يزور ديترويت لافتتاح المؤتمر السنوي الـ50 «لاتحاد رام الله الاميركي»
رئيس اساقفة القدس المطران عطا الله حنـّا لـ«صدى الوطن»:
لا توجد قوة في العالم قادرة على اقتلاعنا من جذورنا العربية والمسيحية
ديربورن – خاص «صدى لوطن»
مرّ على مدينة ديترويت مرّ السحاب في زيارة سريعة لكنه امطر في عبوره فضاء اكبر جالية عربية اميركية في الولايات المتحدة مواقف عزّ سماعها على لسان رجل دين او سياسة في هذا الزمن العربي الرديء. إنه مطران العرب الارشمندريت العروبي المقاوم بالكلمة رئيس أساقفة سبسطية للارثوذكس الدكتور عطاالله حنّا. والصوت الصارخ في برية العالم بحق شعبه الفلسطيني بالحرية والكرامة والعودة الى دياره التي شرد منها منذ ستين عاماً.
في محياه تضيء هالة المسيح النورانية وفوق جبهته يتراءى لك اكليل الشوك الذي غرسه الفريسيون في رأس الناصري وفي زرقة عينيه تموج شواطئ حيفا وعكا ويافا وعلى شفتيه يستحيل الكلام انشودة ثورة تبشر بالحرية لشعب طال انتظاره لها واستطالت عذاباته على درب جلجلتها.
بقامته الفارعة وعصاه مشى حارس زيتون الرامة في ردهات المركز الاسلامي في اميركا ووقف عند باب المصلى الكبير مصرحاً: لست غريباً على المساجد وأنا الذي ابنت المقاوم الفلسطيني الكبير فيصل الحسيني على منبر المسجد الاقصى. كلام كثير ينضح بالرفض لكل انواع الظلم انساب على لسان هذه الايقونة المسيحية العربية بلغة ضاد سليمة من اللحن، رقراقة صافية، تهبط على الاسماع والقلوب كما الندى في هجير الصحارى.
جلس في مكتب امام المركز الاسلامي مصغياً الى عبارات الترحيب والثناء التي خصه بها السيد حسن القزويني بحضور بعض الاعلاميين والوفد المرافق وفعاليات، رد مخاطباً السيد القزويني والحضور: اتمنى عليكم عندما تتحدثون عن القدس ان تذكروا وتبرزوا البعد المسيحي، فهنالك مقدسات مسيحية في القدس وهنالك مسيحيون وهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، والقدس بالنسبة لنا هي القبلة الوحيدة، ليس لدينا ما هو اقدس من القدس وبيت لحم والناصرة.
فليبرز المسلمون البعد الروحي المسيحي لهذه المدينة.
«لا يجوز اختزال القضية الفلسطينية كقضية سياسية فقط..» انها قضية حضارية وانسانية واخلاقية وفيها البعد الروحي لانها تحتضن المقدسات المسيحية والاسلامية..».
«نحن نرفض التطرف» اضاف المطران عطا الله حنّا. «انا انادي دائماً بحوار الحضارات ولا اؤمن بصراع الحضارات والديانات التي يمكنها ان تلتقي وتتعاون خدمة للقضايا الانسانية وفي مقدمها قضية فلسطين». «يؤلمني انهم، وللاسف في بعض الدول يتحدثون عن التطرف الاسلامي وربطه بالارهاب وهذا مرفوض لان الارهاب لا دين له. ومن يتحدث عن الارهاب فلينظر الى ما تقوم به اسرائيل فإذا كان هنالك ارهاب فهذا هو الارهاب الحقيقي».
ردّ المطران حنّا على سؤال لـ«صدى الوطن» عن اشكالية العلاقة بين الكنيسة الشرقية المقدسية والسلطة البطريركية اليونانية وعن ظروف فرض الحرم الكنسي عليه قبل نحو عام وكيف تم التراجع عن هذا الحرم واعادة الاعتبار الى منصب المطران العروبي على رأس الكنيسة المقدسية.
إلتمع في عينيه بريق من الامل والغضب واجاب «كل انسان يدافع عن قضية وينادي بالحق وبالعدل يجب ان يتوقع ان هذه الطريق لن تكون مغروسة بالورود. اضاف بحزم: اود ان اؤكد لك بأنه لا توجد قوة في العالم مهما طغت قادرة على اقتلاعنا من ارضنا وجذرونا ومقدساتنا.
وأكد الاب حنّا ان المسيحية الحقة هي تلك التي تناصر الشعب الفلسطيني اما المسيحيون الصهاينة فهؤلاء هرطقة بالنسبة الينا ولا نعترف بمسيحيتهم لانه لا يمكن ان يكون المرء مسيحياً وصهيونياً في آن واحد فهنالك تناقض بين ما تنادي به الصهيونية وما تنادي به المسيحية، المسيحية ديانة اما الصهيونية والتي نفرق بينها وبين اليهودية فهي حركة سياسية عنصرية هدفها اقتلاع العرب. اضاف نحن يومياً واسبوعياً نستقبل وفوداً اميركية في القدس. وفي كثير من الاحيان نلتقي بمن يسمع لاول مرة بما تقوم به اسرائيل. نأخذهم الى الجدار العنصري الذي بنوه ونبين لهم الظلم والمعاناة اللاحقين بشعبنا الفلسطيني. وللاسف الاعلام يروج لمعلومات مغلوطة يبرز الفلسطيني كأنه ارهابي ومجرم ومخيف بينما القاتل الحقيقي هو من ينكل بالانسان ويعتدي على كرامته.. اضاف اريدكم ان تعرفوا شيئاً ان كنيستنا هي ليست كنيسة متضامنة مع الشعب الفلسطيني فقط. نحن نعتبر قضية فلسطين قضيتنا.
وفي القاعة الكبرى للمركز الاسلامي التي انتقل إليها الاب حنّا رحب به الزميل اسامة السبلاني بكلمات وجدانية واصفاً إياه «بمطران العرب» ومعبراً عن فخر الجالية العربية في ديترويت في استضافته كرجل يحمل هموم وقضية شعبه الفلسطيني ويدافع عنها بكل شجاعة مستهتراً بكل الصعاب والمشاكل التي تثار بوجهه والتي وصلت الى حدّ سجنه.
اما امام المركز السيد حسن القزويني فقد اعاد التأكيد في كلمة ترحيب بالضيف الفلسطيني الكبير والوفد المرافق على الروح المسيحية الاصيلة التي يجسدها المطران حنّا منوهاً بمواقفه الشجاعة والمنطلقة من التعاليم المسيحية السمحة التي تدعو الى المحبة ولكنها ترفض الظلم ومؤكداً بأن المسيح (ع) لو كان بيننا لإنحار بالتأكيد الى قضايا المظلومين وهو الذي كرس حياته لخدمة الفقراء ولم يبن قصوراً او دوراً او يتلذذ بمباهج الدنيا.
وألقى الاسقف حنّا كلمة معبرة شكر في مستهلها المركزالاسلامي والحضور وقال انه ليس من الغريب ان يقوم بزيارة الى مسجد بل ان الغريب ان لا يفعل ذلك.
واضاف عندما دعيت الى هذا اللقاء لم اتردد لحظة في تلبية هذه الدعوة الكريمة فنحن، مسيحيين ومسلمين، نعبد الهاً واحداً وان اختلفت طرائق ومناهج عباداتنا، لكن الذي يجمعنا يبقى اكبر بكثير مما يفرقنا.
واستشهد الاب حنّا على عمق الروابط بين الديانتين المسيحية والاسلامية بالحدث الشهير الذي شهده القرن السابع الميلادي عندما وصل الخليفة العادل عمر بن الخطاب الى بيت المقدس فكان في استقباله البطريرك العربي المشرقي سوفرونيوس فتحادثا بلغة الضاد وزار الخليفة بن الخطاب كنيسة القيامة وعندما حان وقت الصلاة همّ بالخروج رافضاً طلب البطريرك ان يصلي في الكنيسة خشية ان يقول المسلمون لاحقاً هنا صلى الخليفة عمر فيعتبرونها موقعاً اسلامياً.
اضاف الاب حنّا: نحن نفتخر بوحدتنا المسيحية – الاسلامية ونفتخر بمدينة القدس عاصمتنا وانا تعرضت للاضطهاد والاعتقال والتحقيق مثلما يتعرض ابناء شعبنا الفلسطيني واود منكم ان تنقلوا هذا الكلام وان تنشروه.
لا توجد قوة في العالم قادرة على منعنا من الصراخ في وجه المحتل الغاصب والمطالبة بتحرير الارض والانسان ولا اي قوة قادرة على اقتلاعنا من جذورنا القومية العربية ومن جذورنا المسيحية الاصيلة، مسيحية المسيح الذي كان نصيراً للحزانى المكلومين والمعذبين. واسرائيل تمتلك القوة العسكرية والاقتصادية ومدعومة من جهات كثيرة ولكنها لا تملك قوة الحق الذي سينتصر مهما. طال الظلم فنحن اصحاب الارض الاصليين واسرائيل تريدنا غرباء ونحن نقول لها ولغيرها اننا في وطننا لسنا غرباء ولا طارئين ولا عابري سبيل، جذرونا مثل شجرة الزيتون. وانا ولدت في قرية اسمها الرامة مشهورة بزيتونها الضاربة جذروه في اعماق الارض. لن تتمكن لا اسرائيل ولا غير اسرائيل من ابعادنا واقتلاعنا عن قدسنا ومقدساتنا.
تابع: يحدثوننا عن السلام وانا اقول بأن السلام شيء والاستسلام شيء آخر. نحن مع السلام لكننا لا يمكن ان نقبل بأي حلول لا تعيد الينا القدس ولا تعيد اللاجئين الى ارضهم وديارهم وحق العودة هذا لا يقل اهمية عن حقنا في القدس، فما فائدة المقدسات بدون المقدسين، بدون الناس. نريد ان تتحرر المقدسات والقدس ولكن نريد ايضاً ان يعود الفلسطينيون الى ديارهم.
وتوجه الى الحضور: اختم قائلاً ان الفلسطينيين متمسكون بحقوقهم وبارضهم وهويتهم والمسيحيون وان صاروا قلة بفعل ممارسات الاحتلال إلا انهم سيبقون ملح تلك الارض وخميرتها وهم في قلب كل نشاط وفي كل عمل وطني ومخلصون لهويتهم الروحية والوطنية.
ثم خاطب السيد القزويني: سماحة السيد يسعدني ان اقدم لك شيئاً من القدس وانت محب للقدس. اقدم لك صورة القدس منحوتة على هذه اللوحة وان شاء الله يأتي اليوم الذي تزورون فيه القدس بعد تحريرهاوبعد ان ترفع الراية العربية فوق كل مقدساتها.
وختم: كل التحية لشهداء فلسطين والامة العربية وكل التحية لاسرانا وعلى رأسهم الاسير الذي نعتبره فلسطينياً سمير القنطار الذي سيخرج الى الحرية قريباً مثلما سيخرج مروان البرغوتي وللمقاومين والاحرار وللجالية العربية ولكل من اتى الى هذا اللقاء.
وقد تفاعل الحضور مع هذا المشهد بعاصفة من التصفيق ووقفوا تحية للمطران حنا الذي ستظل زيارته للمركز الاسلامي رغم تواضع عدد الحضور بسبب سرعة التحضير والزيارة علامة مشرفة في سجل العلاقة المسيحية – الاسلامية العربية في هذا المغترب الاميركي الى امد بعيد.
والقى ممثل المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في اميركا السيد ابراهيم السيد صالح كلمة بليغة مؤثرة اثنى فيها على المواقف الوطنية والمسيحية الحقة التي يتبناها مطران القدس مستعيداً ذكرى النكبة والاحتضان الذي لقيه المشردون من ارضهم في فلسطين الى جبل عامل في لبنان ومستشهداً بالشعار الاثير للامام المغيب السيد موسى الصدر: «تأبى القدس أن تتحرر إلا على ايدي المؤمنين».
وجدير بالذكر ان المطران الدكتور عطا الله حنّا توجه من المركز الاسلامي الى فندق حياة ريجنسي لافتتاح اعمال المؤتمر الوطني السنوي الخمسين لاتحاد ابناء رام الله في الولايات المتحدة والذي يستغرق عدة ايام.
Leave a Reply