة والسهرات الصاخبة.
وأشارت إلى أن بعض الأسر العربية تربي أبناءها الذكور على أن يكونوا غير قابلين للكسر أو الخضوع وبطريقة تضخم «الأنا» عندهم، وعندما يكونون خارج منازلهم يصطدمون بواقع مغاير.
وأرجعت السلوكيات الغاضبة وفقدان السيطرة على النفس عند الشبان إلى «مشاعر الخوف والأذى»، ذلك أن جميع الظروف، الاجتماعية والسياسية والمالية، تضغط على الناس فـي حياتهم اليومية، وقالت: «لقد بات الخارج ينظر إلينا بطريقة بات فـيها من الصعب علينا الدفاع عن أنفسنا».
وشددت: «على الآباء أن يبدأوا برعاية وتربية أبنائهم فـي سن مبكرة، لأنهم إذا بلغوا سن المراهقة، سيكون الوضع حينها قد تأخر كثيرا، خاصة فـي هذه الأوقات، التي تنتشر فـيها وسائل الاتصال على نحو كبير، بحيث بات من الصعب على الآباء أن يؤثروا على أبنائهم أو حتى أن يلفتوا انتباههم. وأكدت أن السنوات السبع الأولى مهمة للغاية فـي بناء الطفل نفسيا وسلوكيا، وعندما يصبح فـي الـ14 من عمره سيكون الوضع قد تأخر كثيرا، لأن الشخصية فـي هذه السن تكون قد اكتسبت مواصفاتها النفسية والسلوكية.
Leave a Reply