المجاعة بدأت قبل سنوات فـي لبنان وتصاعدت مع انتشارها فـي العالم
الحكومات المتعاقبة استنزفت مدخرات اللبنانيين طيلة 15 سنة
المجاعة التي تلف العديد من دول العالم، وتهدد بحرب غذائية، لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بإرتفاع اسعار النفط وتدهور سعر الدولار، والنمو الذي احرزته الصين في اقتصادها وبلغ نسبة 9 بالمئة وكذلك الهند، مما فرض عليهما استهلاكاً اكثر للمواد الغذائية.
ولبنان البلد المستورد لأكثرية حاجياته، بعد تراجع زراعته، وعدم وجود صناعة واسعة وقوية، تأثر بالأزمة العالمية، وارتفعت اسعار مواده الغذائية، بنسبة تفوق الـ55 بالمئة خلال الاشهر السبعة الاخيرة، وفق الدراسات الاقتصادية، مما افقد اللبنانيين قدرتهم الشرائية، وقد خسروها بفعل ارتفاع الرسوم والضرائب وتجميد الرواتب في القطاعين العام والخاص، وما زاد من الغلاء، ارتفاع سعر النفط، ووصل سعر صفيحة البنزين الى 30 الف ليرة، وهي مرشحة للزيادة مع تصاعد سعر البترول، بحيث بات الحد الادنى للأجور يساوي عشر صفائح بنزين وثمانية صفائح مازوت، مما رفع من حالة الفقر الى مستوى 40 بالمئة، وتقهقر الطبقة الوسطى، التي سبق وتراجع وجودها كثيراً في السنوات العشرين الاخيرة.
فلم تعد الرواتب والاجور تكفي الطبقتين الوسطى والفقيرة، وان الاخيرة وصلت الى خط الجوع، وان تقارير احصائية اشارت الى ان الاف العائلات تعيش على وجبة واحدة، وان مئات العائلات دخلها اليومي لا يزيد عن 5 دولارات اي ما يعادل السبعة آلاف ليرة لبنانية، وان من يقبض الحد الادنى للأجور، فإن دخله اليومي عشرة آلاف ليرة لبنانية، وهذا الدخل مجمد منذ 21 سنة، اذ كانت آخر زيادة للأجور في العام 1996، حيث بدأ الوضع الاجتماعي والمعيشي للمواطنين يتدهور منذ العام 1995، بسبب سياسة المديونية التي لجأت اليها حكومات الرئيس رفيق الحريري، وبفوائد عالية وصلت الى 5,24 بالمئة من خلال سندات خزينة، مما عطّل الاستثمارات في القطاعات الانتاجية، وتحوّل الرأسمال الى المصارف التي جنت من الفوائد مبالغ ضخمة بلغت حوالي 16 مليار دولاراً واكثر، مما رفع من خدمة الدين الذي تسبب بعجز في الموازنة بنسبة 45 بالمئة فكانت الحكومات الحريرية المتعاقبة من خلال وزير المالية فؤاد السنيورة، تلجأ الى فرض الرسوم ورفعها مع الضرائب، التي اكلت من موازنة العائلات اللبنانية الفقيرة والمتوسطة.
هذه الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمديونية المرتفعة، جرت محاولات عديدة لمعالجتها، عبر مؤتمري باريس الاول والثاني واصدقاء لبنان، ولكن لم تفلح كلها في انقاذ لبنان من ازماته، وزاد من تفاقمها خلال السنوات الثلاث الاخيرة الازمة السياسية التي تفاقمت مؤخراً وسدت الحلول بوجهها، فنتج عنها فراغ في رئاسة الجمهورية، وقبلها فقدان الحكومة لشرعيتها، فلم يفتح امامها مجلس النواب.
هذه التطورات فاقمت ايضاً من الازمة الاقتصادية والاجتماعية، والتي صاعد منها ايضاً العدوان الاسرائيلي في صيف 2006، والخسائر المادية والبشرية التي الحقها بلبنان، وبدلاً من ان يكون الانتصار الذي حققته المقاومة على اسرائيل والحاق الهزيمة بجيشها الذي لا يقهر بإعتراف تقرير لجنة «فينوغراد» الاسرائيلية، مناسبة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، والتأسيس على هذا الانتصار والاستفادة منه، فان الفريق الحاكم، حمّل المقاومة مسؤولية ما تسببه العدوان الاسرائيلي الذي اثر على الاقتصاد ثم عاد فحمّل المعارضة مسؤولية الازمة الاجتماعية نتيجة تحركها الشعبي والاعتصام الذي نفذته في احدى ساحات الوسط التجاري، وحاولت قوى السلطة تضليل اللبنانيين، بأن سبب ازمتهم هو هذا الاعتصام الذي ضخمت السلطة الخسائر التي يتسببها، ومنذ الاول لحصوله، فتحدث وزير المال جهاد ازعور عن خسارة يومية بـ300 مليون دولار، فرد عليه وزير المال السابق الياس سابا، بأن ارقامه غير صحيحة، وان خسائر اصابت بعض اصحاب المطاعم القريبة من مكان الاعتصام فقط، وهي لا تحتسب بما تسببه المربعات الامنية للزعماء والسياسيين في اكثر من منطقة في بيروت، بسبب الاجراءات الامنية.
ولم تستجب الحكومة الحالية، لمطالب الاتحاد العمالي والنقابات المهنية ولا لرابطة اساتذة الجامعة اللبنانية والاساتذة الثانويين والمدرسين لاسيما المتعاقدين منهم اضافة الى الفلاحين والمزارعين والسائقين، فحصل اكثر من اضراب تحذيري، ولم يرد السنيورة على المطالب، وعمد الى تشجيع الانقسام داخل الاتحاد العمالي لتفشيل تحركه، فتم انشاء ما سمي «هيئة الانقاذ النقابية»، وهي تمثل الاحزاب الموجودة في السلطة، وليست منتخبة من قبل النقابات، وبدأ السنيورة مع وزرائه المختصين معالجة الازمة بالمسكنات فإقترح زيادة مئة الف ليرة على الاجور، ومع ازدياد الضغط العمالي رفع الحد الادنى للأجور الى خمسماية الف ليرة اي بزيادة مئتي الف ليرة، فلم يقبل الاتحاد بهذا القرار الذي اعتبره حبراً على ورق ولن يأخذ طريقه الى التنفيذ، وهو بعيد عن الحد الادنى للأجور الذي طالب به الاتحاد وهو 960 الف ليرة، مع حوافز تتعلق بالمساعدات والضمانات الاجتماعية.
هذه الزيادة، رفضها الاتحاد العمالي العام، وواصل تحركه لتحقيق مطالبه فدعا الى الاضراب والتظاهر، لكن رد السلطة كان بتحريك احزابها فتصدت بالسلاح والقنابل، ورمت المتظاهرين بالنار، في ظل احتقان مذهبي وتشنج سياسي، ترافق مع الحملة المنظمة ضد المقاومة وقرارات الحكومة ضدها فيما يتعلق بشبكة الاتصالات، واقالة العميد وفيق شقير قائد جهاز امن المطار واتهامه انه يسهل تحرك المقاومة، حيث شعرت القيادات الشيعية ان طائفتهم مستهدفة في وجودها، وهو ما رفع من منسوب الخطاب التصعيدي، فخرجت احزاب الطائفة الشيعية «امل» و«حزب الله»، الى رفض قرارات الحكومة الاقتصادية والاجتماعية وتلك المتعلقة بالمقاومة، فإختلط الاضراب النقابي والعمالي مع السياسي، وهو ما دفع بـ«تيار المستقبل» الى مواجهة المتظاهرين، ووقعت صدامات بالحجارة واشتباكات بالاسلحة واقتحام ومكاتب ومساكن، مما وضع شوارع بيروت واحيائها، تحت مظلة الحرب الاهلية، وهذه المرة من نافذة الصراع السني-الشيعي، ورسمت خطوط تماس بين الاحياء ذات الكثافة السنية كطريق الجديدة والشيعية كمنطقة بربور والنويري.
وهذا ما كانت المعارضة وعلى رأسها «حزب الله» و«امل» تحاولان الهروب من شرب هذه الكأس المرة، التي حاولت التصدي لها سياسياً من خلال التحالف الرباعي في الانتخابات النيابية، ثم في الحكومة.
لقد كانت تظاهرة واضراب الاتحاد العمالي، مدخلاً لتتحول الى رفع المطالب الوطنية للمعارضة، التي تؤكد على الوفاق الوطني، من خلال انتخاب رئيس للجمهورية بالتوافق، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وحماية المقاومة.
Leave a Reply