وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
لم تستفق بيروت بعد، من هول الصدمة التي أصابتها بفعل الانفجار «الكارثة». المساعدات الدولية ما زالت تتدفق على المدينة المنكوبة، إضافةً إلى الوفود الإغاثية والشخصيات السياسية. فبعد زيارة ماكرون «الاستعراضية» والتي حملت الكثير من الوعود غير القابلة للتنفيذ في ظل ما يشوب الساحة اللبنانية من تعقيدات، حطَّ وزير الخارجية الألماني هايكو ماس يوم الأربعاء الماضي في بيروت، وفي اليوم التالي وصل الرجل الثالث في الدبلوماسية الأميركية ديفيد هيل، الذي استهل زيارته بجولةٍ في مرفأ بيروت وبعض أحيائها المدمرة.. فيما وصل مساء اليوم نفسه، وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
هذا في السياسة والإغاثة، أما على الصعيد العسكري، فقد سُجِّل وصول مدمّرات وحاملات طائرات وبوارج عسكرية، أوروبية وأميركية، إلى الساحل اللبناني، تحت عنوان ضمان سلامة طواقم الإغاثة التابعة لها، الأمر الذي استدرج تساؤلات عديدة وكبيرة بشأن لزوم وجود كل هذا العتاد العسكري تحت غطاء الموضوع الإغاثي.
رفع الأنقاض
وفي إطار السعي لإعادة ملامح الحياة إلى بيروت، نظّم الجيش اللبناني يوم الخميس جولةً لوسائل الإعلام داخل المرفأ المدمر، حيث لا تزال عمليات رفع الأنقاض وإزالة الركام والبحث عن مفقودين مستمرة، وقد عُثر على جثة أحد المواطنين وأشلاء اثنين من فريق الإطفاء الذي كان يحاول إطفاء الحريق، إثر الانفجار الأول.
والجدير ذكره أن مرفأ بيروت عاد إلى العمل في الجزء الجديد منه، حيث أُنجز بعض عمليات تسليم البضائع، فيما يبقى الجزء القديم من المرفأ، والذي دُمِّر بالكامل، خارج الخدمة، وهو يحتاج إلى وقت طويل وتكلفة عالية جداً من أجل تأهيله وإعادته تشغيله.
ومع استمرار الغموض حول طبيعة الانفجار الذي دمر أحياء واسعة من العاصمة اللبنانية مخلفاً أكثر من 200 قتيل وآلاف الجرحى، وفي مفاجأة غير متوقعة، أعلن وكيل وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل من بيروت، أن فريقاً من مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) سينضم إلى فريق التحقيق اللبناني بناءً على طلب من الدولة اللبنانية، إلى جانب فريق من المحققين الفرنسيين.
الوضع السياسي
على وقع الانفجار وتجدد الاحتجاجات في الشارع واستقالة حكومة حسان دياب، عقد مجلس النواب اللبناني جلسةً أبرز ما جاء فيها كان قبول استقالة ثمانية نواب تقدموا باستقالاتهم عقب وقوع التفجير.
وقد رأى رئيس مجلس النواب، نبيه بري، في هذه الاستقالات –إضافةً إلى غيرها من الاستقالات الجماعية التي كان ينوي تقديمها نواب حزب «القوات الللبنانية» و«تيار المستقبل»، قبل التراجع عنها في اللحظات الأخيرة بطلب فرنسي– رأى أنها مؤامرة على مجلس النواب لإسقاطه، حتى لا يتمكن من محاسبة الحكومة، وهو الاتهام الذي رفضه رئيس «القوات» سمير جعجع، معتبراً الاستقالة، حقاً ديمقراطياً مشروعاً.
وأقرَّ المجلس أيضاً إعلان حالة الطوارئ لمدة 15 يوماً في بيروت، كما استعاض عن مساءلة الحكومة المستقيلة بتسطير محضر ضبط بحقها، كاد أن يكون غيابياً لو لم يحضر ثلاثة من أعضائها هم نائبة رئيس الحكومة ووزيرة الدفاع زينة عكر، ووزير الداخلية محمد فهمي، ووزير الزراعة عباس مرتضى.
وقد سجّل النائب أسامة سعد تحفظه على إعلان حالة الطوارئ معدّداً مساوئها. كما طالب النائبان رولا الطبش ووائل أبو فاعور بلجنة تحقيق دولية، فيما طالب النائب سيمون أبي رميا، من «التيار الوطني الحر»، بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية.
بدوره، اقترح بري خارطة طريق سداسية لحل الأزمة العميقة التي تعيشها البلاد، لافتاً إلى أنه لم يعد أمام اللبنانيين سوى «العملية الجراحية»، مطالباً بما يلي:
1– دولة مدنية تكفل الحق لكل الطوائف بوجودها وحقوقها من خلال مجلس الشيوخ
2– قانون انتخابات نيابية من دون عائق مناطقي أو مذهبي
3– الاقتراع في أماكن الإقامة
٤– قضاء مستقل وتوحيد الضرائب على أن تكون تصاعدية
5– ضمان اجتماعي للجميع
6– الإسراع في تأليف حكومة أساس بيانها الوزاري إجراء الإصلاحات ومحاربة الفساد.
على نار هادئة
بعد استقالة حكومة دياب، بدأت طبخة الحكومة العتيدة على نار هادئة، لكن ليس هناك في الأفق ما يوحي ببدء الاستشارات النيابية قبل الأسبوع المقبل.
فقبل البحث بشكل الحكومة أو باسم الشخصية التي ستتولى تأليفها، ينصب الاهتمام والبحث على برنامج عمل هذه الحكومة. وهناك إجماع على ضرورة الاتفاق بشأن المهام الجِسام الملقاة على عاتق الحكومة المقبلة، وسط الأزمة التاريخية التي يعيشها لبنان، حيث كشفت مصادر مطلعة على سير المفاوضات، أنه رغم كل ما يُحكى في وسائل الإعلام عن طرح بعض الأسماء لتولّي رئاسة الحكومة، الأمر لا يعدو كونه مجرد تكهنات.
وقد أكدت هذه المصادر أن رئيس الجمهورية ميشال عون يرى الأولوية في ضرورة الالتزام بتعهدات الحكومة المستقيلة لجهة الإصلاحات، وفي مقدمتها التدقيق المالي الجنائي، وهو ما توافق عليه الرئيس عون مع نظيره الفرنسي ويمثل إحدى النقاط التي يرتكز عليها التشاور المحلي والدولي لتحديد هوية الحكومة الجديدة.
أما عن الشكل –حكومة التكنوقراط أو حكومة وحدة وطنية أو غيرها من الصيغ– فإن مصادر رفيعة المستوى تحدثت أن أحد السيناريوهات المطروحة بقوة، هو حكومة أقطاب، حيث أن الرئيس عون لا يعارض هذا الأمر شرط ضم كل الأقطاب على طاولة مجلس الوزراء لتُطرح أمامهم الإصلاحات كافة، ليتبين من يريد هذه الإصلاحات بجدية ومن يراوغ.
ووفق مصادر مقربة من الرئيس بري تحدثت عن عدم معارضته لفكرة حكومة أقطاب برئاسة سعد الحريري، وتضم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لإحياء التفاهمات واستعادة المشاركة في الحكم التي كانت سائدة منذ التسعينيات حتى 2005.
مواقف استباقية
أوساط رئيس «اليتار الوطني الحر» جبران باسيل تقول إنه غير مستعد للمشاركة في أية حكومة يترأسها سعد الحريري… والسبب هو اقتناعه بأن أية حكومة من هذا النوع لن تكون إصلاحية ولا فعالة ولا منتجة، وكل ما يدور من أحاديث حول أن الرئيس عون يريد حكومة تكنوقراط لتعويم صهره ليس إلا تغطية لرغبة بعض الأطراف في الوصول إلى السلطة.
«الحزب التقدمي الاشتراكي» يبدو أنه يعيد حساباته أيضاً، حيث أكدت مصادره أن الأمور أصبحت في مكان آخر ولا سيما في ظل المتابعة الفرنسية اليومية وزيارة هيل. وبالتالي من وجهة نظر الحزب، يجب الانتظار ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، لكن بالرغم من ذلك يظل الحزب التقدمي الاشتراكي متمسكاً بحكومة حيادية تقود الإصلاح، علماً بأن جميع الأطراف يقومون بما يشبه الاستطلاع وجوجلة المواقف ليُبنى على الشيء مقتضاه مع اقتراب استحقاق الاستشارات النيابية.
وقد أشارت المصادر إلى أنه جرى اتصال بين الرئيس عون والزعيم الدرزي وليد جنبلاط حيث اتفق على زيارة قريبة للأخيرة إلى القصر الجمهوري من دون تحديد موعد.
حزب القوات اللبنانية، بدوره، أكدت مصادره رفض أي حديث عن حكومة وحدة وطنية أو حكومة أقطاب معتبراً أنها جميعها فاشلة وغير مطروحة من جانبه إطلاقاً، بل هناك إصرار من جانب القواتيين على حكومة «حيادية» تقوم بإجراء انتخابات نيابية مبكرة وتدعم تشكيل لجنة تحقيق دولية في انفجار المرفأ فضلاً عن القيام بحزمة إصلاحات، على رأسها إقفال المعابر غير الشرعية ومعالجة ملف الكهرباء، إضافةً إلى التزامها بـ«حياد لبنان». ووفقاً لهذه المعايير حصراً ستقرر «القوات» موقفها.
مجلس النواب اللبناني خسر إذاً ثمانية من نوابه، وعليه إجراء انتخابات نيابية فرعية لملء المقاعد الشاغرة… أحياء العاصمة أشبه بساحة حرب، الدولار مستمر بتذبذباته، بينما جائحة كورونا تزداد تفشياً… مشاكل تعجز دول عظمى عن مواجهتها، فكيف للبنان ذلك البلد الصغير أن يتجاوزها ويتغلب عليها؟
ثمة متفائلون يستشفّون خيراً من الزيارات الدولية والمساعدات العينية، ويرونها بادرة قد تسهم إلى حد كبير في انتشال البلاد من أزماتها، فيما يتوجس آخرون من تلك المساعدات المصحوبة بالسفن الحربية، ويعتبرون أن تطور المجريات ينطوي على شر ومزيد من التوتر في لبنان.
Leave a Reply