دمشق – بدأت معالم الحل السلمي للحرب السورية تتبلور قبل أقل شهرين من القمة الروسية الأميركية المرتقبة بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين والتي من المرجح أن تكون مفصلية في مسار الأزمة التي دخلت شهرها الـ٢٢، فيما يبدو أن الرهانات الخليجية والتركية والغربية على سقوط النظام السوري وتنحّي الرئيس بشار الأسد قد فشلت، وذهبت في مهبّ الريح.
فالمفاوضات الروسية-الأميركية دخلت مرحلة التحضير لطاولة التسوية على أساس مقررات مؤتمر جنيف في حزيران (يونيو) الماضي، إذ ينعقد في جنيف مع صدور هذا العدد الاجتماع الثاني من نوعه في غضون شهر بين المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ومساعد وزيرة الخارجية الأميركية وليام بيرنز لبحث الأزمة السورية، وذلك بعد ساعات من البلبلة التي أثارتها تصريحات الإبراهيمي باستبعاد الرئيس السوري بشار الأسد من «المرحلة الانتقالية» ووصف خطابه الأخير بأنه «كان طائفياً» قبل أن يعود ويعتذر عن هذا التعبير، فيما سارعت دمشق إلى الردّ عليه معتبرة أن تصريحاته تظهر انحيازه «بشكل سافر لمواقف أوساط معروفة بتآمرها على سوريا ومصالح الشعب السوري»، لكنها أكدت استمرار تعاونها معه لإنجاح مهمته «في إطار مفهومها للحل السياسي للأزمة السورية».
وإذا الإبراهيمي أغضب دمشق، فإن موسكو استبقت اجتماع جنيف بالتأكيد على أن موقفها لم يتغير من الأزمة السورية، مشددة على أن كل التصريحات، خاصة الأميركية، حول إزاحة الأسد من السلطة خاطئة لأن الخيار النهائي هو للشعب السوري، فيما أملت بكين أن يؤدي لقاء جنيف الى بدء تسوية سلمية للأزمة.
وجاءت التطورات الأخيرة على مسار الحل السلمي وسط تطورات بارزة توالت منذ مطلع العام كان أبرزها خطاب الرئيس الأسد من دار الأوبرا في دمشق والذي اعتبره مراقبون «خطاب نصر» طرح خلاله الرئيس السوري برنامجه للحل.
وقد أراد الأسد لخطابه أن ينتقل من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم. سبقه إلى ذلك قبل أيام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وبين الخطابين يتوتر الوضع في العراق ويزداد الضغط على رئيس الحكومة نوري المالكي فيما قال رئيس هيئة الأركان الإيرانية لشؤون التعبئة والإعلام العميد مسعود جزائري أن مستجدات أحداث سوريا «هي انتصار رابع للمقاومة وأن إيران لن تسمح بإضعاف أي ركن من أركان المقاومة في المنطقة».
في هذه الأجواء وضع الأسد برنامجه «للحل السلمي المسلح» الذي يوحي باستعادة زمام القوة، لاسيما بعد تقدم الجيش السوري في عدد من المحاور وفشل المعارضة السورية في تحقيق أي انتصار يذكر في ما سمته «حرب المطارات». ولاشك أن الأسد أراد إعطاء ورقة قوة للمفاوض الروسي في مواجهة الأميركيين، ولكنه أيضاً كانت رسالة تطمين على أن الدولة لا تزال قوية، ولذلك تعمد غير مرة شكر الجيش والتركيز على دوره.
وقد لاقت مبادرة الأسد، فور إعلانها، سلسلة من الانتقادات، من باريس ولندن وواشنطن وأنقرة، وصولا الى ائتلاف المعارضة المتشكلة في الدوحة.
وفي حين لم يصدر أي رد فعل روسي حيال خطاب الأسد، رحبت بكين بأي حل سياسي يحظى بالقبول من كل الأطراف السورية لإنهاء أعمال العنف، بينما اعتبرت طهران أن مبادرة الرئيس السوري، تتوافق مع المبادرات الإقليمية والدولية لحل الأزمة، فيما أكدت مصادر سورية أن خطاب الأسد يستند أصلاً على أجواء المفاوضات الدولية للحل بين الروس والأميركيين.
وكان الأسد قد قال في خطابه الذي استمر ساعة، إن سوريا لا تستطيع أن تنتظر الحل بل يجب أن تبادر إليه، معتبرا أن الصراع اليوم هو صراع بين «الشعب والمجرمين»، مؤكدا «لن نتوقف ما دام هناك إرهابي واحد في سوريا».
وقدم الأسد مبادرته «انطلاقا من ثوابتنا» والتي تقوم على ثلاث مراحل «وقف التمويل والتسليح لكل المجموعات المسلحة بالتوازي مع وقف العمليات العسكرية، ما يعيد النازحين إلى بيوتهم وبعدها تتوقف العمليات العسكرية مع الاحتفاظ بحق الرد»، و«إقامة اتصالات مع أطياف الشعب السوري كافة للتواصل معهم وإيجاد حل للأزمة الراهنة»، ومن ثم «تدعو الحكومة الراهنة لحوار وطني يضع ميثاقا يتمسك بسيادة سوريا وينبذ الإرهاب والعنف… ويجري الاتفاق على قانون جديد للأحزاب والإدارة المحلية، ويعرض الميثاق الوطني على الاستفتاء الشعبي، وتشكل حكومة وطنية تنفذ الاستفتاء، وبعدها تقوم الحكومة الموسعة بتطبيق الاستفتاء وإقرار قانون انتخابي جديد ويدعى بعدها للانتخابات»، ومن ثم «بعد الانتخابات يتم تشكيل حكومة جديدة والدعوة للحوار وإطلاق سراح جميع المعتقلين جراء الأحداث الأخيرة».
وشدد الأسد على أن أي انتقال سيحدث في سوريا سيكون عبر الوسائل الدستورية، مشيرا إلى أن «هذه الأفكار موجهة لكل من يريد الحوار والحل السياسي»، مضيفا أن الرؤية «ليست موجهة لمن لا يريد أن يحاور». وسأل «مع من نتحاور؟ مع أصحاب فكر متطرف لا يؤمنون إلا بلغة الدم والقتل والإرهاب، أم نحاور دمى رسمها الغرب وصنعها وكتب نصوص الرواية عنها؟ من الأولى أن نحاور الأصيل وليس البديل. نحاور السيد لا العبد».
وتطرق للمرة الأولى إلى اتفاق جنيف الذي يشكل أساس اتفاق روسي – أميركي وأرضية تحرك الأمم المتحدة لإيجاد حل للأزمة السورية، موجهاً انتقادات للاتفاق باعتباره تضمّن بندا غامضا حول «المرحلة الانتقالية». وقال «بالنسبة لنا في مثل هذا الظرف المرحلة الانتقالية هي الانتقال من اللااستقرار إلى الاستقرار وأي تفسير آخر لا يعنينا»، موضحا أن «أي تفسيرات لأي موضوع يخرج عن السيادة السورية بالنسبة لنا هو عبارة عن أضغاث أحلام».
لكن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، قالت في بيان، إنّ خطاب الأسد «هو محاولة جديدة يقوم بها النظام للتمسك بالسلطة، ولا يقدّم أيّ شيء ليمضي الشعب السوري قدماً نحو تحقيق هدفه المتمثل في انتقال سياسي». وأضافت نولاند إنّ «مبادرة (الأسد) منفصلة عن الواقع. إنها تقوّض جهود الوسيط (العربي والدولي) الأخضر الإبراهيمي، وستكون نتيجتها الوحيدة استمرار القمع الدامي للشعب السوري».
أما أبرز التطورات الميدانية على الساحة السورية، مع تواصل المعارك في ريفي دمشق وحلب ومحاولات المعارضة الفاشلة للإستيلاء على قواعد جوية فكان اتمام صفقة تبادل أسرى بين النظام والمعارضة أطلق بموجبها سراح أكثر من ألفي معتقل للمعارضة، بينهم أربعة طيارين أتراك، مقابل قيام «الجيش الحر» بالإفراج عن ثمانية وأربعين مختطفاً إيرانيا لديه، في وقت ضربت عاصفة من الآمال قلوب كثيرين في أن تشمل ناشطين وشخصيات في المعارضة السياسية أو تمتد لتحرير مختطفي أعزاز في الشمال، على اعتبار أن الصفقة التي لم ينفها أو يؤكدها الإعلام الرسمي تشمل كافة المناطق السورية وتُعتبر الأضخم منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في آذار قبل عامين.
في الواقع، كان خبر الإفراج عن الطيارين الأتراك العنصر الأبرز في صفقة الأسبوع الماضي. فهؤلاء رفضت السلطات التركية الاعتراف بوجودهم على الأراضي السورية منذ فترة قليلة، ليظهر مع إطلاقهم الواقع مختلفاً. وكان موضوع اعتقال الطيارين الأربعة أثار جدلاً واسعاً في نهاية العام الماضي حول تورط الأتراك في الصراع السوري، مع خروج هيئة الأركان التركية لتنفي ما وصفته بـ«ادعاءات صحافية سورية، عن اعتقال أربعة طيارين عسكريين أتراك، أثناء محاولة التسلّل إلى أحد المطارات العسكرية قرب مدينة حلب». وأتى النفي التركي رداً على ما نشرته صحيفة «الوطن» السورية التي اتهمت الضباط الأتراك بمحاولة التسلل إلى مطار كويرس العسكري في حلب، قبل أن تلقي عناصر حماية المطار القبض عليهم عندما كانوا برفقة مجموعة مسلحة.
كما برز خلال الأسبوع الماضي اتهام وزارة الخارجية السورية للدولة التركية بالمساهمة في سرقة حوالي ألف مصنع في محافظة حلب تم نهب معداتها وبيعها في تركيا بأبخس الأثمان.
Leave a Reply