دمشق، أنطاليا – في الوقت الذي تشهد فيه حركة الاحتجاجات في الداخل السوري تراجعاً ملحوظاً بالتزامن مع عمليات الجيش السوري في مناطق مختلفة من البلاد، جاء الأسبوع الماضي حاملاً تطورات بارزة في ساحة الأزمة السورية، أبرزها سلسلة قرارات إصلاحية وتصالحية، في أكثر من اتجاه، أقدمت عليها دمشق لتأكيد توجهها الى الإصلاح وفتح صفحة جديدة من تاريخ البلاد.إلا أن معارضي النظام الذين اجتمعوا في مدينة أنطاليا التركية، رفضوا القرارات الإصلاحية ووصفوها بـ”المتأخرة” ورفعوا سقف مطالبهم الى حد مطالبة الرئيس بشار الأسد إلى الاستقالة “الفورية” وتسليم السلطة لنائبه. وجاء تصعيد المعارضة متزامناً، مع التصعيد الأميركي في اللهجة ضد الرئيس السوري عبر اعتبار أن شرعيته “نفدت تقريبا”. وفي حين يستعد معارضو الداخل الى تنظيم “جمعة أطفال الحرية” في محاولة جديدة لاستنهاض الشارع السوري الذي لم يتجاوب بشكل واسع مع الدعوات الي التظاهر منذ انطلاقها في آذار (مارس) الماضي، كانت الحكومة السورية تنجز إصدار قرارات إصلاحية شاملة.واجتمعت الخميس الماضي هيئة الإشراف على الحوار الوطني، التي شكلها الأسد مطلع الأسبوع لتسمي مجموعة من الإجراءات أبرزها السماح لعدد من وسائل الإعلام الخارجية بدخول البلاد، وإعلان يوم للحداد العام على “كل شهداء سوريا من دون استثناء”. وتضم اللجنة، التي يشرف عليها نائب الرئيس فاروق الشرع، من شخصيات بعثية وحزبية ومستقلة، هدفها وضع آلية للحوار الوطني المرتقب على مستوى القطر وتحديد إطار زمني له وأهدافه. وجاء ذلك بعد إصدار الأسد قرار عفو عن المعتقلين، من بينهم الإخوان المسلمين، حيث أفرجت السلطات بعد ساعات من القرار مئات الموقوفين السياسيين، فيما يتوقع خروج آلاف آخرين.وأكدت مصادر سورية واسعة الإطلاع لصحيفة “السفير” اللبنانية أن القانون 49 بات بحكم الملغى، وأنه بإمكان كل المنفيين من جماعة “الإخوان المسلمين” العودة إن استكملوا الإجراءات القانونية المطلوبة، وذلك ضمن الإجراءات السياسية التي بدأت القيادة السورية بتنفيذها خطوة بعد أخرى، بهدف نقل البلاد إلى أجواء الحوار السياسي من الأجواء الأمنية السابقة.كما سمت لجنة الإشراف على الحوار الوطني، التي أعطاها الأسد كامل الصلاحيات، مجموعة من الإجراءات تركز على “المعالجة السياسية للأزمة”، وأنه في هذا الإطار سيسمح لعدد “من وسائل الإعلام الخارجية بدخول البلاد لتغطية أحداثها وزيارة مختلف المحافظات” وذلك للحد من “التضليل الإعلامي الذي يواكب الأزمة السورية”، وفقا لتعبيرها.أما من ناحية “المؤتمر السوري للتغيير” الذي انعقد في أنطاليا فأعلن أن المجتمعين “يلتزمون برحيل بشار الأسد وإسقاط النظام ودعم الحرية ويدعونه الى الاستقالة الفورية من جميع مناصبه وتسليم السلطة حسب الإجراءات المرعية الى نائبه”. ولم يتطرق البيان الختامي الى مرسوم العفو.ودعا البيان ايضا “الى انتخاب مجلس انتقالي يضع دستورا ثم تتم الدعوة الى انتخابات برلمانية ورئاسية خلال فترة لا تتجاوز العام ابتداء من استقالة الرئيس” السوري. كما أكد “الاستمرار في دعم ثورة شعبنا حتى تحقيق اهدافها مصرين على اركانها الوطنية والحفاظ على وحدة التراب الوطني ورفض التدخل الاجنبي مشددين على ان الثورة لا تستهدف اي فئة معينة”. وأشار البيان الى ان “الشعب السوري يتكون من قوميات عديدة عربية وكردية وكلدو اشورية وشركس وأرمن، ويؤكد المؤتمر على تثبيت الحقوق المشروعة والمتساوية لكل المكونات في دستور سوريا الجديدة”، داعيا “الى الدولة المدنية القائمة على ركائز النظام البرلماني التعددي” متجنبا بذلك الدخول في الجدل حول العلمانية او فصل الدين عن الدولة.وأكد البيان ايضا انه يتعهد ان “سوريا المستقبل ستحترم حقوق الانسان وستكون دولة مدنية تقوم على مبدأ فصل السلطات وتعتمد الديموقراطية والاحتكام الى صناديق الاقترع”. وناشد “الشعوب العربية وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي تحمل مسؤولياتهم القانونية والاخلاقية لوقف انتهاكات حقوق الانسان”. وأشار اخيرا الى انتخاب “هيئة استشارية مهمتها اختيار هيئة تنفيذية تقوم بوضع خطة عملية لحشد الدعم للداخل”.ومن ناحيته، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إن تركيا تفتح ابوابها لاستقبال داعمي الأسد كما تستقبل معارضيه، وكان المئات من السوريون قد تظاهروا تضامنا مع النظام في مدينة أنطاليا حيث تعرضوا لمضايقات، كما أعلن أردوغان انه سيتصل بالأسد ليعرب له عن امتنانه إزاء قرار العفو، كونه اتصل به قبل يومين من ذلك طالبا الإفراج عن المعتقلين، فيما قال وزير الخارجية أحمد داود اوغلو إن “على التوتر في سوريا ان ينتهي. وتطبيق الإصلاحات هو الطريقة الوحيدة للقيام بذلك”، وذلك خلال مقابلة مع قناة “هابير ترك” التركية.من جهتها، قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ملمحة الى روسيا والصين “موقف المجتمع الدولي حاليا ليس موحدا كما نسعى ان يكون. لم نحصل بعد على موافقة بعض الاعضاء الآخرين في مجلس الامن”. وأضافت كلينتون “أولئك الذين نسعى لاقناعهم برؤيتنا للوضع أعتقد انه يتعين عليهم التوصل الى قرارهم الخاص. لكننا نعتقد انه سيكون أفضل لهم أن يكونوا في الجانب الصحيح من التاريخ”. وتابعت قائلة “يتعين على المجتمع الدولي الاستمرار في اتخاذ أقوى موقف ممكن والمطالبة باتخاذ إجراءات محددة، ليس فقط مثل الإعلان عن عفو، بل الافراج عن السجناء السياسيين وإنهاء عمليات الاحتجاز الظالمة والسماح لمراقبي حقوق الانسان بدخول البلاد”.ولمحت كلينتون الى أن صبر الولايات المتحدة على الأسد ينفد لكنها لم تصل الى حد مطالبته بوضوح بالاستقالة. وجدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ثبات الموقف الروسي الرافض لأي تدخل أجنبي في شؤون سوريا الداخلية. وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البلغاري نيكولاي ملادينوف اثر اختتام مباحثاتهما في موسكو إن سوريا دولة محورية في الشرق الأوسط وإن أي محاولة لزعزعة استقرارها يمكن أن تسفر عن عواقب كارثية مشددا على وجوب التصدي لهذه المحاولات وقطع دابرها.
المعارضون اجتمعوا في تركيا وقرروا: على الأسد أن يستقيل
النظام السوري يقدم على خطوات إصلاحية وتصالحية
Leave a Reply