«القوات اللبنانية» خططت وسعت للسيطرة على المناطق فصدتها المعارضةشعر جعجع بأنه قد يُستفرد فقدم اعتذاراً شكلياً وصداماً مع «المردة»
بدأت مكاتب الإحصاء والاستطلاع وآراء الخبراء، عمليات رصد وتجميع معلومات وتحليل نتائج الانتخابات النيابية السابقة ومقاربتها مع ما سيحدث في الانتخابات المقبلة التي ستجري على أساس قانون 1960 الذي سيعتمد القضاء، وهو مغاير للقانون الذي سمي بـ«قانون غازي كنعان» الذي صدر عام 2000 وحصلت الانتخابات في 2005 على أساسه، كما وضع التحالفات، لأنه في الدورة السابقة نشأ تحالف رباعي بين حركة «أمل» و«حزب الله» من جهة، و«تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» ومعهما «مسيحو 14 آذار» من جهة ثانية، باستثناء «التيار الوطني الحر»، وأفرز التحالف الرباعي الذي شكل لوائح خاصة به مع بعض الحلفاء الأغلبية النيابية لقوى 14 شباط التي استلمت السلطة.لذلك فإن الانتخابات في أيار المقبل، ستكون مختلفة عن الدورة السابقة، لأن القانون مختلف والتحالفات قد تتبدل، ولكن يبدو حتى الآن أن الفريقين السياسيين 14 شباط و8 آذار، يؤكدان أن تحالفاتهما ثابتة في الانتخابات، وأن الحديث عن مصالحات لا يبدل من موقف كل منهما، وأن يبقى كل في موقعه وخطه وتحالفاته السياسية، وهذا ما ظهر من خلال تصريحات وبيانات الأطراف التي تحصل بينهما لقاءات، توضع كلها في خانة التهدئة وضبط الأمن ومنع وقوع إشكالات وتطويق الفتن وتنظيم الخلاف السياسي بعيداً عن الاحتكام إلى السلاح، وهذا ما نص عليه اتفاق الدوحة، وأكد عليه المتحاورون في البيان الختامي الذي صدر عنهم على طاولة الحوار في القصر الجمهوري.فالمصالحات لا تعدو كونها فك اشتباك بين المتصارعين سياسياً والذي تحول إلى معارك عسكرية في بعض المناطق، لا سيما بعد 7 أيار الماضي، ومنذ أن تحركت المعارضة على الأرض في تظاهرات واعتصامات وعصيان مدني في بعض الأحيان لتحقيق مطالبها، في تأليف حكومة وحدة وطنية تضمن فيها الثلث، لمنع الاستئثار بالقرار لفريق الأغلبية النيابية الذي انقلب على تحالفاته السياسية والانتخابية.فالانتخابات المقبلة ستكون حاسمة لجهة من سيمتلك فيها الأغلبية النيابية، التي ستتكوّن الحكومة منها والأكثرية داخلها، وستشهد معارك فاصلة في الأقضية، لا سيما المسيحية منها، التي ستقرر نتائجها من سيمتلك هذه الأغلبية: قوى 14 شباط أم 8 آذار. وقد بدأت تظهر على الأرض التحضيرات لهذه الانتخابات التي تستخدم فيها أسلحة المال والإعلام والتحريض الطائفي والمذهبي، ولن يحدّ قانون الانتخاب منها.ولقد كشف رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع، عن توجهه للسيطرة على القرار المسيحي، إذ بشّر عضو كتلته النيابية أنطوان زهرا، بأن القوات ستحصل على أكثر من 14 مقعداً نيابياً في الانتخابات المقبلة، ومن الشمال تحديداً مع بعض مناطق جبل لبنان، لكن التركيز يتم على الأقضية ذات الطابع المسيحي في البترون والكورة وزغرتا وبشري، إذ ثمة مخطط وضعته «القوات اللبنانية» قبل سنوات بإخضاع هذه المناطق لنفوذها، وإقصاء القوى السياسية والحزبية الفاعلة عن التأثير على مجرى الأحداث فيها، وقد ترجمت هذه الخطة بملاحقة أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي في الكورة، الذي له وجود تاريخي فيها، ومرشح دائم في الانتخابات، وأمّن وصول سليم سعادة إلى المجلس النيابي في دورات عدة، وقد ألصقت بالقوميين تهمة امتلاك مخزن أسلحة كُشف عنه، وكان الجيش على علم به، وهو للاستخدام في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكن فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي، قرر أن يكشف عن هذا المخزن من ضمن تهمة محاولة اغتيال بيار الجميل أثناء احتفال لحزب الكتائب في الكورة.نفذت الأجهزة الأمنية ما هو مطلوب منها، واعتقلت عدداً من القوميين، إلا أنها لم تتمكن من إلصاق أي تهمة بهم، وكان القصد توريطهم في أنهم يقفون وراء التفجيرات والاغتيالات، حيث نظمت قوى 41 شباط حملة إعلامية وسياسية، وصولاً إلى قرار كان قد اتخذ بحل الحزب القومي، لكن الضغط السياسي وعدم تجاوب قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان مع الخطة، أحبط محاولة الرئيس فؤاد السنيورة وحلفائه بضرب أحد أحزاب المعارضة، الذي له تأثيره في عدد كبير من المناطق اللبنانية المنتشر فيها، ويستطيع التحرك على الأرض وتحديداً في مناطق الشمال والجبل، وقد كان وليد جنبلاط أكثر المتحمسين مع سعد الحريري لإنهاء نشاط الحزب القومي، وقد وافقهما جعجع وأمين الجميل.وهكذا بدأت محاولات تصفية المعارضة في المناطق المسيحية، انطلاقاً من إضعاف القوميين لأنهم قوة ضاربة في هذه المناطق، لكن تصديهم لهذه المحاولة منع قوى 14 شباط من استكمال مخططها، فتحركت باتجاه «التيار الوطني الحر» الذي ليس لديه ميليشيا، وقد استغل جعجع هذه الثغرة، فحاول بعد إعادة تنظيم قواته وتدريبها وتسليحها، أن يضرب التيار عسكرياً، وقد سعى إلى ذلك في أثناء الإضراب الذي نفذته المعارضة في 23 كانون الثاني من عام 2006، ونزل بالسلاح وأطلق النار على المعتصمين والمتظاهرين، كما فعل الحزب التقدمي الاشتراكي في الجبل مع عناصر الحزب القومي و«تيار التوحيد» برئاسة الوزير السابق وئام وهاب، ولكن لم تنجح محاولات ميليشيات السلطة، فتصدى «تيار المردة» لهم في الشمال، والقوميون في عكار وبعض مناطق الجبل، وتدخل الجيش ليمنع «القوات اللبنانية» من أن تعيد إخضاع المناطق الشرقية لسيطرتها، وقد اكتوت المؤسسة العسكرية بما أصابها من الميليشيات بقتل ضباطها وجنودها وخطفهم والاستيلاء على سلاحهم ومحاصرة ثكناتهم.ويبدو أن «القوات اللبنانية» لم تتراجع عن خطتها في السيطرة على المناطق ذات الكثافة المسيحية، وهذه المرة تحت شعار «وحدة القرار المسيحي» وراء الثوابت المسيحية التي هي مقررات سيدة البير التي صدرت في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، ودعت إلى التقسيم وقيام «لبنان الفدرالي»، وأدى ذلك إلى خروج الرئيس سليمان فرنجية من «الجبهة اللبنانية»، وقد دفع ثمن موقفه الوطني والوحدوي والرافض للتعامل مع العدو الإسرائيلي بارتكاب «القوات اللبنانية» مجزة إهدن، التي امتنع سمير جعجع عن الاعتذار عن دوره فيها بالاسم، بل اعتذر عن مخالفات ارتكبتها «القوات اللبنانية» أثناء قيامها بـ«واجبها الوطني»، ومن ضمن الواجبات، اغتيال الرئيس رشيد كرامي وداني شمعون وعائلته والياس الزايك والعميد خليل كنعان وتصفية العناصر التابعة لإيلي حبيقة إلخ….واستعادة جعجع لما يسميها الثوابت المسيحية التي هي أدبيات «الجبهة اللبنانية» السياسية أثناء الحرب الأهلية، تشير إلى أنه ما زال عند مشروع التقسيم الذي كان السبب في انقلابه على اتفاق الطائف، بعدما سلّم به نتيجة التغيير الذي حصل في موازين القوى الداخلية، وهو اليوم يعود إلى المشروع السياسي الأصلي الذي كان سبب بلاء المسيحيين، وتهجيرهم وقتلهم، وهو أحرج حلفاءه بهذا الطرح وتحديداً سعد الحريري، رغم أنه انبهر باعتذاره، وما كشفه جعجع في خطابه بذكرى شهداء قواته من مواقف سياسية، لا سيما لجهة الهجوم على العماد عون والوزير سليمان فرنجية، واتهامهما بأنهما حليفان للمقاومة وسوريا، يؤكد أن اعتذاره كان شكلياً وناقصاً وملتبساً، ولا يوصل إلى المصالحة، لا بل يأخذ المسيحيين إلى مزيد من التشرذم والانقسام، وهو حاول أن يلعب اللعبة الطائفية، لعله يستميل المسيحيين الذين تغيّر مزاجهم، وتبدلت المفاهيم عندهم، فأصبح العداء لإسرائيل في قاموسهم، ولم يعد ينفع رفع الشعارات المعادية لسوريا، ولا التشهير بالمقاومة التي حققت انتصارات على إسرائيل، وأكدت في تعاطيها الداخلي أنها حريصة على السلم الأهلي والوحدة الوطنية.ومع الفشل الذي أصاب جعجع ومسيحيي 41 شباط في رفع شعارات استخدمت في أثناء الحرب، والتي بدأت تقلق وليد جنبلاط الذي انتبه إلى عودة الخطاب الانعزالي والعنصري لدى «القوات اللبنانية» والكتائب، ورأى أن المسيحيين حلفاءه أصبحوا عبئاً عليه، شعر جعجع بأنه قد يُستفرد في المناطق المسيحية وأنه قد لا تحصل تحالفات معه في الانتخابات، وهذا ما أعلنه أكثر من طرف مسيحي كالنائب السابق منصور غانم البون في كسروان وأمين الجميل في المتن الشمالي، فقرر أن ينتزع التمثيل المسيحي بالقوة، وأن يثبت أنه الأقوى على الأرض، فقام بحملة تعبئة إعلامية وإعلانية للمهرجان السنوي لشهداء القوات في جونيه، لكن الحشد البشري جاء معاكساً للتحضيرات، إذ لم يحضر سوى 51 ألف مواطن، وهذا هو الحجم الحقيقي للقوات التي تشير استطلاعات الرأي إلى أنها لن تفوز في الانتخابات سوى بمقعدي بشري، وقد تحصل مفاجأة، إذا ما توحدت عائلات بشري، بأن لا يفوز أي مرشح للقوات، التي كان الحضور الغالب في مهرجانها هو من قضاء بشري وبعض مناطق الشمال، وعدد قليل من المناطق الأخرى.ولقد حاول جعجع، بعدما أظهرت له الاستطلاعات أن الحشد لن يكون كبيراً في المهرجان، افتعال صدام مع «تيار المردة» في الكورة، حيث سقط شهيد للتيار، هو يوسف الشاب فرنجية (أبو جو)، وقتيل «للقوات اللبنانية» وثلاثة جرحى، بينهم مرافق النائب فريد حبيب وهو عنصر من قوى الأمن الداخلي في بصرما حيث كشف عن دور مكشوف لهذه العناصر التي تنتمي الى احزاب السلطة وتتدخل في السياسة، وهو ما دفع بالمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي الى التنبيه من التدخل في السياسة ومشاركة الاحزاب نشاطها. وقد تعاطى الوزير سليمان فرنجية بحكمة ووطنية مع الحادثة ووضعها بيد القضاء، فيما رد جعجع بمزيد من التصلب ورفض أي تهديد، وقد انعكست الجريمة عليه في انخفاض الحضور، وهو كان يريد أن تشكل له عصبية حاول أن يظهرها ليخلق فتنة بين بشري وزغرتا، لكن فعاليات بشري برئاسة النائب السابق جبران طوّقت هذه المحاولة.وهكذا يفشل مخطط «القوات اللبنانية» في السيطرة على المناطق المسيحية بالترهيب، لأن الجيش لن يسمح بذلك، كما أن الظروف السياسية والمناخ الشعبي مختلفان عن فترة السبعينيات، وثمة رفض لعودة الميليشيات التي ذاق منها المسيحيون كما اللبنانيون الأمرّين، كما أن طروحات التقسيم لم تعد تغري المسيحيين، ولم يعد الخطاب الطائفي يجذبهم، بعدما أظهر التفاهم بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» أنه يؤسس لمناخ وطني ينتج وحدة وطنية على ثوابت وطنية تقوم على العداء لإسرائيل ومقاومة أي عدوان لها على لبنان والتكامل بين الجيش والمقاومة، وقيام الدولة القوية القادرة العادلة، التي تحكمها المؤسسات لا المحسوبيات والفئويات.
Leave a Reply