لا صفة رسمية لرجل الأعمال السوري رامي مخلوف الذي أمضى مراسل “نيويورك تايمز” آنتوني شديد نحو ثلاث ساعات في مكتبه الفاخر في قلب العاصمة السورية دمشق، مطلع الأسبوع الماضي، مستطلعا آفاق الوضع السوري على وقع الاحتجاجات التي تشهدها سوريا منذ نحو شهرين.
لكن ما يوحي به كلامه لمراسل الصحيفة عن معادلة “إذا لم يكن استقرار هنا (في سوريا) فلن يكون استقرارا أبدا في إسرائيل”، هو أن الرجل الملياردير الذي يقبض على ناصية الاتصالات في بلده ويرتبط بقرابة دم مباشرة مع عائلة الرئيس السوري (ابن خاله)، هو أنه يتحدث من “أجواء العائلة” ويتكئ على تكتيك متداول على نطاق واسع في وسائل الاعلام العربية والعالمية وهو ان بقاء النظام السوري بتركيبته الحالية هو حاجة أميركية وبالتالي إسرائيلية لحفظ الاستقرار الاقليمي.
كان بالامكان وضع كلام مخلوف في خانة “زلة اللسان” لو أن مصدرا رسميا سوريا خرج لينفي ما جاء على لسان الرجل الأكثر حظوة لدى النظام الذي يحرص على اظهار وجه الممانعة الأخير لإسرائيل، ويعتنق ومؤيدوه بقوة فلسفة مفادها أن ما تتعرض له سوريا حاليا يرتبط بمؤامرة خارجية تستهدف دورها الممانع كآخر قلعة في وجه الهجمة الاسرائيلية على المنطقة، وكسد أمام مشاريع التسوية الاستسلامية التي تحاول اسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤهما الغربيون فرضها على العرب.
ليس من الواضح لماذا اختارت “نيويورك تايمز” رامي مخلوف بالتحديد، للحديث عن الأوضاع في سوريا، ولماذا تحدث الرجل على سجيته مطلقا هذا التحذير الذي أقل ما يقال فيه أنه “أرعن” ويفتقر الى أدنى حسن وطني سوري يحتاج الرئيس بشار الأسد الى اظهاره في مواجهة الأزمة غير المسبوقة التي تعصف بنظامه.
رامي مخلوف تكلم بحس رجل الأعمال والثري الذي لا يرى الوطن إلا في حقيبته وحسابه المصرفي ومن منظور مصالحه الشخصية، وأساء الى الموقع الذي تمثله سوريا ويمثله رئيسها بالنسبة للشعب السوري ولكل الشعوب العربية في ظروف بالغة الدقة. أراد مخلوف أن يكحلها فعماها، كما يقول المثل اللبناني-السوري.
ثمة حقيقة لا لبس فيها مفادها أن عدم الاستقرار في سوريا ينسحب بالتأكيد على عدم الاستقرار في جوارها اللبناني والعراقي والأردني والتركي (وما أدراك ما التركي؟) لكن إبداء الحرص، وإن غير المقصود، على الاستقرار الاسرائيلي، ولو من باب النداء اليائس في دعوة أميركا الى التعقل وتخفيف الضغط على الرئيس والنظام “كي لا يفعل ما لايسعده أن يفعله” لا يخدم للنظام ولرئيسه بشار الأسد أية قضية.
لقد فات مخلوف أن استقرار سوريا هو مصلحة سورية داخلية بالدرجة الأولى، وقبل أن يكون “مصلحة” أميركية أو إسرائيلية، فأهمل إبداء الحرص عليها، ربما لأن الرجل لا يأبه بما يفكر به السوريون ومنهم جزء لا يستهان بحجمه لايزال يرى في بشار الأسد رجل اصلاح ويريد صادقا إعطاءه الفرصة للاصلاح والتغيير.
ولعل “الحجة” غير الحيكمة التي قدمها رامي مخلوف لاقناع الادارة الأميركية بجدوى بقاء النظام بصورته الحالية والتي بناها على معادلة أن الاستقرار السوري هو مصلحة اسرائيلية، هذه “الحجة” هي ما يتوجب أن تشكل حافزا إضافيا للرئيس بشار الأسد لنفض الغبار عن نظامه والانتقال به من مرحلة الحكم بالأمن والمال الى الحكم بالسياسة وهي فرصة لاتزال متاحة بقوة أمامه، اذا أحسن الاستفادة منها.
من يخرج ليقول لرامي مخلوف إن عدم الاستقرار في اسرائيل هو مصلحة سورية وعربية؟ وان تطبيق سلة الإصلاحات التي أقر بها الرئيس نفسه ووعد بالعمل على تنفيذها، يبقى أهم، حتى بالنسبة للأميركيين –على خلاف ما يظن البعض- من أن يقتات النظام على لعبة التوازنات الاقليمية التي تثبت التطورات المتسارعة بصورة دراماتيكية في المنطقة العربية أنها عرضة للتقلبات.
كان على رامي مخلوف أن يسأل نفسه: ماذا نفع إرث “كامب ديفيد” الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي يمثل وزوجته وولداه هذه الأيام أمام القضاء المصري في تهم تفيد إحداها أنه قد باع الغاز المصري الى إسرائيل بأقل من السعر العالمي! وهل استطاعت أميركا الحفاظ على مبارك ونظامه، وهو أهم حليف لها في المنطقة العربية فضلاً عن صلته المتينة مع إسرائيل؟
المطلوب من السيد مخلوف أن يخشى على سوريا، لا على إسرائيل!
وهذا ما نظنه ببشار الأسد الذي يبدو أن في فمه ماءٌ كثير.
Leave a Reply