لست أدري كيف أن بعض الشعب السوري المنضم إلى المعارضة ضد النظام، يسر بصداقة “أخوت شاناي”، المدافع هذه الأيام عن حرية وديمقراطية الشعب ضد الطغيان إلى درجة أنه إستغل ذكرى والده من أجل تأكيد موقفه وتموضعه ضد دمشق، والذي قد يتغير ويتبدل في أية لحظة حتى قبل أن يرتد طرفنا إلينا!
لقد حان للعالم أجمع أن يعرف حقيقة “أخوت المختارة” خصوصاً عندما استفاض وكرر دعوة دروز سوريا إلى عدم الإنخراط في “قمع” النظام، وهي دعوة مبطنة خبيثة هدفها حث الدروز العرب الأوفياء على الإنضمام للمعارضة المسلحة بعد أن تبين أنهم بأكثريتهم الساحقة لم تحركهم مطالب الإصلاح، وهي محقة وعادلة، لكن المراد بها باطلاً وتآمراً على سوريا. وإلا كيف نفسر التفجيرات الإرهابية في حلب ودمشق التي حصدت أرواح الأبرياء من المدنيين، وإنتقاد “هيومن رايتس ووتش” للجماعات المسلحة في سوريا على تعذيبها للمواطنين غير المؤيدين لها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، ثم (أخيراً، صح النوم) إعتراف مجلس الأمن بوجود مسلحين يستخدمون العنف أيضاً، وليس النظام فقط، عندما أتى البيان الأممي بتحوّل في الكثير من المواقف السابقة بإشارته للمرة الأولى إلى “أن الطرفين المتنازعين في سوريا يملكان السلاح ويستخدمانه”، ودعوته إلى وقف العنف “بكافة أشكاله من جميع الأطراف”. تحريض جنبلاط المذهبي الإنفصالي قوبل في جبل العرب في سوريا بالتهكم والإزدراء، كما ذكر تحقيق لصحيفة “الأخبار”، لأن “أهل مكة أدرى بشعابها” ولأن جنبلاط نسي أنه ليس قيماً أو وصياً على الدروز الرافضين لمغامراته الشبيهة بتوريطات زميله مجرم الحرب الآخر الذي لا محل له من الإعراب.
لكن المستهجن في كل هذا الهوس الجنبلاطي بسوريا، المدفوع الثمن بالبترودولار، انه لم يكثف دعوته ولو مرة واحدة لدروز فلسطين المحتلة لكي لا ينضموا إلى “الجيش الإسرائيلي” المحتل كما يفعل مع دروز سوريا! ربما زيارة شمعون بيريز، زميله ورفيقه في “الإشتراكية الدولية”، الودية له في المختارة في عز الغزو الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢، قد فعلت فعلها في عدم تدخله بشؤون دروز فلسطين! جنبلاط “العلماني” والإشتراكي والإقطاعي في نفس الوقت، لا يجد تناقضاً في التحالف مع “أحمد الأسير” والسلفية التكفيرية وجماعة “الإخوان”، ضد النظام في سوريا الذي نبشه من العدم وسواه رجلاً وغفر له خطيئة لحظة التخلي.
لكن هذا جنبلاط الذي نتحدث عنه. إنه دولاب اليانصيب البشري اليومي. كل هذا قد يهضم، لكن الذي لا يمكن بلعه هو كيف يقدر هذا البهلوان على “النطنطة” على حبال السياسة من دون حسيب ورقيب من قبل حزبه وجمهوره! من يذكر تهكمه على “الحزب الشمولي” خلال السنوات الأربعة الماضية؟ هل هناك حزباً شمولياً خانعاً أكثر من حزب جنبلاط؟ لكن الأمر المحير فعلاً هو كيف أن شخصاً بحجم وفهم محسن إبراهيم، ما زال “يقبض” مخلوقاً مثل “أخوت شاناي” يقف إلى جانبه كالكومبارس في كل حفلات جنونه؟ إلى أين؟ إلى أين؟
ثم كيف تستكين المعارضة السورية لتأييد فؤاد السنيورة ومعلمه لها؟ ألا تتعظ بما يفعلانه الآن بالمفتي قباني الذي أخلص لهما وحول السراي إلى “خلية فؤاد” عندما أم المصلين مراتٍ عديدةٍ في القاعة خلال الإعتصام ضد الحكومة البتراء وغير الميثاقية؟ لقد وصل بهما نكران الجميل إلى حد رفع دعوى قضائية ضد ابنه راغب وإصدار فتوى من قبل “الشيخ” محمد كبارة بمقاطعة المفتي وعدم جواز الصلاة وراءه. فمن ليس فيه خيراً لشعبه، كيف يكون خيراً لشعب يستعمله اليوم حطب وقود في أتون لعبة خليجية -غربية، لكن لم يرف له جفناً بعد عام ٢٠٠٥ أثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي تسبب في مقتل عشرات السوريين في لبنان؟ بالمناسبة، وجه سعد الحريري تحية في عيد الأم إلى أمهات لبنان وخص أمهات سوريا لأنهن “يصنعن الثورة”. جيد هذا الإهتمام المفاجىء بالأم السورية الممانعة والتي تحمي بلدها أيضاً من أطماع المستغلين، لكن ماذا عن أمهات فلسطين والأمهات العامليات اللواتي صنعن الإنتصار على العدو يا سعدو؟
الطامة الكبرى تكمن في تحالف “صغار ١٤ آذار” السوري، غير الطبيعي وغير المنطقي، مع سمير جعجع بطل “التطهير العرقي الطائفي” الذي اختطه معلمه ضد “الغرباء” من فلسطينيين وسوريين و.. مسلمين لبنانيين. فحتى الأمس، لم يرتو جعجع من شرب دماء الشعب الفلسطيني فطالب بحرب “نهر بارد جديدة” إذا لم يتم نزع سلاح المخيمات، الأمر الذي إستدعى رداً مفحماً من مسؤول “فتح” منير المقدح مذكراً إياه بمجازر “صبرا وشاتيلا”. بدون خجل ولا حياء يعتبر جعجع نفسه حالياً نصير الشعب السوري من دون أن تسأله المعارضة السورية عن آلاف المفقودين من لبنانيين وسوريين الذين خطفتهم “قواته” على الحواجز الطيارة! ذلك أن جعجع أصبح عروبياً بإمتياز يستقبل بإعجابٍ وإحترام في مشيخة قطر ويقدر على عرقلة لقاء شيخ الأزهر مع بطرك الموارنة بشارة الراعي الذي وجه له انتقاداتٍ حادة وكلماتٍ غير لائقة بسبب موقفه العقلاني من أحداث سوريا.
أما الآخرون، قطر والسعودية والغرب، وخصوصاً فرنسا، فحدث ولا حرج.
على كلٍ، زاد في طين المعارضة السورية بلة قرار مجلس الأمن بتبني مقترحات كوفي عنان بعد وساطته في سوريا، مما إعتبر إنتصاراً لوجهة النظر السورية الرسمية التي كانت منذ بداية الأزمة تقدم نفس إقتراح الحوار والإصلاح بقيادة الرئيس بشار الأسد وقد خطت خطوات مهمة على صعيد وضع دستور جديد وتحديد موعد للإنتخابات الحرة. لقد أسقط في يد قطر والجامعة العربية التي لفظت أنفاسها الأخيرة حين حاولت تدويل الأزمة السورية، وبعد صمود سوريا أمام كل ضغوط العالم.
يجب أن يكون لسان حال المعارضة السورية الآن “اللهم نجّني من الأصدقاء، أما أعدائي فأنا كفيلٌ بهم”!
Leave a Reply