كمال ذبيان – «صدى الوطن»
بعد صبر ومعاناة وتمرّد ومعارك عسكرية وحروب ونفي من لبنان والعودة إليه في العام 2005، يخطو العماد ميشال عون الأمتار الأخيرة الى رئاسة الجمهورية.
بعد ثلاثة عقود من الإنتظار، وُعد فيها من دول، ومنها سوريا في عهد الرئيس حافظ الأسد في منتصف ثمانينات القرن الماضي، عندما كان قائداً للجيش اللبناني، في أثناء الحرب الأهلية، التي إنقسم الجيش فيها.
دار الزمن دورته لينتخب العماد عون رئيساً للجمهورية، بعد شغور رئاسي دام حوالي عامين ونصف العام، كان بإمكان الرئيس سعد الحريري الذي وافق على انتخاب عون -وقبله رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي أيّد ترشيح عون بعد أن كان مرشحاً ضده- أن يوفّر الكثير من الأزمات على اللبنانيين الذين يئنون من الضائقة الإقتصادية، وانعدام فرص العمل، وازدياد نسبة الفقر بينهم، إضافة الى شلل في المؤسسات الدستورية، وإن كان الأمن ممسوكاً الى حد كبير.
فالتسوية الرئاسية حصلت، وتلبنن الإستحقاق الرئاسي، بعد 46 عاماً، من أول صناعة لرئيس جمهورية في لبنان، جرت في العام 1970، في انتخابات تنافس فيها الرئيس سليمان فرنجية وحاكم مصرف لبنان آنذاك الياس سركيس، ليفوز فرنجية بصوت واحد. حاول «الشهابيون» تعطيل الجلسة، بعدم تصديق رئيس مجلس النواب صبري حمادة على محضرها، إلا أن النواب المؤيدين لفرنجية، تصدوا له ومنعوه من ذلك، وأعلن عن نتائج الانتخاب.
وبعد أكثر من أربعة عقود، تنافس العماد عون مع المرشح النائب سليمان فرنجية حفيد الرئيس فرنجية، وكلاهما من الخط السياسي نفسه، وينتميان الى ما عُرف بقوى «8 آذار» وحلف المقاومة، إلا أن إدارة المعركة الرئاسية من قبل هذا الفريق، لم تكن سليمة، إذ أعطى «حزب الله» كلمة للعماد عون بأنه سيبقى مرشحاً لرئاسة الجمهورية الى «يوم القيامة»، أو حتى يقرر هو أنه سينسحب. ولم ينسحب.
هذا القرار يعتبره «حزب الله» أنه نابع من إلتزام أخلاقي تجاه العماد عون الذي كان مع تياره السياسي ومناصريه الى جانب المقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي صيف 2006، وأعلن أمينه العام السيد حسن نصرالله صراحة، أننا «سنكون الى جانب حلفائنا، ولن نتركهم في كل الظروف ومهما كانت الأسباب الى يوم الدين». «هذا وعد علينا» قال السيد نصرالله، و«سنكون أوفياء لمن كان وفياً معنا»، وهذا ما أثبته «حزب الله» في دعمه الثابت لترشيح العماد عون، فتحقق «وعده الصادق»، بعد أن انحصرت خارطة طريق سعد الحريري الى رئاسة الحكومة -بعد غياب قسري عنها دام نحو ست سنوات- بمعبر واحد هو الرابية، حيث يقيم الجنرال ليتم التفاهم بينهما حول رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.
أخذ الرئيس الحريري بنصيحة السيد نصرالله، بعد أن كان قد جرّب ترشيح النائب سليمان فرنجية الذي ينتمي الى «8 آذار»، ويعتبر أكثر جذرية من عون في العلاقة مع «حزب الله» والتحالف مع النظام السوري، بل وتربطه صداقة شخصية وعائلية مع الرئيس بشار الأسد، أباً عن جدّ. لكن فرنجية لم ينل دعم بعض حلفائه وتحديداً «حزب الله»، الذي تمسك بمرشحه الأول والأخير فيما لم يفسح عون المجال لفرنجية رغم أنه حظي بدعم حوالي مئة نائب، فبقي الجمود مسيطراً على ملف الرئاسة، بسبب تشبث كل فريق بمرشحه، ورفض «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وحلفاء لهما، تأمين النصاب القانوني لجلسة انتخاب الرئيس، وكان الشرط لحصوله، هو انتخاب عون، والحل هو بيد الرئيس سعد الحريري الذي خاطبه السيد نصرالله مرة قائلاً: «أيّد انتخاب العماد عون، فتنعقد الجلسة في اليوم الثاني، وتفتح طريق السراي الحكومي أمامك».
ترشيح فرنجية
استجاب رئيس «تيار المستقبل» لما اقترحه عليه السيد نصرالله، وفتحت الطريق أمام عون الى بعبدا، فيما يتمسك فرنجية بترشيحه، لأنه «يدافع عن كرامته» كما قال، بسبب عدم انسحاب عون له، والذي خاطبه فرنجية، بأنه حصل على تأييد الحريري وبرّي والنائب وليد جنبلاط ونواب مسيحيين ومباركة بكركي، وتأييد دولي وإقليمي، ولم يعد سواك يقف أمام انتخابي رئيساً للجمهورية، قال فرنجية لعون الذي كان جوابه، إنك مازلت شاباً وأمامك سنوات لابأس بها من العمر، يمكنك أن تصبح رئيساً للجمهورية، أما أنا فقد بلغت الثمانين عاماً، وماذا عساي أنتظر وقد باتت المسافة قريبة جداً، إذا ما واصلت معركة الرئاسة، وقد نلت تأييد «القوات اللبنانية».
أيقن فرنجية أن عون لن يفتح له الطريق، ولو بقيت رئاسة الجمهورية شاغرة لسنوات، كما أن الرئيس الحريري أدرك أن «حزب الله» سيبقى متمسكاً بعون الى أجل غير مسمى، ولن يدعم فرنجية الذي تفهّم موقف الحريري من إنهاء الشغور الرئاسي، وتحريك الملف الرئاسي، لكنه في الوقت نفسه رفض الإنسحاب لعون الذي ظنّ أن ترشيح فرنجية يحلّه «حزب الله» الذي رفض القيام بهذه المهمة.
كما أن فرنجية لم يبحث تأييد عون مع الرئيس برّي الذي شعر بقلق كبير من إتفاق عون مع الحريري، فرئيس حركة «أمل» الذي تمّ استبعاده عن المفاوضات التي جرت بين التيارين «الوطني الحر» و«المستقبل»، رغم أنه يدير طاولة الحوار للوصول الى تفاهم وطني بشأن رئاسة الجمهورية والحكومة المقبلة وقانون الانتخاب، ليتسرّب للرئيس برّي لاحقاً، أن ما طرحه على طاولة الحوار، إتفق عليه كل من الوزير جبران باسيل (ممثلاً عون) ونادر الحريري (ممثلاً سعد الحريري) لكن من دون بقية مكونات المجتمع اللبناني السياسي والطائفي. فكان رفض الرئيس برّي لهذه الثنائية، التي تحدث عنها باسيل، بأن ما اتفق عليه مع نادر الحريري، هو كإتفاق بشارة الخوري ورياض الصلح على صيغة 1943، التي حذّر منها الرئيس برّي، بأنها لم تجلب الى لبنان إلا الأزمات والحروب الأهلية.
انعكست سلبية الرئيس برّي على التفرد العون -الحريري، بأن قرّر أن يكون في المعارضة، فلم يلجأ الى أي عمل سلبي، يؤدي الى تأخير انتخاب رئيس جديد للجمهورية وهو الذي واظب على دعوة مجلس النواب الى 46 جلسة لانتخاب الرئيس، ولم تقاطع كتلته النيابية أي جلسة، وهو الذي أعلن أنه سيمارسه في الجلسة الـ47 للانتخاب، والاحتكام الى صندوق الإقتراع، واستند فرنجية الى تأييد برّي له أيضاً، فاستمر في الترشيح، ليؤكّد على ديمقراطية الانتخاب.
لم يُوفق «حزب الله» في تقريب وجهات النظر بين الأفرقاء في الخط السياسي الواحد، كما لم يقبل أن يطلب من أي من حلفائه انتخاب العماد عون، بل ترك الخيار لهم إما عون أو فرنجية، وذلك كي لا يخلق أزمة داخل الأحزاب وهي موجودة أصلاً بين فريقي «8» و«14 آذار»، حيث يشدّد المسؤولون أن الحلفين تبعثرا تنظيمياً، ليبقى الخط السياسي الذي يؤكّد فرنجية انه باق وملتزم به، سواء فاز عون أو هو، لأن الخط يكون هو الذي فاز، معتبراً أن ما حصل داخل 8 آذار، هو عدم دراية بإدارة الملف الرئاسي.
كيري غير راض
في الجلسة ٤٧ المقررة يوم ٣١ تشرين الأول (أكتوبر) ستحط رئاسة الجمهورية للمرة الرابعة عند عسكري كان قائداً للجيش، وإن كان خارج الخدمة منذ 26 عاماً، حيث من المتوقع أن يتبوأ العماد عون سدّة الرئاسة الأولى، بعد ثلاثة من قادة الجيش هم، فؤاد شهاب (1958)، إميل لحود (1998)، ميشال سليمان (2008)، علماً بأن الرئاسة كادت أن تصل الى قائد الجيش الحالي جان قهوجي الذي كانت أسهمه عالية، لاسيما في واشنطن التي وضع وزير خارجيتها جون كيري ما يشبه «الفيتو» على العماد عون الذي له تاريخ من التوتر مع الإدارات الأميركية المتعاقبة.
فتصريح الوزير كيري عن ترشيح الحريري لعون، أشار فيه الى أنه لا يطمئن لتاريخ عون السلبي من سياسة أميركا، إضافة الى تحالفه مع «حزب الله»، وهو ما أثار شكوكاً حول ما قصده، وكأنه رسالة أميركية ضد انتخاب عون، بالرغم من التصويب الذي حاول المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي توضيحه، بأن بلاده مع ما يقرره الشعب اللبناني، لكن يُفهم منها، أن التعاون مع عهد عون لن يكون سهلاً، حيث صدر في اليوم الذي أعلن الحريري دعمه لرئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» قراراً قضائياً ضد أربعة عناصر وشركة متهمة بالارتباط بـ«حزب الله» في أميركا، كما أصدر مجلس الوزراء السعودي بعد أيام أيضاً، قراراً باستمرار محاربة «حزب الله» الذي ينشر «الإرهاب» كما جاء في البيان السعودي، ليظهر وكأن ترشيح الحريري لعون، لم يحظَ بتأييد دولي ولا غطاء إقليمي، وهذا ما قد يؤثر على انطلاقة العهد الرئاسي الجديد، الذي عليه أن يبدأ بتطبيق الشراكة في الداخل اللبناني، بعدم إقصاء أحد، لاسيما المعارضين لانتخابه، وهذه كانت نصيحة السيد نصرالله للعماد عون عندما إلتقاه، بأن يقوم هو بتصحيح الخلل الذي أصاب علاقاته مع برّي وفرنجية، لأن حدود تدخله معهما، يدخل في إطار التهدئة والإستيعاب وتمرير الإستحقاق الرئاسي، حيث بدأ خطاب الرئيس برّي يهمد، وكذلك النائب فرنجية، ويتطلعان الى مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية، وأين سيتموضع المعارضون، وهل سيشاركون في الحكومة التي من المتوقع أن يكون رئيسها سعد الحريري، وكيف سيتم الإتفاق على قانون الانتخاب الجديد، الذي هو أصل الأزمة، والذي على مضمونه يمكن توقع شكل السلطة المقبلة .
فعون رئيساً للجمهورية بعد 30 عاماً، سيدخل لبنان مرحلة جديدة، كان فيها رؤساء الجمهورية لا يملكون كتلة نيابية ولا حيثية سياسية، فكيف سيحكم عون؟
Leave a Reply