بقلم: فاطمة الزين هاشم
تصادفنا خلال اندماجنا وتوغّلنا في أغوار المجتمع الذي نحيا بين ظهرانيّه، العديد من الظواهر السلبيّة التي تترك وراءها آثاراً مدمّرة، سواءً على مستوى الأفراد أو على كيان المجتمع نفسه، وهنا أطرح واحداً من الأمثلة السلبيّة التي صادفتها عبر رِحلة التوغّل بين الناس الذين نرى أشكالهم دون النظر إلى العمق المأساويّ الذي يحيون بين تلافيفه.
أعجب الشاب (م) بالفتاة المطلّقة (س)، وجمع الحبّ قلبيهما، فقرّرا عزمهما على بناء عشّ الزوجيّة، حيث خطّطا ليجمعهما في ظلال أفيائه، ويعيشا كباقي البشر، لم يشكّل طلاق الفتاة حجر عثرة أمام العريس من أجل أن يمضي في الشوط الذي اختطّه إلى الأقصى، ولم يتذمّر أو يعترض على وجود أبناء الزوجة المرتقبة بصحبتها في إضمامة بيت الزوجيّة الموعود، بل على العكس، فقد أبدى كلّ الإستعداد لمعاونتها ومساعدتها على رعايتهم وتنشئتهم وإنجاب إخوة جدد لهم، لينعموا بالسعادة العائليّة، غير أنّ القدر السيّء الذي اتّخذ من النظرة الخاطئة أساساً للتعامل مع هذه الحالة الإنسانيّة، كان يقف بالمرصاد أمامها، حيث تدخّل أهل العريس وخاصّة أخواته، فأبدوا اعتراضهم على هذا الزواج الغير مناسب في رأيهم، إذ ما إن طلبت العروس الصداق الذي أجازه لها الشرع الإسلاميّ، حتّى وصل الأمر بإحدى أخوات العريس درجة من الإستهانة بحيث قالت (إن هذه الفتاة مطلّقة، ومهرها لا يساوي دولاراً واحداً)، فلتتصوّروا مقدار هذه التسعيرة في إذلال إنسانيّة تلك الإنسانة البريئة لمجرّد أنّ القدر قادها إلى خانة المطلّقات! رغم أنّ الكرامة لا تعادل بكلّ أموال الدنيا.
هنا يستدعي السؤال، في عمليّةٍ ممكنة لتبادل الأدوار، لا سيّما وأنّ تجاربنا مع الحياة الإجتماعيّة قد عوّدتنا على حدوث مثل هكذا مفارقات، أنّ تلك الأخت لو كانت مكان هذه العروس، هل كانت ترتضي لنفسها ما قالته عن غيرها؟ أو ترتضي لأختها أو ابنتها مثل ذلك؟ أليس من الممكن أن تصبح هي مطلّقة فتكون في داخل دائرة مثل هذا الموقف؟ ثمّ أليست المطلّقة إنسانة لها كامل الحقّ في إعادة استئنافها لحياتها من جديد؟ أم أن تقترح الأهواء المجّانيّة في وجوب إيقاع الحدّ الخاطئ بأن تتوقّف الحياة لديها عند الطلاق؟ فإذا كانت التجربة الأولى في الحياة الزوجيّة فاشلة، فمن بإمكانه القطع بأن تكون التجربة الثانية رديفاً للأولى؟ أليس من الممكن أن تكون المطلّقة هي المظلومة والمجني عليها دون أن تكون إلى جانبها مبرّرات البراءة؟
انّ المجتمع بوجهٍ أو آخر، قد ساعد على بلورة مثل هكذا نظرة إلى المطلّقات، حيث نجد أنّ نفس هذا المجتمع لا يعترض على زواج الرجل بعد الطلاق، ولا يرفض فيما لو تقدّم لخطبة أيّة امرأة قابلة للزواج، بل يقابل ذلك بالرضا والترحيب، ودائماً يكون هو صاحب الحقّ فيغفر له كلّ ذنب وكلّ خطأ وكلّ تصرّف ما دام هو الرجل ليس إلّا، أليست هذه هي مواصفات المجتمع الذكوري بامتياز؟ ثمّ أليس هذا هو عين التخلّف والإنحطاط الفكري في النظرة إلى المرأة المطلّقة؟
إنّنا يجب أن ننهض من واقعنا المتخلّف هذا، ونبحث عن السبل الكفيلة بإخراجنا من مستنقع العادات والتقاليد البالية التي ورثناها دون ذنب، وإلّا سنظلّ نراوح في مكاننا دون أن نتّخذ طريقنا نحو التقدّم والتحرّر والإلتحاق بركب الحضارة والديمقراطيّة التي أعطت للإنسان الحقّ في الحياة التي يختارها رجلاً كان أو امرأةً دون تمييز، ما دام الأمر لا ينطوي على التجاوز أو يسبّب الأذى للآخرين.
من يدري، قد تكون التجربة الأولى أعطت للمرأة المطلّقة خبرة في الحياة، وجعلتها أكثر إدراكاً للأمور، وعرّفتها مكامن الصحّ بين أكوام الخطأ، فلنمنحها الفرصة كما منحناها للرجل، وعليه، أحبّوا لبنات الناس ما تحبّونه لبناتكم، وبذلك ترضون الله عزّ وجلّ وتمضون في الطريق الصحيح.
Leave a Reply